مع ديوان " اللهم ارفع غضبك عنّا " للشاعرة عايدة خطيب/ شاكر فريد حسن


أهدتنا الأديبة والشاعرة الشفاعمرية عايدة حمادة خطيب ، ديوانها الشعري الصادر حديثُا ، عن مطبعة كفر قاسم ، الموسوم " اللهم ارفع غضبك عنّا " ، وهو الديوان الرابع لها بعد " الجوري عمره قصير " و " حمامة منتصف الليل " و " أحلام مؤجلة " .

وعايدة خطيب اسم معروف بين الأوساط الأدبية والثقافية ، تكتب الشعر وقصص الأطفال والمعالجات الاجتماعية ، التي تحمل هموم الناس ، وجمعتها في كتاب يحمل عنوان " خمائل وجدانية " ، وهي تنشر كتاباتها منذ سنوات طويلة في الصحف والمجلات المحلية منها صحيفة " الاتحاد " العريقة ، وعلى صفحتها في الفيسبوك ، وفي عدد من مواقع الشبكة العنكبوتية .
وديوان " اللهم ارفع غضبك عنّا " الممتد على حوالي 70 صفحة من الحجم الكبير ، يشتمل على مجموعة من قصائد الرثاء والتأبين لعدد واسع من الشخصيات الاجتماعية والتربوية والفنية وللأصدقاء والاحباب والمعارف من بلدها خاصة والبلاد عامة ، إلى جانب قصائد اجتماعية تصور حالنا وواقعنا المتردي ، واخرى عاطفية ووجدانية .

تستهل عايدة خطيب ديوانها بصرخة ضد آفة العنف المتفشي والمستشري في مجتمعنا العربي ، الذي يقصف الاعمار ويقطف شبابًا في عمر الورود والزهور ، وتدعو إلى نبذ العنف واجتثاث جذوره ، وتنادي بالمحبة والتسامح بين الناس والتعايش بين الأديان ، دون أي حواجز ، كي يعيش الجميع باطمئنان وسلام وخير .. فتقول :

العنف ما بحقق هدف

العنف بس بجلب دمار

يا عصفورة لسّة ناطر

وقلبي مستنّي ولهان

أنا وعدتّا للحبيبة

قولك بجمعنا الزّمان

نفسي أبقى مثلك طاير

ورفرف عَ ربوع الخلّان

ومطرح ما يكونوا اوصلن

تلوّع قلبي من الحرمان

لا حواجز تلغي لقاء

ونعيش بفرح وأمان

مسلم مسيحي درزي

على طول نبقى إخوان

وفي قصيدة " اللهم ارفع غضبك عنّا " التي تحمل عنوان الديوان ، تتوجه الشاعرة إلى الباري عز وجل أن يرفع غضبه عنّا ، وتطلق صرخة أخرى بوجه العرب لكي يفيقوا ويستفيقوا ويتكاتفوا ، وان لا يتركوا السوس ينخر في العصب ، وينتفضوا ضد الحريق والطغيان الزاحف :

اللهم ارفع غضبك عنّا

أفيقوا يا عرب أجَلُنا قد اقترب

هل الكلام من فضّة

والسكوت من ذهب

لماذا تتركون السّوس

ينخر في العصب

تكاثفوا تساندوا

فجّروا بركان الغضب

وتتوالى قصائد الرثاء والتأبين لمن قضوا نحبهم وغادروا الدنيا ، وما أكثرهم ، فترثي المطرب العملاق شفيق كبها ، والأستاذ محمد صبح ، وأم محمد الشنطي ، والفنان مروان عوكل ، ومروان خطيب ، وموفق خوري ، والرياضي زاهر جميل خطيب ، وابن عمها زياد حمادة ، ووالدها مصلح حمادة شهيد العمل ، وامها الفاضلة ، وخالتها فهيمة عاصم حمادة ، وشقيقتها آمال ، وجميلة قرينة الاعلامي زهير بهلول ، وأمل عزام زوجة البروفيسور زاهر عزام ، وعبلة خطيب ، وروني زايد ، وعروس الربيع علا شيخ مرعي ، وآية حاج علي ، ومنى سويطات ، ونبيل الشيخ ، والأستاذ عدنان حمادة ، ونومي نفاع ، ومحمد مصطفى بركة ، وابن خالتها د. محمود نمر حاج ، وضحايا حافلة الأطفال من مخيم شعفاط وقرية عناتا شمال القدس الذين لاقوا حتفهم باشتعال الحافلة ، وحورية حمادة حاج صفوري ، وماجد خطيب ، ومحمد الشيخ ، والمحامي رفيق قرطام ، وام محمد صفوري ، والمربي قاسم خطيب بركة ، والأستاذ يوسف زعبي ، وضحايا الكنيسة القبطية بمصر ، وخالها نعمان العاصي ، وعبد الرحمن صديق ، والشابة مرفت التي قتلت وذبحت أمام أطفالها ، وعمها مطلق علي حمادة المتوفى بلبنان ، وتوأم روحها فاطمة ، وطبيب الشعب د. مروان خورية ، والطفل أمير زاهر أبو رحمة ، وغازي سمنية ، واحمد ذياب ، وعرسان حمادة ، والفنانة ريم بنا ، ويارا حمادة ، والمربية انصاف خطيب ، ومحمد عدنان ، وعمتها عبلة أم عصام ، والصبية نبراس ، وأم الامين ، والأستاذ أنطون عبود ، وعبير صبري بقاعي ، ومنيرة شحاده قرعاوي ، والشاب عطا قدري ، وعلاء فرهود ، وعلي نجمي ، ومحمد عنبتاوي ، واخيرًا ترثي نفسها .

وهذه الرثائيات مؤثرة جدًا بكلماتها وتعبيراتها وأوصافها ، وتعبّر عن اللواعج والأحزان الكامنة في صدرها ، وتزخر بالمشاعر الانسانية والأحاسيس العاطفية والوجدانية ، وتتجلى فيها روح الشاعرة وانسانيتها ورهافة حسها .

ومن هذه القصائد اخترت هذا النموذج في رثاء الفنانة النصراوية غزالة فلسطين المرحومة ريم بنا ، حيث تقول بصوت مجهش حزين بلسانها :

يا ليل ما أطولك

زرعت في جسمي المرض

والله هو الشافي

قاومت كثيرًا واستسلمت

وحنيتلي كتافي

وصارعت في دنيا العدم

وجثم الصبر ع شفافي

والصوت ضاع وهجرني

ورضيت وقلت ماشي

سكن في جسمي المرض

ودمرلي إحساسي

مشيت عالأشواك

وارتعدت أطرافي

وداع يا إمّي الحنونه 

واولادي مش ناسي

وداع يا فلسطين الأبية

حبك على راسي

وداع يا أخي فراس

قدرنا شو قاسي

وفي الديوان وصية شهيد ، وأغنية لفريق هبوعيل سخنين بمناسبة الارتقاء في الدوري ، وقصيدة عن الشيكل والدولار ، وأخرى عن الصداقة ، حيث تطرح فيها موقفها ورأيها من الصداقات التي باتت نادرة في هذا الزمن الذي طغت فيه الماديات والأنانية والمصالح الشخصية ، فتقول :

الصداقة يا صاحبي

تحتاج لحب وحداقه

يضحي الصديق بنفسه

يمنحني الحنان إن صدري ضاق

الصداقة يلزمها المرونه

كراقصة خفه ورشاقه

يكون مركبي إن غرقت

يمنحني الامان ويشحنني بطاقه

الصديق الحر مرساتي

والصدر الحنون كم يحلو عناقه

لا أن يجمع هفواتي

بحصّالة حقد ونفس معاقه

وفي مضمار الحب والغزل نقرأ قصيدة " إليكَ " وهي في غاية الرقة والجمال والبوح الشفيف وصدق المعاني ودفء الإحساس :

أحببتك وكتمت الآه

ومن ولهي صحت أواه

تهجرني وتسلاني

وتعود لفؤادي ونجواه

لتسكن داخل روحي

لتحرسني من الشر وآذاه

لغيرك لا أشكو همي

وأنت من أبغي رضاه

عايده خطيب في نصوص ديوانها تبدو شديدة التأثر ، متوهجة بفيض من الحنان ، تمتلك ذائقة شعرية نقية ، وحسًا شفافًا بوجود جمال وصفاء روحها المتدفقة الفياضة التي تنعكس على مضامينها وبكائياتها . ونلمس في كتابتها الوضوح والسرد التعبيري عن مشاعرها وعواطفها وخواطرها وأفكارها ، ناهيك عن الإلهام النقي الصافي ، والقدرة على تطويع المفردة ، التي تأتي عفوية دون رتوش أو تعقيدات ، وقاموس مفرداتها الثري ، ونسيجها اللغوي السلس ، ولغتها الرشيقة البسيطة التي تصل في بعض القصائد حد المباشرة ، بالإضافة إلى استخدامها المجازات والتشبيهات والمحسنات البديعية .

عايدة خطيب في ديوانها ترسم لنا أجواء مفعمة بالحزن والشجن ، والنبض الانساني ، والجمال الشعري ، الذي يلامس الروح ويعانق شغاف القلب ، فتصور عما تعيشه من حالات الاسى جراء الرحيل والفقدان وحالة الألم الداخلي الذي يصل حد الكآبة والقنوط ، دون أن تفقد الأمل ، وذلك بفعل ما يحدث ويجري في الواقع من غياب الفضائل والشمائل ، راسمة لنا صورًا واقعية متحركة ومحسوسة .

ومن يقرأ الديوان يلمس صوتًا حزينًا باكيًا شاكيًا محملًا بشحنات الصدق والشفافية والتمسك بالأمل والتفاؤل رغم رداءة المرحلة ، ويشاركها أساها وشجنها واحساسها الصادق النبيل ، ويعيش مع كلماتها العذبة الهادئة والصاخبة في آن ، ومع موسيقى النفس التي تدق على أوتار الروح بكل رقة وحنان .

ونلمس تفاوتًا بين مستوى القصائد ، فهنالك نصوص بالغة الجمال والروعة ، وأخرى ضعيفة تفتقد للجماليات الفنية . ومأخذي على الديوان من النواحي الفنية ،أنه بدون فهرست وبدون تبويب لائق ، حيث تتداخل القصائد في ترتيبها ، وكان من الافضل تصنيفها في بابين ، الأول باب الرثاء ، والباب الآخر للأغراض الشعرية الاخرى .

ومع ذلك نرحب بديوان الصديقة الشاعرة عايدة حمادة خطيب ، ونشاركها التضرع للـه أن يرفع غضبه ويصلح الناس وحال الأمة التي ننتمي إليها ، وأن تسود المحبة والوئام والتآخي والسلم الاهلي المجتمعي ، ونتخلص من وباء وآفة العنف الذي يدق ناقوس حياتنا ، مع التمنيات لها بالمزيد من العطاء والتألق والاصدارات الشعرية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق