أغَنِّي نشيدَ الحُبِّ: وقفةٌ مع شاعر الحب والوطنيةِ حاتم جوعية ابن قرية المغار/ الدكتور بطرس دلة

   عندما نتحدثُ عن الشعر يجب أن نميز بين الشكل والمضمون . فالشكلُ على عدةِ أنواع ، منها ما يأتي على  طريقة الخليل بن أحمد الفراهيدي أي الشعر الموزون المقفى ومنها ما يأتي على طريقة  شعر التفعيلة  ومنها ما يأتي على  طريقة  الشعر الحر أي ( النثرو- شعري ) ومنها ما  يأتي على طريقة الحداثة وحتى ما  بعد الحداثة ويسمى الشعر البوليفوني ومنها شعر الزجل الشعبي  وله عدة  بحور ويبتدع الزجالون  بحورا لم  تكن معروفة على طرقهم الخاصة ! 
فما هو الشعر ؟؟
الشعرُ هو أن تمسكَ الأبدَ من غرته كما لو مرّ في ومضة عابرة ! وهو أن ترى  الشتاءات  كلها  في  انكسار حبة  ماء !  وهو أن  يحمرَّ وجهُكَ كلما أشعلت يراعة قنديلها في  مغارة معتمة !! وهو أن تملأ من البرق سلة لعتم عينيك ! وهو أن تجدل من دخان لفافتك سيجارتك غيمة تمضي حتى  آخر الوقت فوق منزلقات الكلام ! 
    أقول هذا بعد أن وصلتني قصيدة  الصديق حاتم جوعية بعنوان " أغني نشيد الحب " على البحر الطويل  فشعرت أن ما وصلني فيها  انما  يلامس شغاف القلب لما حوته من كلمات أقل  ما يقال فيها انها رائعة حقا  فعادني ما كنتُ  قد كتبته عن تعريف  الشعر ولذلك  فان هذا التعريف ينطبقُ على هذه القصيدة  المطولة  خاصة  اذا تذكرنا اننا ازاء  قصيدة  نظمها الشاعرُ على البحر الطويل وهو أصعب البحور الشعرية العربية وقد قلَّ المنشدون على هذا البحر الطويل الذي تفعيلاته  هي : فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن مكررة  أربع مرات مع  جوازات التفعيلات .   فهذا البحر ليس من السهل قياده  بسبب ذلك .  وقد أجاد  صديقنا الشاعر في أكثر من  ستين بيتا على البحر الطويل المنتهي  بلام مرفوعة على نمط قصيدة ابي العلاء المعري التي أولها :
ألا  في سبيلِ المجد ما  أنا  فاعلُ   -  عفافٌ    واقدامٌ    وحزمٌ    ونائلُ 
والحقيقة أن شاعرنا  لم يكن مفاجئا  لي في هذه القصيدة لأنه كما عهدته لا يتهربُ من الصعوبات ولا يتهربُ من أيةِ مشكلة  قد تواجهه  بل تراهُ دائما حاضرَ البديهةِ  قوي العزيمة  صابرا في المهماتِ الصعبة  وسلسا  كالماءِ الزلالِ عندما ينظمُ قصائده .
    في هذه القصيدة وجدتُ شاعرا قوي الحجة، ذكيّ التخريج ، واعيا لكل صغيرة وكبيرة في التخلص عندما يتوقف النظمُ  لعلة  ما ، فلا  يُنجدهُ غيرُ اصراره على ما هو عليه  دون تراجع ! فهو لا يتلعثمُ  لأنه حاضرُ البديهة قوي الحجة ، ذلق اللسان ويعرف تمام المعرفة مكانته كقامةٍ  شعرية بارزة في عالم القصائد ، وكان  باستطاعتهِ  أن  يكتفي  بسبعةِ  أبيات  وهي الحد الأدنى لكتابة أية قصيدة  .  إلا أنه بما  أوتي من شاعرية خصبة لم  يكتفِ بالقليل وسبح في عالم البحر الطويل وخرج  منه سالما دون أيِّ  تكسير أو خروج على البحر وهذا هو دأبه  وديدنه حيث لا يترك موضوعا يكتب فيه أجمل أشعاره الا ويشبعه  فصاحة وجمالا  وقوة  تعبير الى  جانب الصور الكلامية الجميلة والمفارقات والتشابيه البليغة التي حوت معظم ما يمكن أن يكتبهُ شاعرٌ في هذا المجال . واذا كنت أنتقد شيئا مما كتبهُ في هذه القصيدة فذلك  اعتزازه  بنفسهِ وتفضيلها على الآخرين مع  أن  شعره  يستحقُّ  كلَّ التقديرِ والاعجاب . مع  ذلك فهو في البيت الثامن  يُكرِّرُ ما  ادَّعَاهُ المتنبي وأبو العلاء المعرّي أيضا  في حينه بقوله :
   وَقدَّمْتُ   أعمالاً   يشِعُّ   سَناؤُهَا  –  وجئتُ  بما  لم  يَسْتَطِعْهُ  الأوائِلُ 
     فهل أضافَ  شاعرنا حرفا جديدا على حروفِ الأبجديَّة  أم جاء  ببحر جديد  فوق  بحور الخليل بن أحمد ؟  ويستذكرُ الفتيات  الجميلات  اللواتي يشتقن  وصلهُ  ويغازلنه  ومع ذلك فهو لا ينسى وطنه  لأنَّ لا شيء يعادلُ الوطن في فكره بقوله :
ولكنْ هوَى الأوطانِ في القلبِ والحَشا -  وغيرُ هوى الأوطانِ  من سَيُعَادِلُ      ويعلن أنه  مستعد للتضحية والفداء  مقابل حرية  الوطن  وسعادة  الأطفال والانسانية بقوله :
وشعريَ    للأبرارِ  وردٌ   وعنبرٌ   -   ولكن  على  أهلِ  الفجورِ  زلازلُ  
وَقد صارَ شعري صوتَ كلِّ مُناضلٍ - يخوضُ اللظى، وسطَ اللّهيبِ  يُقاتلُ
سيبقى   يَراعي  للشّعوبِ   منارةً  -  وَيُذكي    نفوسًا  ،   تستنيرُ    قوافلُ
دخلتُ  أنا  التاريخَ  من  كلِّ   مَنفَذٍ  - وعنديَ   أعمالٌ    سَمَتْ    وَرَسائِلُ
وَمَن يصنع التاريخَ مِن نزفِ جُرحِهِ  - رفيقي  على  دربِ  التَّحرُّرِ  باسِلُ
   ويبالغ في التحدي والاستعداد للفداء بقوله :
أسيرُ على  دربِ  التَّحَرُّرِ   والفدا   -    دمائي   لكلِّ    الثائرين   مشاعلُ
أموتُ     ليحيَا     كلُّ      مُشَرَّدٍ   -    ويطلقَ   مأسورٌ   ويفرحَ    ثاكلُ 
وَينعم  كلُّ  الناسِ بالسعدِ  والمنى   –   وتخضر  جناتٌ    وتزهو  خمائلُ
ستبقى    فلسطينُ   الأبيّةُ    جَنَّتي   -   وفيها    مُقيمٌ    والغريبُ   لراحلُ 
ومهما  يطُلْ  ظلمٌ  فلا  بدَّ   ينجلي  -   وفجرٌ   سيأتي  إنَّ   ليليَ   زائلُ !
 هذا شيء من المتعة قد يجده قارىء هذه القصيدة الرائعة  والتي سينشرها شاعرنا في الصحافة المحلية  لتصل الى جمع قراءِ العربية . 
   فتحية خاصة لك أيها الشاعرُ المبدع  حاتم جوعيه والى اللقاء في قصائد أخرى  ولك الحياة ! .

نيسان من عام 2019                                                         
 د. بطرس دلة  - كفر ياسيف 
    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق