يا معلمي الفاضل اطلب المستطاع حتى تطاع/ أحمد سليمان العمري

ليس من المستهجن كثيراً تفاوت رواتب موظفي القطاع العام بين وزارة ومؤسسة أو دائرة داخل الدولة الواحدة، فقد آل الأمر إلى بديهي. فأن يترواح راتب أفراد وزارة الداخلية والخارجية ورئاسة الوزراء وديوان التشريع بالإضافة إلى دائرة الضريبة ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بين الـ 1000 ليقارب الـ 2000 دينار هو الشيء الذي ينافي معايير الإنصاف والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد.

ولا أتحدّث هنا عن بعض رواتب ومخصّصات في بعض الوزارات والمؤسسات وأمانة عمّان الذي يحدّده الرئيس حسب حجم العلاقات الشخصية وأحياناً الإمكانيات التي تتحلّى بها بعض أقسام السكرتاريا وإدارة المكاتب الإدارية الرئيسة والتي تتجاوز الـ 4000 دينار.

تجدّ في أكثر الدول الديمقراطية والحقوقية في العالم التأرجح بين مؤسسات القطاع العام لا يتجاوز الضعف في أسوأ الحالات على الإطلاق، مع مراعاة التحصيل الأكاديمي أو الفني ذاته وسنوات الخبرة.

فلماذا نجدّ هذا البون الرحب الرحراح في الأردن والذي يصل بين مؤسسة وأخرى لستة أضعاف؟

أظنّ أنّ هذا التباين الهائل بين وزارة وأخرى أو دائرة عن غيرها يعود نوعاً ما ودون مبالغة مني للتقسيم العائلي المتنفّذ في الدولة لوظائف القطاعات، فجدلاً لو وضعنا موظفي وزارة الزراعة والتربية والتعليم والتنمية الإجتماعية وموظفي دائرة الإحصاءات وسلطة المياه ليترواح متوسط رواتبهم بين 300 دينار ونيّف ليصل كحدّ أقصى إلى 600 دينار، وقد يكون الرقم مبالغ فيه.

هذه الفروقات الهائلة بين موظفي القطاع العام ومؤسسة ووزارة أو دائرة هي مجحفة وغير منصفة، ولقد ترتّب عليها مع مرور الوقت تدّني الخدمة بشكل ملحوظ.

فلو وضعنا المنظومة التعليمية خلال الـ 25 عام المنصرمة تحت المجهر لوجدنا أنّ رسوم المدارس الخاصة تصل لخمسة أضعافها في المدارس الحكومية، هذا مع إقبال غير مسبوق في تاريخ الأردن عليها.

أظنً أنّ الإحجام عن مدارس وزارة التربية والتعليم لم يأتِ من حجم الرفاهية التي يعيشها المواطن ليقدم على دفع أقساط مضنية شاقّة تقتصّها الأسرة من قوتها، إنّما لتدّنى المستوى الذي انحط بين المدارس الحكومية ليتجاوز سوء التعليم ويصل في بعض المدارس إلى وكر "تحشيش" وهذا الطرح لا يُنقص من قدر المعلم الفاضل ولا من حجم عطائه، إنّما من كم الضغوطات التي تعانيها المدرسة الحكومية ومعها المعلم. 

بدأت الخميس 5 سبتمبر/أيلول 2019م في وسط العاصمة الأردنية عمّان أول الوقفات الإحتجاجية لِتَجمَع محافظات المملكة عامّة لمعلمي المدارس الحكومية مطالبة بزيادة 50% على رواتبهم الأساسية، هذا يعني بأن الزيادة تشكّل كحدّ أدنى الفئة الثانية، المستوى الثالث للدرجة التاسعة في السنوات الخمس الأولى 62 دينار لتصل الزيادة إلى ما يقارب الـ 300 دينار للفئة الأولى، المستوى الأول، الدرجة الخاصة.

لم تكن الوقفة سلمية كما كان متوقع لها، فقبل تجمّع أكثر من ثلاث آلاف معلم في دوار الداخلية، حاولت الأجهزة الأمنية منع الوفود القادمة من مختلف المحافظات وسط إجراءات أمنية مكثّفة من الوصول للدوار الرابع أمام مبنى رئاسة الوزراء، والبعض بقى في الطرق المؤدية إليه، ممّا أدّى إلى اشتباكات واستخدام قوات الدرك غاز مسيل للدموع لتفرقة الجموع، هذا مع رفض وزارة التربية والتعليم الإستجابة لمطالب المعلمين لما يترتّب على خزينة الدولة أن تدفع أكثر من 112 مليون دينار. وعلى هذا نظّمت النقابة ممثّلة بالمتحدّث بإسمها نور الدين نديم إضراب شمل جميع مدارس المملكة الحكومية على الإطلاق يوم الأحد السالف والذي كان أحد مخرجاته مواصلة الإضراب لإشعار آخر.

رفض النقابة للمقترح الذي قدّمته الحكومة بعد الجلسة الحوارية بين القائم بأعمال النقيب ناصر النواصرة ووزير التربية والتعليم الدكتور وليد المعاني مبالغة وتصعيد. فحسب طرح النقابة أنّ العرض الذي قدّمته الحكومة لا يلّبي طموح المعلمين لإنهاء الإضراب.

 طريقة حوار النقابة غير عصرية وخالية من المسؤولية، فالوقوف بتعنّت على نسبة الـ 50% لا ينم عن بعد نظر ولا عن رغبة في خلق نقاط مشتركة، إنّما من شأنه إيقاظ كثير من القطاعات المظلومة كالمعلمين للمطالبة بذات النسبة، وهذا حقّهم المشروع أيضاً، بالإضافة إلى نقطة مهمّة وهي أحقيّة الحكومة في حالات الإضراب بعدم دفع الرواتب والتي يوجب القانون النقابة بدفعها للموظفين، فهل ستدفع النقابة لهم؟ وهل ستقتطع الحكومة دخل المضربين؟ وهو حقّها كما الإضراب حق الموظف.

الرفض والقمعية التي تعاملت بها الحكومة تجاه المعلمين لا تتناسبا أبداً مع دولة حقوقية. كما أنّ قرار رئيس الوزراء بعدم تراجع الحكومة عن ربط العلاوات بمؤشر قياس الأداء أيضاً مرفوض وغير منصف، فلا يجوز في القطاع العام أنّ يحرم قليل القدرات على حساب كثيرها. كما لا يجوز إتهام المضربين بإلإضرار في الدولة، فهذا حقّهم وهي الوسيلة الوحيدة للضغط من أجل تحصيل الحقوق، الإضرار هو في التصعيد والمغالبة والتعنّت ورفض نسب منطقية وواقعية.

في ذات الوقت لا يتناقض هذا الطرح بأنّ الهجمات على رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزّاز غير مبرّرة، هذا لأنّ الذين سبقوه ومن سيخلفوه لن تختلف سياستهم عنه كثيراً، وجه الإختلاف في الأداء فقط. هذا لأنّ سياسة الأردن منذ تاسيسها لم تمنح رئيس الوزراء سلطة حقيقة، بل مقترحات ينفّذها في حال وافق عليها ملك البلاد.

كان بالإمكان أن تسير الأمور بسلمية أكثر لو أنّ الجانبين قدّما بعضاً من التنازلات بدءاً من هيكلة الوقفة وانتهاءً بسببها، وهي نسبة الـ 50 بالمائة، بالإضافة إلى توقيت الإحتجاج الذي أتى بعد 4 أيام من بدء العام الدراسي الجديد.

 فيا معلمي الفاضل اطلب المستطاع حتى تطاع.

المطالبة بصرف علاوة 50% على رواتب المعلمين هي مبالغة وبعيدة جداً عن الموضوعية والواقعية، وأنا أول الموقّعين برفضها.

لو أنّ النسبة تترواح بين ٧ إلى ١٥ بالمائة لكانت أقرب إلى التحقيق وأبعد عن الضرر حكومياً وشعبياً، هذا مع مراعاة مطالب القطاعات الأخرى التي لها ذات الحق في المطالبة على الصعيد العسكري والمدني أو جهات نقابية وغير نقابية ليعمّ العدل بين مطالب محتج وغير نقابي لا يجدّ من يقف في ظهره.

ما زلت أذكر في بداية هذا العام حين أضرب موظفي القطاعات الصحية في ألمانيا ولاية"NRW" قرابة الشهرين عن العمل لتكون المحصّلة زيادة 2.1% من الدخل، ونحن نتحدّث هنا عن دولة بإقتصاد عظيم، فكيف لدولة كالأردن تلبية 50% لقطاع التعليم وأظنّه الأكبر في الدّولة؟

فلو قسّمنا الـ 50% على القطاعات المظلومة لأنصفنا الجميع وتفادينا رفضاً بديهياً في ظلّ الظروف الإقتصادية الصعبة التي تتعرّض لها الأردن حالياً. وأودّ أن أنوّه مع مراعاتي للأزمة التي نمر فيها جميعا حاكم ومحكوم، أنّه من الضروري جداً اتخاذ قرارات لموازنة الدخل بين القطاعات وتقنين الفجوة بينهم بشكل منطقي ومنصف، والعمل على معالجة حالة الإستياء والإحباط التي تسود الشارع الأردني لذات الأسباب على صعيد موظفي القطاع العام والخاص في آن.

العمل على هذه الخطوة يتطلب شرطاً أساسياً وضرورياً ولن نخرج من هذه الدائرة المغلقة بين مسوّق ومروّج لقرارات الحكومة وبين لوم دائم ومستمر على رجالاتها إلّا في البدء في برنامج يتناسب مع ميزانية الدولة ومديونيتها، وهذا يتمحور في تخفيض رواتب الوزراء والنواب والأعيان ومدراء المؤسسات الكبرى بما يتناسب مع وضع الدولة السيء إقتصادياً، وإلّا وقفنا شعب وحكومة متعمّدين أمام النهضة التي نعمل من أجلها للرّقى في هذا البلد المعطاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق