لا شك أن كل الحملات الإنتخابية تتمحور حول قضايا المستقبل، وأستراليا التي يتوجه مواطنوها إلى صناديق الإقتراع في 18 أيار 2019 تشهد حملة إنتخابية تستعمل فيها كل الأساليب منها السلبي ومنها الإيجابي للفوز بثقة الناخبين.
سبق تحديد موعد الإنتخابات إعلان حكومة الأحرارعن ميزانيتها السنوية للعام المالي 2019 -2020 التي قُدمت لأول مرة في شهر نيسان منذ تأسيس الفيدرالية، وأغدقت الحكومة العديد من الوعود سواء كانت تخيفضات ضريبية أو وعود ببناء المزيد من البنى التحتية او تحقيق فائض بالميزانية بمبلغ قدره 7.1 مليار دولار وغيرها من الوعود خصوصاً التركيز على زيادة الوظائف وإدارة الإقتصاد.
المعارضة الفيدرالية لم تتأخر في الرد حيث دخلت المزاد الإنتخابي بوعود منها القديم والتي أعلنت عنها خلال السنوات الماضية كوقف العمل بالتخفيضات الضريبية، الإستثمار السلبي "النيكتيف غيرنغ" والتي يستفيد منها اقل بقليل من 8% من المواطنين حيث لم يعد بمقدور المواطنين الإستفادة من هذا النظام إلا في حال شراء منازل أو شقق جديدة وستستمر المعارضة في حال فوزها بالحكومة بإعطاء التخيفضات للأشخاص الذين اشتروا منازلهم قبل إقرار القانون، وكذلك تخفيض نسبة الأرباح على رأس المال من 50% إلى 25% وغيرها. كما أطلقت المعارضة وعوداً جديدة أبرزها تقديم الدعم المالي للمصابين بأمراض السرطان حتى لا يتحمّلون أية نفقات إضافية.
نحن في بداية الحملة الإنتخابية، ولا شك أن سباق الوعود الإنتخابية سيستمر حتى فترة الصمت الإنتخابي التي تسبق الإنتخابات، يضاف إلى ذلك الحملات الدعائية حيث برزت النبرة العدائية في الخطاب والإتهامات بالكذب وعدم الوفاء بالوعود سابقاً من أجل النيل من مصداقية الطرف الآخر.
يبقى للناخب وحده الحكم على إداء السياسيين حيث أن نسبة ثقة المواطنين بالطبقة السياسية في أستراليا تدنت إلى أدنى مستوى لها في تاريخ أستراليا الحديث فوصلت إلى ما دون الخمسين بالمئة، بينما كانت تتجاوز 90% في سبعينيات القرن الماضي، وطبعاً للمواطن أسبابه خصوصاً بعد الصراع المرير على المستوى القيادي داخل حزب الأحرار في السنوات الست الماضية والتي ما تزال تداعياتها ظاهرة للعيان سواء في إداء الحكومة او في تدني شعبيتها في كافة استطلاعات الرأي منذ انتخابات العام 2016 (52 استطلاعاً) حيث هجرتها قاعدتها الشعبية إلى الأحزاب الصغرى او المستقلين.
اليوم تحاول الحكومة استعادة وعيها السياسي وتقديم الوعود وأنها ستضع الماضي خلفها وانها ستكون حكومة لكل الأستراليين. هذا الكلام لم يقنع حتى بعض السياسيين الأحرار المخضرمين الذين فضّلوا الإنسحاب وعدم المنافسة للبقاء في الحياة السياسية أبرزهم (وزيرة الخارجية السابقة جولي بيشوب، وزير الصناعات الحربية السابق كريستوفر باين، وزيرة أماكن العمل السابقة كايلي اودوير) وكانت النائبة السابقة جوليا بانك قد انشقت عن الحزب بعد معاناتها مع زملائها قبل الإنقلاب على مالكوم تيرنبول كما قالت.
حسب خبير استطلاعات الرأي المستقل جون ستيرتن فإن اجراءات الحكومة ووعودها المالية ما هي الا نوع من اليأس السياسي لأنها حكومة مأزومة وان هذه الخطوة جاءت متأخرة (سدني مورننغ هيرالد 6/4/2019 ص 36 قسم التحليلات السياسية).
حزب العمال والذي كان قد عانى من أزمة مماثلة ما بين عامي 2010 و2013 استطاع خلال السنوات الست الماضية أن يقدّم نفسه على انه مؤهل لأن يقود البلاد في المرحلة المقبلة حيث ظهر موحداً خلف رئيسه وقدّم سياساته للمواطنين على مراحل خلال السنوات الماضية سواء المتعلقة بتغيير النظام الضريبي أو سياسية الحد من الإنبعاث الحراري أو تطوير النظام التعليمي.
إذن، الحملة الإنتخابية انطلقت، وكما قال رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال سكوت موريسن إن هذه الإنتخابات ستحدّد مستقبل البلاد ليس للسنوات الثلاث القادمة، إنما للسنوات العشر القادمة قاصداً تخويف المواطنين من إنتخاب حزب العمال. في الحقيقة أن الإنتخابات القادمة مختلفة فعلاً لأنها المرة الاولى التي يبرز فيها الفرق بين سياسات العمال والأحرار الذين ما زالوا غارقين في شعارات الماضي التي أكل الدهر عليها وشرب مثل مقولة أن الأحرار يحسنون إدارة الإقتصاد بكفاءة أكبر، وهذا ما لم يثبت خلال السنوات الست الماضية التي ارتفعت فيها نسبة الدين العام من 13% إلى 19% بالاضافة إلى أن العمال قد انقذوا أستراليا من الأزمة المالية الي وقعت عام 2008 و2009 حيث بقيت أستراليا الدولة الوحيدة من الدول المتقدمة إلى جانب كندا بمنأى عن تداعياتها السلبية! ومن قال أن الإستثمار في التعليم والصحة لا يعتبر جزء من ادارة الإقتصاد؟!
أخيراً، إن استمرار تقدم العمال في استطلاعات الرأي دون انقطاع منذ عام 2016 وشعار العدالة الإجتماعية الذي رفعه بيل شورتن رئيس حزب العمال كعنوان لحملته الإنتخابية على صوابيته وأهميته لا يمكن أن يشكل بطاقة دخول مجانية لشورتن إلى اللودج، لأن الحملة السلبية التي تشنّها الحكومة والتخويف من وصول شورتن وسياسته الضريبية إضافة إلى أية هفوة أو خطأ يرتكبه العمال قد يكلفهم الإنتخابات كما حصل في نيو سوث ويلز مع مايكل دايلي الذي خسر الإنتخابات ومنصبه، وقبل ذلك كان جان هيوسن زعيم حزب الأحرار قد خسر الإنتخابات التي لا تخسر لصالح بول كيتنغ العمالي عام 1993 لأنه لم يستطع وقتذاك شرح خطته الضريبية جي أس تي وتأثيرها على سعر قالب الحلوى .
حتى الآن يحاول الزعيمان اللذان يفتقدان للكاريزما الشخصية الإلتزام بالحملة المضبوطة الإيقاع من قبل الأستراتيجيين داخل الحزبين من أجل إلحاق أكبر ضرر سياسي بالخصم وصولاً إلى يوم الحسم، وقد رأينا كيف رفض بيل شورتن الإجابة الثلاثاء 16/4/2019 عن أسئلة الصحافي من القناة العاشرة جوناثان لي عن خطته للحد من الانبعاث الحراري وكلفتها الاقتصادية.
يبقى أن نشير إلى أن الفائز سوف يواجه مجلس شيوخ قد يكون عدائياً إلا في حال حصول حزبي العمال والخضر على 39 مقعداً لتمرير السياسات المتعلقة بالضريبة والتغييرات المناخية التي يتوافق عليها الحزبين.
بالختام، نتمنى أن تكون الإنتخابات القادمة بداية جديدة لعهد من الإستقرار السياسي في البلاد والذي يشكل هاجس لمعظم الناخبين الذين سئموا من الإنقلابات السياسية، فهل هناك من يستطيع أن يعدنا بذلك؟!
أما بالنسبة للوعود الإنتخابية فلا شك أننا سنرى المزيد والمزيد منها في الأيام والأسابيع القادمة، لكن العبرة تبقى في الإيفاء بها وما إذا ما كان الوضع المالي يسمح بذلك لأن ما قبل الإنتخابات ليس كما بعدها، وإن غداً لناظره قريب!
abbasmorad@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق