جاءت نسبة المشاركة العربية في الإنتخابات البرلمانية الإسرائيلية ل" الكنيست" الواحدة والعشرين،لكي تكشف عن هبوط تلك النسبة عن 50%،ولكي تطرح الكثير من التساؤلات على قادة العمل الحزبي والسياسي الفلسطيني هناك عن جدوى الإستمرار بالمشاركة في ما يسمى بلعبة الديمقراطية الإنتخابية الإسرائيلية،في ظل حالة إجماع صهيوني غير مسبوقة ب" التغول و" التوحش" على حقوق شعبنا الفلسطيني،حيث سن المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية،الهادفة الى إقصاء الوجود العربي الفلسطيني وتجريده من حقوقه،قانون يهودية الدولة وقانون ما يسمى بأساس القومية الصهيونية وغيرها من القوانين والتشريعات المغرقة في العنصرية والتصرف،وهذه الإنتخابات كشفت بشكل جلي أيضاً،عن حالة تماهي وتطابق ما بين المجتمع الصهيوني وقادة هذا المجتمع،وبأن ما يسمى باليسار الصهيوني في المجتمع الصهيوني أخذ في التفكك والتحلل والسير نحو الإندثار ،بما في ذلك حزب العمل الصهيوني المؤسس لهذ الدولة،والذي لم يحصل سوى على ستة مقاعد،وحركة ميرتس والتي حصلت على عدد كبير من الأصوات العربية،4 مقاعد.
الإنتخابات الإسرائيلية على السلطة انحصرت بين اليمينين الديني والعلماني الصهيوني،والتي لا تختلف برامجهما في المنطلقات والأفكار والمفردات،أيهما سيمارس القمع والتنكيل بالفلسطينيين أكثر،ويمعن في التنكر لحقوقهما ..؟؟،وليس طرح أي خطة سلام للتعامل معهم،ومنحهم جزء من حقوقهم لا السياسية الوطنية ولا الحقوقية الاقتصادية الإجتماعية،وأي طرف منهم يقول بذلك يعرف جيداً انه سينتحر سياسياً.
بغض عن النظر عن الأسباب التي دفعت بالجماهير العربية الى مقاطعة الإنتخابات الإسرائيلية،تبقى ظاهرة المقاطعة لتلك الانتخابات ظاهرة سياسية،وإن اختلفت تلك الأسباب أو تصوير البعض لها على انها مرتبطة باليأس والإحباط من القوى السياسية العربية،والقوى المشاركة في الإنتخابات التي فككت القائمة المشتركة ،وخاضت الصراعات أطرافها على المقاعد والمصالح،مستخدمة مصلحة الجماهير العربية،وكذلك المقاطعة لأسباب متعلقة بمواقف أيديولوجية للحركة الإسلامية وحركة أبناء البلد وحركة كفاح وطيف من قوى وشخصيات مستقلة أخرى.
حجم ونسبة المشاركة العربية في الانتخابات للكنيست الصهيوني بلغت في عام 1955 (91%) ،وهي النسبة الأعلى،والعرب كانوا يعتقدون انه لربما من خلال البرلمان الصهيوني " الكنيست" سيتمكنون من انتزاع جزء من حقوقهم من براثين القوى الصهيونية،ولكن التطورات الحاصلة في المجتمع الصهيوني،والتي جميعها تؤشر الى ان هذا المجتمع لن يعترف ليس للعرب بحق تشكيل أقلية قومية سياسية،لها خصائها وحقوقها ولغتها وثقافتها،بل هناك سعي محموم من قبل القوى الصهيونية الى تفكيك النسيج الوطني والمجتمعي العربي،وتحويل العرب هناك الى تجمعات سكانية،وليس شعب له حقوق ،وليصل الأمر حد ابتداع قوميات مصطنعة لجزء من المواطنين العرب،بالتعاون مع شريحة خانت قوميتها وعروبتها ،كما حصل مع العرب المسيحيين الذين حاول نتنياهو ان يبتدع لهم قومية آراميه،وبأنهم ليسوا جزءاً من القومية العربية.
اليوم في ظل تسييّد اليمين الصهيوني،وإنكشاف الأهداف والمخططات التي تطرح للتخلص من العرب هناك،بإعتبارهم قنبلة ديمغرافية،يجب التخلص منهم بالطرق الشرعية و" المقوننة" أو غير ذلك ،فإن مسألة وقضية المشاركة في الإنتخابات للبرلمان الصهيوني،باتت في نظر جمهور وطيف عربي واسع ليست مجدية،سوى في أنها تضفي طابع من "الديكور " الديمقراطي على دولة الإحتلال، وتمنع إنكشافه كمجتمع عنصري متطرف تحكمه عقلية إنغلاقية لا تؤمن بوجود شعبنا وتنفي وجوده وحقوقه.
وصول الجماهير العربية الى قناعة من عدم جدوى المشاركة في الإنتخابات الإسرائيلية وتزايد حجم ونسبة القوى الداعية الى عدم المشاركة فيما يسمى بلعبة قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية الإسرائيلية، يستدعي من كل القوى العربية هناك الى إبتداع أطر ولجان وأشكال ومؤسسات وبنى حزبية يستطيعون من خلالها تنظيم وتاطير نضالاتهم،من اجل الدفاع عن حقوقهم ووجودهم وأرضهم في وجه " الغول" الصهيوني.
البرامج والمواقف يجب ان تستند بالضرورة الى قراءة صحيحة للواقع الصهيوني وما يحدث في داخله من تغيرات وتطورات،وليس الإمساك بنفس المواقف والرؤى ،ولعل القراءة الفلسطينية الخاطئة للواقع الصهيوني،هي التي دفعت بالقيادة الفلسطينية الى التعلق بالأوهام ورهن حقوق شعبنا الى نتائج الانتخابات الصهيونية والأمريكية،ولكي نجد أنفسنا بعد خمسة وعشرين عاماً من ماراثون تفاوضي عبثي،بالوصول الى مرحلة باتت فيها قضيتنا وحقوق شعبنا مهددة بمخاطر التصفية والتبديد.
ولذلك تغير قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية الإسرائيلية،وحدوث إنزياحات كبيرة جداً في المجتمع الإسرائيلي منذ عام 1996 نحو اليمين والتطرف،للوصول الى حالة من التماهي والتطابق ما بين القيادة الصهيونية والمجتمع الصهيوني،في عدم اعترافهم بوجود شعبنا وحقوقه والهجمة الواسعة على كل ما يتصل بوجوده من أرضه وهوية وثقافة وإنتماء، يستدعي حالة مراجعة شاملة من قبل كل القوى والمركبات السياسية الوطنية والمجتمعية الفلسطينية في الداخل الفلسطيني – 48 – فيما يتعلق بجدوى المشاركة في لعبة الإنتخابات البرلمانية الصهيونية،والبحث عن الشكل الأنسب من اجل تجميع وتاطير و"صهر" كل الطاقات والإمكانيات لأهلنا وقوانا العربية هناك في بوتقة واحدة،عبر إطار تمثيلنا جامع يقود نضالاتهم من أجل حماية وجودهم والدفاع عن حقوقهم.
الان كل قضيتنا ومشروعنا الفلسطيني في خطر جدي وحقيقي،ليس بفعل سياسات اليمين الصهيوني بشقيه الديني والعلماني،بل نحن امام عدوان مباشر تقوده الإدارة الأمريكية على شعبنا الفلسطيني بقيادة المتصهين ترامب،عدوان لن يكتفي الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، بل سيعملون على شطب قضية حق العودة والسعي لضم أغلب الضفة الغربية الى دولة الاحتلال،وبما يجعل الخطر شمولي على شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده،مما يستدعي توحد الكل الفلسطيني خلف مشروع وطني موحد لشعبنا الفلسطيني ،يمكن من التصدي لهذا العدوان وتلك المخاطر،والتي سيعبر عنها من خلال مشروع ما يسمى بصفقة القرن،والتي ليس فقط خلفها الإدارة الأمريكية المتصهينة،بل هناك أطراف من النظام الرسمي العربي منخرطة في هذا المشروع،وهي من ابتهجت وفرحت لفوز نتنياهو وهنأته بفوزه في الانتخابات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق