الطّلاب ذخيرة الوطن المستقبليّة فلا تعبثوا بها/ مادونا عسكر

"طلّاب لبنان يتخرّجون من الشّارع". بهذه الجملة المقزّزة عبّرت إحدى الوسائل الإعلاميّة اللّبنانيّة عن فخرها بالتّحرّك الطّلابيّ في الشّارع. بل إنّ الأغلبيّة السّاحقة فخورة بنزول الطّلّاب إلى الشّوارع. ولم يتبيّن أحد، على حدّ علمي، خطورة هذا العنوان وفظاعة مضمونه. ومَن دعا هؤلاء الطّلّاب وأخرجهم من فصولهم الدّراسيّة إلى الشّارع دون أيّ مراعاة لدرجة وعيهم وفهمهم ونزعتهم إلى الانفلات والتّفلّت، إمّا مستهتر إمّا عقل شرّير يستغلّ قصّراً لتحقيق مآربه. 
المكان الطّبيعيّ للطّالب هو الفصل الدّراسيّ وليس الشّارع. ولا يجوز إقحامه في أيّ ظرف اجتماعيّ أو سياسيّ أو حتّى ثورويّ، ومن ثمّ استغلاله إعلاميّاً واستدراجه ليجترّ ما يتكرّر على مسمعه. ومن غير المقبول الثّناء على كلامه واعتباره مدعاة للفخر. ففي هذا حثّ على الانفلات واستدعاء للغرائز والنّزعة إلى عدم الانضباط وسعي إلى تدمير البراءة وانتهاك الطّفولة وهدم الوعي. ناهيك عن أنّ هذا الفعل انتهاك للتّعليم وإخلال في التّربية الّتي لا ينبغي أن يعرقلها شيء. ويجب ألا يعترض أيّ طارئ مسيرة الفكر والفهم والوعي.
ماذا يعرف هذا الطّفل أو هذا المراهق عن مفهوم "الثّورة"؟ وما هي درجة وعيه بما يحصل من حوله وبالعبارات الّتي يهتف بها؟ هل يدرك هذا الطّفل معنى عبارة "إسقاط النّظام"؟ وهل يعقل الفرق بين إسقاط النّظام وإحقاق النّظام؟ وما هي نسبة انضباطه لنفسه وسلوكه وردّات فعله؟ وما هو مستوى فهمه للمطالبة بحقوقه؟ وهل يعي حقّاً الفرق بين حقوقه وواجباته؟ هذه التّساؤلات برسم الأهل والمعلّمين والمربّين، وبرسم الضّمير الإنسانيّ الّذي ينبغي أن يتحرّك بقوّة لحظة تُنتهك الطّفولة. فلو كنتم عمياناً ولا تبصرون جيّداً العواقب فلا ملامة عليكم. ولكنّكم تشجّعون وتدّعون حسن البصيرة وتقولون إنّكم تفتخرون بالثّورة الطّلّابيّة، وهنا الكارثة.
هؤلاء الطّلّاب المتروكون في الشّارع لهواتفهم الذّكيّة، الماكثون طول النّهار واللّيل يهتفون ويصرخون ويقلّدون في فوضى مريبة، المندفعون بحرّيّة مطلقة نحو الهلاك. هؤلاء الطّلّاب مشروع جيل فاسد لا يقلّ فساداً عن الحاكمين وعمّن يسوقونهم كالأغنام إلى الشّوارع والفلتان والحرّيّة الفوضويّة. فالفساد لا يقتصر على السّرقة والنّهب. الفساد الفكريّ أشدّ خطراً على الأوطان وأشدّ فتكاً بالإنسان؛ لأنّ الفساد الفكريّ تدمير للحضارة واستدعاء للغريزة الحيوانيّة. والفساد الأخلاقيّ أشدّ بطشاً؛ لأنّ وطناً لا أخلاق فيه خرابة يعبث بها الجهّال الّذي يدّعون الفهم والوعي. ولعلّ من انتهك التّعليم وحقّ الطّلّاب في التّعليم يريد الوطن خرابة يحيا فيها ليبطش ويحكم ويستحكم وينشر جهله المقيت. وها هم طلّابنا بأغلبيّتهم  يتجمهرون هنا وهناك رافضين الذّهاب إلى مدارسهم باستهتار شنيع وجرأة منفّرة وإرادة مسلوبة مأخوذين بالهرج والمرج والصّراخ بدل أن يتعلّموا ويفهموا ويبنوا فكراً يؤهّلهم لبناء وطن حقيقيّ.
ماذا ننتظر من أطفال يتعلّمون لغة الشّارع، ويهدرون الوقت في الشّارع؟ كيف سيتصرّفون إذا ما استخدم الشّارع وأغلب من يديره لغة الشّارع؟ من سيردع طفلاً جاهلاً بالظّروف المحيطة فيه؟ من سيلجم اندفاعه إذا ما فُقدت براءته لحظة الانهيار الأكبر؟ 
دعوا الطّلّاب وشأنهم وارفضوا أن تكون إنسانيّتهم مستباحة في الشّارع، وأعيدوهم إلى مقاعدهم الدّراسيّة ليتعلّموا ويفهموا ويتربّوا على الوعي، وابنوا لهم فكراً مستقيماً وشجّعوهم على الأخلاق وسط الفوضى، حتّى إذا ما نحجت "الثّورة" تلقون جيلاً متماسكاً واعياً مدركاً كيفيّة بناء وطن، عارفاً بمواجهة الأزمات وإدارتها، عالماً بمفهوم القول لينفّذه بالفعل بوعي وإدراك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق