كان المرحوم يعقوب بن عزّي بن يعقوب بن أهرون بن سلامة بن غزال الكاهن، المعروف بأبي شفيق، من الشخصيات السامرية الأولى، التي تعرّفت عليها للمرّة الأولى في حيّ الياسمينة بنابلس، بالقرب من جامعة النجاح، في مستهلّ سنوات السبعينات من القرن العشرين. في الواقع، أوّل سامري التقيت به كان السيّد المرحوم جميل عفيف فياض السامري، وكان ذلك في ٢١ تشرين أوّل عام ١٩٦٨؛ ومنه تعلّمت الحروف السامرية، كتبها على قُصاصة من الورق، ما زلت احتفظ بها إلى يوم الناس هذا. التقيت أبا شفيق في غرفة صغيرة بجانب شارع رئيسي حيث كان يستقبل زوّاره من المحليين والأجانب، الذين كانوا يتردّدون عليه لمعرفة الطالع عبر قراءة الكفّ التي تميّز بها. بعد أن جلست قُبالته طلب منّي بالعبرية، على ما أذكر، أن أبسُط كفّ يدي ليقرأها. أجبته بالعربية: يا سيّد أبو شفيق جئتك باحثًا عن مصادرَ مخطوطة تفيدني في أطروحتي للدكتوراة التي أعدّها بإرشاد الأستاذ زئيڤ بن حاييم (١٩٠٧-٢٠١٣)، حول موضوع ترجمة التوراة السامرية إلى العربية. حينها انشرح قلبه فتحدّثنا مطوّلًا، وبدأت صداقتنا التي امتدّت حتى وفاته وما زلت أحتفظ ببعض مراسلاته وتربطني منذ بضعة أعوام علاقة صداقة مع أحد أبنائه، الكاهن عزير (يَقير) يعقوب .
أبو شفيق رجُل نحيف ملتحٍ، طويل القامة، حوالي المتر والتسعين سم. ذلك الكاهن والصحفي والمؤلِّف، شغل منصب رئاسة الكهنوت، الكاهن الأكبر في المدّة الواقعة ما بين ٢٠ تشرين الأوّل من عام ١٩٨٤ و ٢٦ كانون الثاني سنة ١٩٨٧.
كان أبو شفيق أوّل صحفي سامري نابلسي عمِل بين السنوات ١٩٢٠ و ١٩٤٠، أمدّ صُحفًا عبرية مثل هآرتس، دڤار، دوئر هيوم، هبوقر (البلاد، أمر، بريد اليوم، الصباح) والصحيفة الإنجليزية Palestine Post (بعد العام ١٩٤٨ حملت الاسم Jerusalem Post) بشتّى الأخبار والتقارير من مدينة جبل النار، عمّا كان يدور من أحداث في تلك المنطقة عامّة، وفي أوساط السامريين خاصّة.
كان أبو شفيق إنسانًا مثقّفًا، دمثًا، حاذقًا، ذا آفاق رحبة في الشعر العربي أيضًا، وحفظ غيبًا الكثير منه. كان يقضي وقتًا معيّنًا يوميًّا تقريبًا في المكتبة العامة المنشية للمطالعة. من أصدقائه اليهود نذكر إسحاق بن تسڤي ( ١٨٨٦٤-١٩٦٣) الذي كان صحفيًا وباحثًا ثم أصبح رئيس دولة إسرائيل الثاني، وكذلك المستشرق والأديب والمترجم والصحفي المعروف مناحيم كابليوك (١٩٠٠-١٩٨٨). يُذكر أن بن تسڤي كان قد أطلق على السامريين عبارة ”إخوتنا البعيدون“ ونادى بمعاملتهم كاليهود، وكانت له علاقة صداقة قوية مع زعيم السامريين آنذاك في حولون حُسني (يفت) صدقة الصباحي الملقّب بسيدو (١٨٩٥-١٩٨٢)، وله أيادٍ بيضاء في مدّ يد العون للسامريين، مثل مساهمته في بناء الكنيس في حولون عام ١٩٦٣. اعتاد أبو شفيق إرسال تحيّاته لبن تسڤي/بن تصابي وبن ذئيب (١٨٩٩-١٩٨٠) وكابليوك وأهارون كوهن (١٩١٠-١٩٨٠) وداڤيد تسڤي بنِعط (١٨٩٣-١٩٧٣) بواسطة إبراهيم بن جمال صدقة الصباحي زوج ابنته عزيزة (يقيرة) البكر، وعن طريق أشخاص آخرين مثل راضي بن الأمين صدقة (١٩٢٢-١٩٩٠). ويشار إلى أن أبا شفيق كان ينوي بحماس الانتقال للسكن في إسرائيل ولكن أمنيته هذه لم تتحقّق لعدّة أسباب.
زوجته عَفاف (يَفه) ابنة غزال بن فنحاس الكاهن، ١٩٢٤-١٩٩٨، تزوّجها عام ١٩٣٧ ولهما من الأولاد عشرة، خمسة صبيان وخمس بنات: شفيق، معين، عزيز، غزال، مؤيد (عزي والعزر ويقير وطابيا وفنحاس)؛ وأنجب البكر يعقوب وأهرون (يرون) الذي أنجب عزي أو عوز؛ العزر أولد شلومو وطابيا أولد يعقوب وعزي؛ وفنحاس أولد طابيا (أ.ب.أخبار السامرة، ٧١٥-٧١٧، ٣١ تموز ١٩٩٨، ص. ١٥).
امتاز أبو شفيق بخطّ واضح بل وجميل في العربية والسامرية، كما توضّح ذلك مئات النسخ من التوراوات والصلوات التي دوّنها. كما وساهم في الكتابة إلى الدورية السامرية المعروفة، أ. ب. أخبار السامرة، التي انطلقت منذ أواخر العام ١٩٦٩ وما زالت حيّة تُرزق. يُذكَر ضمن ما نسخه توراة ضخمة بقياس ١٠٠سم طولا و ٧٠ سم عرضًا، كان قد أهداها للكنيس في نابلس عام ١٩٨٣. في عيد القربان/الفسح عام ١٩٨٦ التقى أبو شفيق بالمبعوث البابوي الكردينال كارلو كيوريس، وتلقّى منه دعوة لزيارة الحَبْر الأعظم يوحنّا بولس الثاني في الڤاتيكان. لم يسافرِ الكاهن الأكبر بل أناب عنه ابن أخته الكاهن عبد المعين صدقة (١٩٢٧-٢٠١٠) أبي وضّاح (يئير) وسكرتير الطائفة السامرية النابلسية آنذاك السيد فاروق بن رجا. تبرّع البابا بسخاء للسامريين إثر تلك الزيارة، فشيّد مركزًا جماهيريًا لهم يضمّ مدرسة ابتدائية، قاعاتِ أفراح واجتماعات ومركزًا دوليًّا للسلام وآخر للزوار (أنظر أ. ب. أخبار السامرة، ١١٥٣-١١٥٤، ١٦ شباط ٢٠١٤، ص. ٩٢-٩٣ وكذلك مقال السيد وضاح صدقة ابن المرحوم الكاهن الأكبر عبد المعين صدقة: http://ency.najah.edu/node/67). وفي مراسلاته كان أبو شفيق يكتفي بالاسم يعقوب كاهن، صندوق البريد ٣٦، تلفون ٣٨.
من مؤلّفات المرحوم أبي شفيق نذكر هذه الكتب المخطوطة بخط يده:
١) كتاب السامريين: تاريخهم وعاداتهم وطقوسهم واحوالهم. وحالتهم الاجتماعيه والثقافيه. أمنياتهم وآمانيهم كتبهم وقصصهم المكتوبة والغير مكتوبه مع بعض اساطيريهم (!) الخ ...كتبه الكاهن يعقوب السامري سنة ١٩٦٠. النسخة الأولى من هذا الكتاب اشتراها الأب ميلك (يوسف ميلك) الأيطالي. نسخة من هذا الكتاب محفوظة في مكتبة يتسحاك بن تسڤي في القدس الغربية تحت رقم 7036 . عدد صفحاته ٣٥١. من أبواب هذا الكتاب نذكر: ظهور بابا ربّا؛ الفتح العربي؛ صلاح الدين الأيوبي؛ أسماء العائلات من السامريين التي اعتنقت الاسلام؛ شجره انساب الكهنة؛ يعقوب بن هارون؛ ازياء السامريين؛ القصة والاسطوره السامرية؛ الخلافات بين السامريين واليهود في التوراة؛ كُتب السامريين؛ تقاليد السامريين وعاداتهم.
من الواضح أن يتسحاك بن تسڤي (بن صابي كما يرد في أسفل الصفحة الأولى) كان قد طلب من أبي شفيق تأليف مثل هذا الكتاب. في ١٩ نيسان من عام ١٩٦٠ يخُطّ أبو شفيق رسالة بالعبرية بحروف سامرية لبن تسڤي يُبلغه فيها عن إتمام كتابة هذا الكتاب (ينظر: أ. ب. أخبار السامرة ٧٦٣-٧٦٥، في الأول من أيلول عام ٢٠٠٠، ص.٥٣). اعتمد أبو شفيق في تأليف هذا الكتاب على تاريخ الشيخ أبي الفتح ابن أبي الحسن السامري (القرن الرابع عشر) وكتاب السامريين ليتسحاك بن تسڤي بالعبرية (ספר השומרונים, תולדותיהם, מושבותיהם, דתם וספרותם. תל אביב 1935, מהד’ שניה בעריכת ש’ טלמון, 1970.) وكتاب بالإنجليزية لچاستر (The Samaritans, Their History, Doctrines and Literature. The Schweich Lectures for 1923. London 1925. Reprinted by Gordon Press, 1976, 1980) والمصدر الآخر شفوي ممّا سمعه أبو شفيق من الأسلاف.
٢) وصيتي وتاريخ حياتي، عام ١٩٧٤، عدد الصفحات بحسب الترقيم هو ٣٦٥. من فصول هذا المخطوط: الوصية وتمتدّ على ثلاثين صفحة؛ لقاء صديقه إسرائيل بن ذؤيب (בן זאב) وتكليفه كتابة هذا الكتاب؛ الطفولة؛ الذكريات مع الوالد والجدّ؛ الأمّ؛ الحرب العالمية الأولى وفظائعها، دراسته وأشغاله؛ الزلزال؛ كيف صار صحفيا؛ الزواج؛ إضراب ستة الأشهر؛ ثورة ٣٨؛ قرار التقسيم؛ حروب التحرير (كما يسمونها، هكذا في الأصل)؛ اتهامي بنهب البنك؛ عمل القربان؛ الحرب العالمية الثانية؛ مرضته ذات الثلاثه اشهر؛ اتصالات غير مباشرة مع أصدقاء في إسرائيل؛ زيارة الملك طلال عام ١٩٥١ في عمّان؛ نسخ الكتب؛ وفاة العمّ أبي الحسن؛ فتح مكتب؛ عملية خطيرة ومرضها الطويل؛ حرب السته ايام؛ زيارات اليهود لنابلس؛ اول عيد للسامريين تحت عهد اليهود.
ورد في الصفحة الثالثة ما يلي (الخط المائل / يدلّ على نهاية سطر وبداية التالي).
”انا يعقوب بن المرحوم شفيق بن يعقوب الكاهن اللاوي/من سكان نابلس اكتب واسجل وصيتي هذه بعد ان/ تجاوزت الخامسة والسبعين من عمري واصبحت/اترقب ملاقات ربي في كل وقت ولذا فاني/اسارع الآن اتلوها امام المچرفون لكي يسمعها اولادي/واحفادي من بعدى راجيًا لهم جميعًا التوفيق/والخير والمحبة والسلام. آملًا وراجيًا ان تتلى/وصيتي هذه بصوتي في كل عام لدى ذكرى وفاتي/يوم يحتفل بها اولادي والمحبين من اقربائي/ بقراءه التوراه (وكتب فوقها: الشريعة) على روحي الخاطئه ونفسى الآثمه/ لعله تعالى يرحمني ويغفر لي آثامي انه الكريم الرحيم اللهم/ امين/كتبها وسجلها بنفسه/الفقير اليه تعالى بخطه/وصوته/يعقوب بن شفيق الكاهن/السامري سنة ١٩٧٤“.
ولأبي شفيق من المؤلفات بالعبرية ما يلي
בן–עזי, יעקב הכהן, קרבן פסח אצל השומרונים. ירושלים תרצ’’ד. (قُربان الفسح لدى السامريين. القدس ١٩٣٤).
–––––, שומרוני מספר על השומרונים. דבר כ’’ב תשרי תרצ’’ה. (سامري يحكي عن السامريين، دڤار ٢٢، ١٩٣٥).
–––––, (עם הערות והוספות של י’ בן צבי וי’ בן זאב) קדמוני השומרונים וחבורי חכמיהם בלשון הערבית. הוצאה מיוחדת מתוך כנסת, תרצ’’ט, תל אביב. (כנסת ד’ (תרצ’’ט) עמ’ 321–327. (أعلام ومؤلفو السامريين القدماء بالعربية. مخ. SAM. 80 38 في المكتبة الجامعية والوطنية في القدس، كنيست ١٩٣٩، ص. ٣٢١-٣٢٧).
عن الكاهن الأكبر يعقوب بن عزّي يُنظر أيضًا في مقال نجله عزيز (يَقير) يعقوب الكاهن: ”ثلاثون عامًا على رحيل الكاهن الأكبر يعقوب بن شفيق عزي (١٨٩٩-١٩٨٧)؛ رحمه الباري“. أ. ب. أخبار السامريين ١٢٢٦-١٢٢٧، ١٥ كانون الثاني ٢٠١٧، ص. ٩٣-١٠١.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق