لا يمكن ولا تستطيع أن تكتب عن الأستاذ عباس محمود العقاد وتغض الطرف عن معاركه السياسية.
الواقع أن للأستاذ العقاد أيضا كثيرا من معاركه الأدبية الشهيرة مع عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وغيره الكثير من كبار الأدباء والشعراء في عالمنا العربي وهذا الأمر يبدو أنه اعتياديا في رؤيتي فقد كان أديبا وشاعرا عملاقا وحوله جيل من الأدباء والمفكرين والشعراء العظماء مثله، وكلٌّ له موروثه الثقافي ووجهته ورأيته التي يتبناها ويدافع عنها، ولا يفوتني أن نفخر بأبناء هذا الجيل العظيم فإنهم ما يزالون - حقيقة - هم النهر الخالد الذي ارتوى وسيرتوي منه أدباء الشرق العربي من أقصاه إلى أقصاه.
تُرى وما الغرابة أن تكون له معاركه السياسية أيضا !!... حتى أنه لم يسلم من نقده أو هجومه أي سياسي أقام فكره أو حكمه اعتمادا على تخويف الناس ومصادرة أفكارهم وأرائهم وحريتهم في التعبير بالقوة القهرية الجبرية.
لقد كان الأستاذ العقاد صاحب ميزان عقلي معتدل، فعلى سبيل المثال في الوقت الذي وجد هتلر تجاوبا ومكانا في قلوب بعض المصريين ضد الإنجليز نظرا لاحتلالهم لمصر عقودا متعاقبة كان يراه الأستاذ العقاد دمويا ونازيا وهاجمه كما هاجم الصهيونية في آن واحد.
العقاد الإنسان كان لا يؤمن بالاستقواء حتى يطمئن إلى من يدافع عنه وقت اللزوم، كما أنه لم يكن ليميل أبدا إلى طائفة أو جماعة أو نحو ذلك مهما اشتركوا معه في بعض المفاهيم أو حتى العقائد، وإنما كان يميل كل الميل إلى فكرته الأساسية وهي حرية الإنسان، تلك الفكرة التي ترك لنا ومن أجلها تراثا ومخزونا أدبيا هائلا لا ينضب أبدا كما أنه رحمه الله قد أنفق حياته وهو يدافع عن إيمانه بفكرته... ( حرية الإنسان )
وأنا أقدم له أزكى التحية وأجل التقدير لما بذله وقدمه لنا كعرب وللإنسانية جمعاء بمناسبة ذكرى وفاته - أرى - أن تكرار هذه النسخة الأدبية الإنسانية كنموذج الأستاذ عباس محمود العقاد من الصعب جدا أن يجود الزمان بمثيلها على الأقل في الوقت الراهن
نعم - إن هنا وهناك عمالقة في شتى فنون الأدب ولكن المناخ العام الآن كالأرض الجدباء لا ترعى نبتا أصيلا وربما لا تسمح له أصلا بأن يرى النور فوق سطح الأرض!
لذلك أكتب عن أستاذنا عباس محمود العقاد الذي أتاح له المناخ من حوله مهما كان هامش الحرية المتاح للناس كبيرا أو صغيرا حينئذ إلا أنه وجد النور به وتنفس الصعداء فزلزل الأرض من حوله إيمانا بفكرته الأساسية في الحياة ... حرية الإنسان
– مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق