منذ قرابة الاثنى عشر عام وحركتا فتح وحماس تتصارعان وتتقاتلان على من له الشرعية تحت عباءة الاحتلال في فلسطين.
انقلاب حماس الدموي على قرار الرئيس محمود عباس بحل حكومتها ومحاولات فتح التي لم تنقطع، منذ اعلان نتائج انتخابات المجلس التشريعي في 25 يناير 2006، بعدم التسليم بالهزيمة الانتخابية، أوصلا الحالة الفلسطينية الا ما هي علية اليوم من ضياع وانقسام وتشرذم وفقدان البوصلة السياسية في اكثر الملفات.
اليوم وبعد هذه السنين الطويلة يجب ان نعترف ان الفصائل الفلسطينيه، رغم محاولات دول وزعماء عرب التوسط بين طرفي النزاع ورغم توقيع عدة وثائق تفاهم بين فتح وحماس لتجاوز الانقسام ورغم الابتسامات المتبادله وقبلات الإخوه أمام عدسات الكاميرات بين فتح وحماس، لم تنجح ان تتجاوز هذه المرحلة العصيبة وان تعود وتنهض بالأوضاع الفلسطينيه لتحقيق الحلم الفلسطيني بتقرير المصير ومواجهات حملات ومشاريع الاجهاز على القضية الفلسطينيه… بل أكثر من ذلك اليوم اصبح البعد وأصبحت الهوة بين طرفي الانقسام اكبر وأكثر تعقيداً وامكانيات تجاوز هذا البعد أصبحت، ورغم تفائلي المستمر، شبه معدومه.
بعد اثنى عشر عام يجب ان نقر ونعترف ان تطلعات واحلام جماهير الشعب الفلسطيني بالوحدة والاستقرار والأمان لم تعد، رغم كل التحديات الداخلية والخارجية المستمرة ، الا سراب في الأفق…
حركتا فتح وحماس وضعتا مصالحهم الفئوية الضيقة فوق المصالح الوطنية العليا… وفي كلا الحركتين تبلورت مجموعه صغيره مستفيده من الانقسام وتعمل إلى جانب قوى خارجية لاطالة عمر الانقسام وتثبيت الوضع الراهن … هذه المجموعة، في كلا الحركتين، قويه رغم صغر عددها، متنفذه مؤثره على القرار السياسي المركزي.
بعد سنوات الانقسام الطويلة اصبح من الصعب زرع روح التفائل والصمود بين ابناء الشعب الفلسطيني في ظل ما تعيشه فلسطين المحتلة من ايداء سياسي متواضع جداً لجميع أطراف الطيف السياسي …وفي ظل فقدان الشرعية لكل المؤسسات والمراكز في فلسطين المحتلة وفق الدستور الفلسطيني الحالي.
منظمة التحرير الفلسطينيه لم يبقى منها، بعد ان أفرغت من محتواها وهمشت مؤسساساتها وزاد التلاعب بقراراتها واختزلت مهمتها بإعطاء السلطة ومؤسساتها صك غفران في الأوضاع الحرجة، سوى شبح الهوية الوطنية الذي ما زال البعض بحق يتشبث بها قبل ان تضيع آلقضية ويندثر المصير.
السلطة الفلسطينيه، التي انحسرت سيادتها على جزء بسيط من ما تبقى من ارض فلسطين، أصبحت تحتضر اقتصادياً وسياسياً ومصيرها اصبح بالكامل بيد الاحتلال وداعميه من دول غربيه وانظمة عربيه… محاولة حركة فتح ترتيب أوضاعها الداخلية بحل حكومة الدكتور حمد الله وترسيم الدكتور اشتيه على راس حكومة هشه من فتح وبعض الفصائل الفلسطينيه التي لا وجود لها أصلا في الشارع الفلسطيني أو تلك التي فقدت بوصلتها السياسية وشعبيتها الجماهيرية، هذه المحاولة فاقمت من أزمة السلطة وازمة فتح… ويظهر هذا جلياً في المواضيع التي ركزت عليها في أسابيعها الأولى والمواضيع التي تتداولها النخبة السياسية الفلسطينيه… السلطة الفلسطينيه بقيادة فتح لا تملك استراتيجية سياسيه ولا استراتيجية اقتصاديه وتمسكها المستميت باتفاقيات الاذعان مع الاحتلال افقدها المصداقية الوطنية وأبعدها عن المقاومة باشكالها المختلفة.
سلطة حماس في غزة اعلنت منذ زمن طويل افلاسها السياسي بالايداء والاستراتيجية… وتلويحها بالمقاومة المسلحة بين الحين والآخر ما هو الا استراتيجية بقاء ومحافظة متواضعة على ما تبقى لها من ماء الوجه… المقاومة المسلحة الحمساوية أصبحت اداة لتضمن للحركة دور في تسوية مستقبليه أما بهدنة مع الاحتلال في ظل الانقسام أو بمحاولة بناء إطار موازي لمنظمة التحرير مع بعض الفصائل الفلسطينيه مدعوم من قطر وتركيا بمباركة اسرائيليه لتثبيت الانقسام وإدامة الوضع الراهن في فلسطين المحتلة إلى سنوات طويلة… حماس وبعد تهوراتها السياسية منذ العام 2010 اصبح همها الوحيد المحافظة على ذاتها ليس الا… هي لا تملك أصلا استراتيجية سياسيه للقضية الفلسطينيه واستراتيجيتها بالمقاومة أصبحت في ظل الأوضاع الجيوسياسيه في قطاع غزه مجرد طخطخة وعنتريات فقط.
بعد اثنى عشر عام من الانقسام والتشرذم اصبح تحديث النظام السياسي الفلسطيني بالأجندة الفصائيليه الحالية كالركض وراء سراب والدوران في حلقة مفرغة… النظام السياسي الفلسطيني بني منذ أيامه الأولى، وما زال حتى الان، على الإقصاء للآخر، بعيدا عن التكاتف والتضامن من اجل المصلحة الوطنية العليا…
للخروج من هذه المتاهه لم تعد تكفي نداءات الوطنية والخطابات الرنانه التي تشدد بحق على الوحدة الوطنية وأهميتها لمقارعة الاحتلال وتحقيق الحلم الفلسطيني بالاستقلال وتقرير المصير … الحالة الفلسطينية بحاجة إلى تغيير نموذجي مبدأي paradigm change .
تغيير نموذجي في بناء النظام السياسي الفلسطيني واستراتيجيته السياسية المستقبلية وتغيير نموذجي في ماهية الدولة الفلسطينية الجيوسياسية البنيوية … هذا التغيير يحتاج جرأة استراتيجيه وحنكة تكتيكية عاليه ويرتكز على تفكير استراتيجي هجومي مخالف للوضع الراهن ونابع من النظر السياسي للوضع من "خارج الصندوق"…
هذا التغيير ممكن ان يتكلل بالنجاح بسبعة خطوات مركزيه اعرضها هنا بخطوطها العريضه:
أولا فصل مهمات ووظائف السلطة الفلسطينيه عن تلك لمنظمة التحرير الفلسطينية. السلطة مسؤولة عن الهم اليومي لابناء الشعب الفلسطيني الذين يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1967. م ت ف هي الممثل الشرعي الوحيد لعموم الشعب الفلسطيني وبهذا فهي مسؤولة عن كل الملفات التي تخص عموم الشعب كالمفاوضات المستقبلية مع الاحتلال والتمثيل الدبلوماسي والعلاقات الدولية .
ثانياً يجب الانتقال بالنظام السياسي الفلسطيني في فلسطين المحتلة من نظام رئاسي إلى نظام برلماني برئاسة فخريه وفصل رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية عن رئاسة السلطة الفلسطينيه .
ثالثاً في ظل استحالة تجاوز حالة الانقسام الحالية في الطرق المألوفة يجب بناء دولة فلسطين في حدود 4 حزيران 1967 كدولة فدرالية من اربع مقاطعات، مقاطعة قطاع غزه، مقاطعة شمال الضفة، مقاطعة جنوب الضفة ومقاطعة القدس الشرقية. بناء فدرالي بدستور فدرالي مشابه لتلك بألمانيا مع مجلس مقاطعات وبرلمانات للمقاطعات وبرلمان مركزي يربطه دستور فدرالي يضمن عدم إمكانية الانشقاق واتفاقيه تكاتف اقتصاديه بين المقاطعات كتلك التي يُعْمَل بها في ألمانيا.
رابعاً اجراء انتخابات برلمانيه للدولة ولبرلمانات المقاطعات وفق قانون التمثيل النسبي الكامل مع نسبة حسم منخفضة لا تتجاوز 1% ليتسنى لأكبر عدد ممكن من الأحزاب والحركات السياسية ان تشارك بالعملية السياسية وبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية العلمانية وتثبيت السلم الاجتماعي بعيداً عن قانون الإقصاء الحالي والتفرد الفصائلي .
خامساً الاذرعة العسكرية لفصائل المقاومة يتم دمجها كلياً في لجان حماية شعبيه تتبع مباشرة لوزارات الداخلية بالمقاطعات … وتعلن منظمة التحرير ان فلسطين، بعد انتزاع حريتها وتوقيع معاهدة سلام شامله مع اسرائيل، ان تكون دولة منزوعة السلاح مثل كوستاريكا .
سادساً تجمد منظمة التحرير العمل بكل الاتفاقات الموقعه مع الاحتلال وتعلن بسط سيادة دولة فلسطين على جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وتسحب اعترافها بدولة اسرائيل حتى تحدد الأخيرة حدودها وتعترف بمسؤوليتها التاريخية عما حصل للشعب الفلسطيني من اذى سياسي، اجتماعي واقتصادي.
سابعاً تجرى انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل بنسبة حسم لا تتعدى 1% في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني وبمساعدة الدول المستضيفه وتشرف إلى هذه الانتخابات لجان وطنيه يتم اعتمادها من الفصائل الفلسطينيه تابعة للجنة انتخابات مركزيه من منظمة التحرير بمشاركة حماس وتعمل هذه اللجان بمشاركة سفارات ومكاتب منظمة التحرير في العالم … في فلسطين يتم اعتماد أعضاء البرلمان المركزي المنتخبين أعضاء مباشرين منتخبين للمجلس الوطني الفلسطيني … اعضاء المجلس المركزي الفلسطيني وأعضاء اللجنة التنفيذيه يتم انتخابهم وفق قانون التمثيل النسبي الكامل من بين اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني … بالتوازي يتم تعيين لجنة دستوريه من الاخصائيين لتقديم اقتراح لميثاق وطني جديد يتم اعتماده في الجلسات الأولى للمجلس الوطني آخذا بعين الاعتبار المعطيات الجديدة للنظام السياسي الجديد في فلسطين.
الوضع الحالي في فلسطين المحتلة سوف يقود إلى انقسامات جديدة والى اندثار القضية الفلسطينيه بكل محاورها إلى سنوات طويله… الوضع الحالي مريح للاحتلال ولمعظم الدول الإقليمية والدول العالمية المعنية بالوضع بالشرق الأوسط…لكنه مدمر للشعب الفلسطيني ولمصير الوطني لذا ان الأوان ان نخرج من طريق الآلام ونبدأ بمشوار الخلاص الوطني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق