"كان يجري التجارب، ليتأكد من صحة كل ما يتوصل إليه، ولم يكن يقتنع بظاهر الأمور فقط، كما كان يتحقق من الأمور قبل عرضها على الناس وإقناعهم بها"
ولد أبو القاسم عباس بن فرناس التاكرني سنة 810 ميلادي في رندة بالأندلس زمن قيام الدولة الأموية من عائلة أمازيغية ودرس في قرطبة التي توفي فيها سنة 887 ميلادي وكان مقربا من الساسة وموضع غيرة من الفقهاء وظهرت عليه علامات النبوغ منذ صغره وتبحر في الحكمة والشعر والعلوم وبرع في الكيمياء والرياضيات والفلك والفلسفة والموسيقى ولكنه اشتهر في مجال الاختراعات العلمية والصناعات المبتكرة.
لقد كان له السبق التاريخي والعلمي في صناعة أول قلم حبر وذلك بوصله باسطوانة مملوءة بالحبر وتمكن من صناعة نظارات طبية للرؤية المتفحصة واقتدر على تصميم ساعة مائية أطلق عليها تسمية "الميقاتة" وأوجد طريقة لاستخراج الزجاج من مادة السيليكا ولقد تمكن من تقطيع الأحجار بدل إرسالها إلى مصر.
لقد اخترع المنقالة وهي آلة لحساب الزمن ووصف للناس عدة أدوية من الأعشاب لمعالجة الأمراض وكان أول من أوجد طريقة في الأندلس لكي يفك بها ألغاز وصعوبة كتاب العروض للخليل الفراهيدي.
لقد بنى في بيته قبة كنموذج يحاكي به السماء صور فيها الأجرام والسحب والصواعق والبروق والرعود وقام بصنع ذات الحلق وهي مجموعة من الدوائر والحلقات التي تحاكي حركة النجوم والكواكب السيارة.
كما برع في صناعة الشعر حتى أنه أصبح شاعر الأمويين في الأندلس ولكنه اهتم كذلك بالطب والكيمياء والصيدلة وعمل على تطبيق ما يتعلم من معارف نظرية ويقوم بتجارب عديدة ولقد ابتكر رقاص الإيقاع.
لقد انتقلت جميع اختراعاته العلمية إلى الحضارة الغربية ولقد عرف في اللاتينية باسم Armen Firman وإذا كانت السخرية والاتهامات قد لحقته من أبناء ملته فإن الإعجاب والإشادة بعبقريته قد وسمت أعماله في الملل الأخرى وبالخصوص محاولته الجريئة في التحليق عام 880 ميلادي قرب قصر الرصافة بقرطبة ويعلن عزمه على الطيران بصناعة جناحين مثل الطيور ولقد تم اعتبار هذه التجربة الفريدة أول محاولة يتطلع إليها الذكاء البشري للسفر نحو الفضاء والإقلاع نحو الكواكب وعلى الرغم من فشل تجربته إلا أنها كانت بداية واعدة وانطلاقة فعلية نحو غزو البشر للفضاء الخارجي وكان ذلك قبل قرن ونيف من قيام الأنجليزي ألمر المالمسبوري بصناعة طائرة شراعية وتجريب عملية التحليق بين 1000 و1010م.
لم يقتصر اهتمام بن فرناس على دراسة الحكمة العربية وانما تعلم اللغة الإغريقية لكي يدرس الفلاسفة الإغريق ويتطلع على العلوم القديمة التي نقلت إلى الحضارة اليونانية ويعمل على ترجمتها إلى الضاد.
لقد لقب بحكيم الأندلس وكان أول العلماء الذين قدموا للحضارة العربية الكثير من الاكتشافات العلمية المبهرة وصنعوا للإنسانية العديد من الآلات الفلكية الدقيقة واشتغل بالرياضيات والموسيقى والأدب ولكنه تعرض للتكفير والنكران ولم يصلنا مما كتبه أو ترجمه شيئا يذكر وبقيت فقط حادثة الطيران تخلد اسمه .
بيد أن التاريخ أنصفه وأدركت البشرية قيمة اكتشافاته العلمية بعد قرون قتم اعتباره أول رائد فضاء عربي وأقيم له نصبا تذكاريا في بغداد وأطلق اسمه على مطار بطرابلس وعلى جسر يمر على النهر الكبير في قرطبة وعلى أحد الفوهات الصدمية على سطح القمر وتم افتتاح مركز يعتني بالطيران بمسقط رأسه رندة. فكيف ينعت بالجنون أعلم الناس في عصره؟ أليست هذه الاتهامات من علامات الحمق والبلاهة والجهل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق