عرض لكتاب شحادة الغاوي الأسباب والعوامل الداخلية في تاريخ استشهاد سعادة…وما بعده/ عباس علي مراد

شحادة الغاوي الباحث عن الحقيقة لا يكل ولا يمل ولا يترك حجراً الا ويقلبه او ملف الا ويغوص فيه، يقدم الوثيقة حيث وجدت، ويقارب الموضوع بأسلوب علمي منطقي حتى لا يظلم ولا يُظلم ويقول في:( ص 30 ان رفقاءه طالبوه وهو حرص بأن تكون فيه وثائق وألا تكون استنتاجات دون أساس).
 يحلل بأسلوب ومقاربة علمية مكثفة، ولا يتردد في إبداء رأيه اعتمادأ على أدلة، ويحرص على عدم الإدانة الا اذا كان يملك هذا الدليل ويترك لقارئه ان يطرح الأسئلة. وكتابه ليس كتاباً عادياً لأنه يلقي الأحجار في المياه الساكنة من أجل استعادة الحزب  السوري القومي الإجتماعي لدوره والحفاظ على العقيدة والإلتزام بالقيم القومية الإجتماعية التي وضعها سعادة والتي تقوم على أربع دعائم : الحرية، الواجب، النظام والقوة التي ترمز اليها أربعة أطراف الزوبعة القومية الإجتماعية الممثلة في علم الحزب.
 يدرك الكاتب وهو الحزبي الملتزم  بالعقيدة ان كتابه قد يلقى الترحيب من البعض والإعتراض من البعض الآخر من رفقائه في الحزب، وهذا لم يثنه عن وضع هذا الكتاب عله يشكل لبداية جديدة وإعادة النظر بمحطات تاريخية مرّ بها الحزب منذ التآمر على سعادة واغتياله واستمرار الحملة على الحزب لحرفه عن دوره القومي في محطات تاريخية مهمة من تاريخ الأمة السورية. ولا يتردد الكاتب عن ذكر أسماء حزبية بارزة ودورها سواء الإيجابي او السلبي.
الكتاب الصادر عام 2019 عن دار ابعاد في بيروت يقع في 559 صفحة ويـتألف من خمسة فصول بالإضافة إلى الاهداء وكلمة شكر ومقدمة عامة وقسم مخصص للملاحق وفهرس الإعلام ولائحة المراجع.  
حرص الكاتب شحادة الغاوي على انه يكتب في التاريخ ولا يكتب تاريخاً، ففي الفصل الأول يتصدى للبدايات الصعبة من الـتأسيس الإول إلى السجن من (1932 إلى 1938) وينقل عن سعادة ص 42 ( ليس الحزب السوري القومي الإجتماعي، إذاً جمعية أو حلقة، كما قد لا يزال عالقا ً في أذهان بعض الأعضاء،…إن الحزب السوري القومي الإجتماعي لهو أكثر بكثير من جمعية تضم عدداً من الأعضاء أو حلقة وُجدت لفئة من الناس أو من الشباب انه فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها….) إن مبدأ " سورية للسوريين والسوريون أمة تـامة" أخذ في تحرير نفسيتنا من قيود الخوف وفقدان الثقة بالنفس والتسليم للإرادات الخارجية.(ص45)
في هذا الفصل يعرض الكاتب لمحطات مهمة في حياة سعادة والحزب ودور المنافقين والخونة والسجن الأول والثاني وخذلان المجلس الأعلى لسعادة ومحاولة قتل سعادة في السجن ومعاناة سعادة مع معاونيه.
أما الفصل الثاني فيتحدث عن السجن الطويل سجون وتشرد في الأرجنتين وفي الوطن ( من 1938 إلى 1947) من اوروبا إلى البرازيل وصولاً إلى الأرجنتين، وما واجهه سعادة من عذاب ومعاناة من عدم تعاون وعدم تلبية معاونيه، ومكافحة سعادة للجاسوسية، ولا ينسى الكاتب قصة سعادة وجريدة سورية الجديدة وجريدة الزوبعة، ويعرض الكاتب لموقف سعادة من الحرب العالمية الثانية والتي يجب ان تتماشى مع مصالح الأمة والمطالب السورية بالإستقلال والسيادة أولاً. وعما كان يحصل في الوطن يعرض الكاتب للسياسات الإنحرافية والنفعية لبعض أركان الحزب طلباً للسلامة الشخصية (ص100) وفي الصفحة 104  يتساءل الكاتب عن دور جورج عبد المسيح :أين عبد المسيح وماذا كان يفعل؟ ويبرر الكاتب تساؤلاته وبحثه عن هذا الدور لأن عبد المسيح ومريدوه كانوا يقدمونه على أنه ضمانة عقائدية. ويتحدث الكاتب عن تلك الفترة بالتفصيل  حول قضايا أخرى لا تقل أهمية وكيفية مقاربة سعادة للأمور ويعنون ص115 سعادة يداري نعمة ويستوعبه.
الفصل الثالث  يعرض لتجديد الروح والحصاد الوفير (من آذار 1947 إلى حزيران 1949) يقول الكاتب أن السلطة أرادت إبعاد سعادة عن الحزب ليتسنى لها ترويض هذا الحزب، لكن سعادة عاد عنوة ضد إرادة السلطة التي كانت تعتمد على نعمة ثابت في استيعابه (ص130) ويتحدث عن بعض أوجه المعركة الداخلية ومعاونون لا يعاونون، ويكمل  إلى حسم سعادة الموقف داخل الحزب وكيف ربح سعادة المعركة العقائدية حتى قرار قتل سعادة فيقول: إن من يريد فهم الأسباب الحقيقية والمقدمات التي أدت إلى استشهاد سعادة يجب عليه قبل كل شيئ رصد حركته وأعماله وأقواله سنة على الأقل قبل الأستشهاد….(ص147) ليصل إلى إنقلاب حسني الزعيم في سوريا ورأي سعادة الحقيقي بالإنقلاب وشعار السيادة اللبنانية في وجه الشام فقط  وذروة التحدي في خطاب برج البراجنة ويعنون الكاتب في ص169 عن التحريض المزدوج  من حكومتي دمشق وبيروت لسعادة كي يقوم بإنقلاب مسلح في لبنان.
الفصل الرابع المطاردة والتوريط والإستشهاد (من 9 حزيران إلى تموز1949) في ص 177 وحول نظرية المؤامرة كما تعهد في أول الكتاب بعدم إلقاء التهم جزافا،ً  يقول الكاتب فإنه من الصواب فحص الأمور جيداً  ودرس الإحتمالات والتشدد في اعتماد الحقائق والوقائع في كل أمر وقضية، فإذا وجد دليل على مؤامرة يجب أن نقدم الدليل ونبني عليه، وإذا لم يكن هناك من دليل فيجب البحث عن العوامل وأسباب أخرى في غير نظرية المؤامرة. ويتابع بعنونة سعادة والمؤامرة وكيف تعامل الحزب مع خطة تصفية وقتل زعيمه؟ وعن الدور البريطاني، الأميركي والصهيوني لهذا الفصل أهميته لأنه كما الكتاب غني بالوقائع والتساؤلات والتحليلات المنطقية التي برأي الكاتب تقود إلى معرفة الحقيقة والأدوار التي قامت بها  كافة الأطراف الخارجية والإقليمية والمحلية والحزبية، ويشير الكاتب إلى دلائل أربعة ابتدءاً من ص 203 إلى ص 208 وبعد ذلك يعود لبروز دور عبد المسيح وعدم استجابته لسعادة، ولا يهمل الكاتب ما قاله عبد المسيح نفسه ص214 ونصل إلى ص 242 لنرى كيف حارب سعادة حتى الرمق الأخير ليصل في ص 255 إلى السبب في سرعة المحاكمة وتجاوز أصولها وشروطها القانونية، وفي ص258  يستنتج لا بل يذهب  الكاتب لحد الإتهام لعبد المسيح ويقول: ان سعادة كان ضحية مؤامرة خارجية استندت إلى سلبيات الأوضاع الحزبية الداخلية واستفادت منها. إن من كان يجب أن يلعب دوراً رئيساً في انقاذ سعادة هو جورج عبد المسيح ويعدد 3 أسباب لذلك وبعدها تكر سبحة الاسئلة عن ادوار الحزبيين وغيرهم وعن سبب إخفاء عبد المسيح لرفات سعادة.
الفصل الخامس  السيطرة على الحزب بعد استشهاد الزعيم كوارث وانشقاقات وصراع على السلطة.  
يستهّل الكاتب هذا الفصل ببدء مرحلة استيعاب الحزب والسيطرة عليه وانتقال عبد المسيح إلى دمشق، ويقول (ص 268) لا بد لنا من ملاحظة  أن سعادة قبل اسشهاده لم يعطِ عبد المسيح أية مسؤولية مركزية في الحزب، وذلك بعد استقالته من عمدة الدفاع سنة 47 … ويمضي بمساءلة عبد المسيح عن "الاستشهاد الرائع" حسب تعبير عبد المسيح هل استشهاد سعادة كان رائعاً؟ (ص 278)   ويتساءل ص 269 السؤال الكبير هنا هو كيف كان اي عبد المسيح سيقدم على ما رفضه لسعادة؟ ويبدأ الكاتب بعرض لسلسلة من المواقف والأحداث  والأدوار كالموقف من حسني الزعيم، إلى محاكمة القوميين في لبنان، ويحرص الغاوي على الا يظلم أحداً ويشكك في البعض الأخر حيث يقول ص 282 حتى لا نظلم ابراهيم يموت،  وص 284 يتساءل عن دور غسان التويني المشبوه،  وص 288 يضع عنوان تحصين العملاء، وعدم التزام عبد المسيح بقوانين الحزب عند طرد الحزبيين علما ان سعادة كان كان قد ترك مرسوماً بإنشاء "المحكمة المركزية للحزب السوري القومي الاجتماعي " ويُذكر بوصية سعادة :" في الحزب شرع يضمن لكل فرد حقه في النظام والعمل والرأي…"ص 290
ويستطرد الكاتب في عرض بروز السوابق الإدارية غير المنطقية، ونشوء الأزمات والتسويات والتدخلات الخارجية وأسماء لشخصيات حزبية لعبت دوراً مهماً في تلك المرحلة  من عصام محايري لعبدالله سعادة، وسامي خوري  وهشام  شرابي على سبيل المثال لا الحصر، ويخصص الكاتب جزءاً من هذا الفصل لمصدر السلطات ومن ينتخب ص309 سواء في حياة سعادة أو بعد استشهاده، وكيف صار الإستثنائي المؤقت دائماً ولاحقاً يتحث عن الخطأ الأفدح في كيفية منح رتبة الأمانة متسائلاً من هوالصادق؟ ص323، ويقارن الكاتب بين الديمقراطية التمثلية التي انتقدها سعادة والديمقراطية التعبيرية الجديدة التي جاء بها سعادة ص319. 
ويعود الكاتب إلى الوضع السياسي في سورية  ويطرح السؤال من هو أديب الشيشكلي؟(ص333) الذي يصفه بالطائفي ويحظى بدعم الإسرائليين (ص338)، ليصل بعد ذلك إلى انقلاب سامي الحناوي على حسني الزعيم 14 آب 1949، وإلى انقلاب أديب الشيشكلي على الحناوي في 18/12/1949 لينتقل للحديث عن الحزب في ظل الشيشكلي وموقف الحزب الشاذة كما سماه من قضية الإنفصال الجمركي بين سوريا ولبنان، والإتحاد مع العراق (ص348)، وموقف الحزب المؤيد للشيشكلي الذي كان معه "على طول" (ص 357) حيث يقول الكاتب عن ان عبد المسيح في خدمة أديب (ص 356)  ورغم ذلك كيف خذل الشيشكلي الحزب واسقطه في الإنتخابات إلى ان يصل إلى مرحلة ما بعد الشيشكلي، وفي  ص 370 يصف الكاتب  سياسية الحزب سنة 1955 بأنها سياسية حمقاء خرقاء غبية مراوغة متورطة فيما لا يمكن تبريره والدفاع عنه والتي اتبعها عبد المسيح وخصومه في المجلس الأعلى التي وصفها بالخلاف على السلطة لا أكثر ولا أقل وليس لها بعد عقائدي ويضيف (ص372) ان الحزب وبعد نصف قرن يقف نفس الموقف ويقدم نفس التبريرات.
وفي ص 380 ينتقل بنا الكاتب إلى مرحلة مهمة وهي مقتل الضابط عدنان المالكي ودوره وعلاقته بالحزب والإيقاع بين الحزب وأركان الجيش والمالكي، وفي ص 391 يكتب الغاوي عن كيفية بدء التوتر والخلاف مع عبد الناصر، وفي ص 422 يعنون في المصيدة الأميركية  وقول لقد ضرب الأميركان  ضربتهم المزدوجة قتل المالكي وضرب الحزب خلال أسبوع واحد من تلكؤ الحزب في قبول العرض الأميركي عليه لإعتماده ركيزة ووسيلة لهم لتوجيه السياسة الرسمية في الشام…ليخلص إلى أن السذّج وحدهم لا يعرفون طريقة عمل المخابرات الأجنبية وكيفية مباشرتها في تجنيد عملائها. ص 422 يتحدث الكاتب عن حصاد المتآمرين والمستفيدين. وفي الكتاب أجزاء مخصصة للوحدة بين مصر وسوريا وموقف الحزب منها ووصول حزب البعث إلى السلطة في سوريا وما رافق ذلك من أحداث.
ويعرج على قضية الإنشقاقات الحزبية سنة 1957 وسنة 1974 وسنة 1987 وثم سنة 2012 (ص 437-438)  ويصفها بأنها صفحات سود ليست من تاريخ حزب سعادة، بل من تاريخ من ارتكبوها وقاموا بها وشاركوا فيها وتبعوها ودافعوا عنها وقبلوها، وان حزب سعادة وحركته ونهضته وقضيته هي براء منها وضحية من ضحاياها. ويصف وضع حزب سعادة اليوم بأنه مخطوف ومرهون… ليعود ص 443 ليؤكد على ان الخطأ الكبير القاتل الذي وقع فيه من شقوا الحزب هو خطأ، بل مرض، النزعة الفردية القاتلة وعدم الإقتداء بسعادة في طريقة معالجة الإنحراف العقائدي والسياسي.
وفي ص 477 يفصل بين القوميين الجنود الأوفياء لسعادة ولعقيدته ونظامه ويعنون "الأسئلة الكبيرة والجواب الضائع" ويسأل ما هي الأسباب الحقيقية التي تجعل الوصوليين والفاسدين وأصحاب النزعة الفردية يصلون إلى قيادة الحزب مع أن نظام الحزب يحارب الوصولية والفساد والنزعة الفردية ويكافحها؟
وفي قسم الملاحق لا يتوقف الكاتب عن إعطاء المزيد من المعلومات  واتخاذ المواقف من قضايا عقادية وسياسية،  ويتحدث عن عبد المسيح العقائدي وعصام محايري العروبي وانعام رعد الثوري ويفند مواقفهم من قضايا مهمة وفهمهم للعقيدة كالمدرحية  والإنسان والمجتمع، الجماهيرية والجماهير، عيد العمال- عيد العمل، بين الحياة والعيش، الموقف من اليهود، الإشتراكية العلمية .
ويتحدث ص 514 عن الضعف المثلث الأضلاع حيث يقول الكاتب أن القيادات الحزبية التي أتت بعد سعادة لم تستطع إكمال نهجه الصراعي الهجومي بسبب ضعفها المثلث الأضلاع علمياً وعقائدياً ومعنوياً والتي يشرحها بالتفصيل.
أخيراً، ان ما تقدم وما عُرض من كتاب شحادة الغاوي قد لا يفيه حقه ولا يغني عن قراءة الكتاب، حتى يطلع القارىء على المزيد من التفاصيل والحقائق التي عرضها الكاتب وان كان بعضها ليس على علاقة مباشرة مع الاسباب والعوامل الحزبية الداخلية وهذا ما يشير اليه الكاتب لكنه يرى أهمية عدم إهمالها كل ذلك  من اجل ان يأخذ الحزب السوري القومي الاجتماعي دوره الطليعي كما يرى الغاوي في تقرير مصير الامة حسب المفاهيم والعقيدة التي وضعها سعادة ورسم خريطة طريقها الفكرية والعقائدية والتي توجت بالشهادة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق