دول آسيان ترحب بالبحرين بالإجماع .. لماذا؟/ د. عبدالله المدني

منذ تأسيسها في بانكوك سنة 1967 مدت رابطة أمم جنوب شرق آسيا المعروفة اختصار بـ "آسيان ASEAN" يدها إلى جميع دول العالم المحبة للسلام للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي من أجل عالم أكثر أمنا واستقرارا وأقل عنفا  وتمزقا واضطرابا، في الوقت الذي كانت تعمل فيه بيدها الأخرى على تجسيد أهدافها المتمثلة بتسريع النمو الإقتصادي وتطوير وتنويع التبادل التجاري وتحقيق التكامل وتأسيس آلية لحل الخلافات بالحوار والطرق الدبلوماسية.
  
هذه المنظومة الإقليمية التي تتخذ من جاكرتا مقرا لأمانتها العامة، والتي تأسست إبتداء من خمسة دول هي تايلاند وسنغافورة وماليزيا وإندونيسيا والفلبين قبل أن تمنح عضويتها لسلطنة بروناي (1984) وفيتنام (1995) ولاوس وميانمار (1997) وكمبوديا (1999)، قامت في قمتها الاولى التي انعقدت في جاكرتا في فبراير عام 1976 بالإعلان عن "معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا"، لتشكل هذه المعاهدة أساسا لتعاون أعضائها، حيث أكدت على جملة من المباديء والأهداف من بينها الإحترام المتبادل للإستقلال والسيادة والهوية الوطنية، وعدم التدخل في شؤون بعضها البعض، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، والتخلي عن لغة التهديد واستخدام القوة، والتعاون البيني والجماعي الفعال. غير أن الدول الأعضاء رأت في عام 1987 ضرورة تعديل المعاهدة بصورة تسمح لدول من خارج الرابطة بالإنضمام إليها. ولاحقا في عام 1998 تمت إضافة شرط موافقة الدول الأعضاء بالإجماع على قبول أي دولة من خارج الرابطة في المعاهدة المذكورة. وهكذا سارعت نحو 30 دولة بالإنضمام إلى المعاهدة ومن بينها: الصين والهند والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية.

وفي عام 2003 تم الإعلان عن مرتكزات الرابطة الثلاثة وهي المرتكزات الأمنية والإقتصادية والاجتماعية والثقافية ويلاحظ هنا أنها قدمت المرتكز الأمني على بقية المرتكزات إيمانا منها أنه لا سبيل للارتقاء بالتعاون الاقتصادي والتنموي والاجتماعي والثقافي في أجواء تسودها الاضطرابات الأمنية، بمعنى أن شروط التقدم والرخاء والازدهار تتطلب أجواء من السلام والاستقرار قبل كل شيء.

المغرب، ولأسباب سياسية إستراتيجية متعلقة بتعزيز موقفها من قضية الصحراء الغربية في مواجهة محاولات جبهة البوليساريو الإنفصالية، سبقت بقية الدول العربية لجهة الإنضمام إلى معاهدة الصداقة والتعاون مع آسيان وذلك حينما وقع وزير خارجيتها ناصر بوريطة على وثيقة الإنضمام على هامش قمة الرابطة في العاصمة اللاوسية "فينتيان" في سبتمبر 2016.

أما الدولة العربية الثانية التي اتخذت ذات الخطوة فكانت مصر، وقد انطلقت القاهرة من مبدأ أن تعاونها مع رابطة آسيان، التي تشكل دولها مجتمعة سادس أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا وفرنسا، والتي تحظى باحترام المجتمع الدولى وتملك شبكة نشطة من الشراكات والتحالفات الدولية، مكسب كبير لها، ولا سيما لجهة جذب الإستثمارات في بعض القطاعات الحيوية للدولة المصرية مثل قناة السويس، خاصة في ظل الإلتزام المعلن من قبل آسيان بتوسيع إستثماراتها في منطقة الشرق الأوسط.

ومؤخرا لحقت البحرين بشقيقتيها المصرية والمغربية فوقع وزير خارجيتها معالي الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، خلال حضوره إفتتاح المؤتمر الـ 35 لوزراء خارجية دول الرابطة في بانكوك في مطلع نوفمبر الجاري، وثائق إنضمام البحرين إلى معاهدة الصداقة والتعاون، بعد أن لقي طلب المنامة قبولا سريعا بإجماع الأصوات، الأمر الذي يعكس مدى إحترام دول جنوب شرق آسيا للبحرين الصغيرة في مساحتها وسكانها، العظيمة بتراثها وعراقتها وسلوكها الحضاري بين الأمم والتزامها بالمواثيق والأعراف الدولية.

ولئن كانت الشقيقتان مصر والمغرب إنضمتا للمعاهدة المذكورة للأسباب التي أتينا على ذكرها، فإن إنضمام البحرين جاء إتساقا مع سياستها الرامية إلى ترسيخ التعاون والشراكة مع جميع الدول المحبة للسلام ودعم جهود تعزيز الأمن والإستقرار في العالم؛ وتجسيدا حيا لرؤية قيادتها في تشجيع الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان ونبذ الكراهية والتعصب المفضي إلى الإرهاب والعنف؛ وتوافقا مع النهج المعروف لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء في الانفتاح على آسيا والنهل من نماذجها المشهودة في التنمية والنهضة والرخاء.

والمعروف في هذا السياق أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية كان قد قرر في دورته الـ 18 الموافقة على إجراء إتصالات مع بعض دول الشرق الأقصى، خصوصا دول رابطة آسيان، ثم قرر في دورته الـ 66 فتح حوارات إقتصادية مع الأخيرة. وكان من ثمار هذه الاتصالات أن استضافت البحرين أول إجتماع على مستوى وزراء الخارجية بين رابطة آسيان ومجلس التعاون الخليجي في مايو 2009. كما استضافت البحرين إجتماعا مماثلا في نوفمبر 2013. وفي الإجتماع الأخير تقرر أن تقوم البحرين بدور المنسق بين مجلس التعاون وآسيان، وتلا ذلك تأسيس "مجلس دول آسيان والبحرين سنة 2017 بهدف تطوير ‏العلاقات ‏التجارية والاقتصادية والسياحية والثقافية، وزيادة ‏حجم التبادل ‏التجاري، وفرص ‏الاستثمار، و‏خلق شراكات اقتصادية مثمرة بين الجانبين. وعلينا هنا ألا نغفل عما يشكله المحيط الهندي من أهمية استراتيجية للجانبين الخليجي والآسياني، علما بأن دول آسيان وقعت في يونيو الماضي وثيقة محورية حول دورها في المحيطين الهندي والهاديء من بعد مفاوضات استغرقت 18 شهر.

وهكذا نرى أنه في الوقت الذي تضيّـق فيها الكيانات الإقليمية والدولية الخناق على دول أكبر مساحة وسكانا وأكثر ثراء وامكانيات من البحرين بسبب إرهابها وسياساتها الهوجاء، تفتح هذه الكيانات ذراعيها للبحرين مرحبة. ومن يريد معرفة السبب فليعد قراءة المقال.

د. عبدالله المدني
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: نوفمبر 2019 
البريد الإلكتروني: Elmadani@batelco.com.bh


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق