كلُّن يعني كلُّن/ جورج الهاشم

شعارٌ تردَّد صداه من الناقورة الى النهر الكبير، ومن بيروت الى أعالي صنين. هتافٌ صدحت  به  حناجر الشباب والصبايا،  الأطفال والشيوخ، الرجال والنساء على امتداد البلد المنهوب، وتردَّدَ صداه في كل بلدان الاغتراب. مما دفع بعضهم ببراءة، وبعضهم الآخر بخبث الى التعليق: انه شعار ظالم. ألا يوجد أنقياء بينهم؟ وهل من العدل أخذ الشريف بجريمة الحرامي؟ فما مدى صحة هذا الشعار؟ وهل ان المنتفضين لا يفرِّقون بين الصح والخطأ؟ أم أنهم يريدون توزيع مسؤولية النهب والسرقة والهدر على الجميع لتضيع الطاسة؟                           
شعار "كلن يعني كلن" موجَّه، بالدرجة الأولى، الى سلطة المحاصصة الطائفية ككل. ليس في السنوات الثلاث الماضية فحسب بل منذ الطائف وحتى الآن. أي على امتداد الثلاثين سنة الأخيرة. لم يظهر خلال هذه السنوات أي خطوات جدّية، من أي فريق مشارك بالسلطة، لمحاولة بناء دولة ووطن. نعم ظهرت شعارات كثيرة. لكن الكلام الجميل شيء، والفعل الذي لمسنا نتائجه شيء آخر. فالوضع الكارثي الذي وصل اليه لبنان ليس من صنع فريق واحد. بل تتحمَّل مسؤوليته الطبقة السياسية مجتمعة. لذلك كان الشعار "كلن يعني كلن" ليحمِّل المسؤولية لهذه الطبقة السياسية كلها. السابقة والحالية.                                                  
ثانياً: لا شك بوجود شرفاء ولصوص في كل حزب سياسي شارك بالسلطة. ولا شك بوجود لصوص وشرفاء بين المستقلّين الذي شاركوا أيضاً. ولكن بقاء الشريف في السلطة الى جانب الفاسد، عرّض نفسه للشك بسلوكه. أضف الى ذلك أن بعض الشرفاء لم يقبلوا الاستمرار بالسلطة، وتلطيخ سجلّهم ففضلوا الاستقالة على امتيازات الوظيفة، أو أقيلوا ليخلو الجو لناهبي المال العام. من هنا فان الشعار لا يشملهم أبداً لأنهم ليسوا من المسؤولين عن وصول الوضع الى ما وصل اليه.                                                                                  
ثالثاً: السلطة ليست فقط الوزراء والنواب والرئاسات بل أيضاً كل الأجهزة الادارية والقضائية والأمنية والصحية والتعليمية وغيرها، من المدراء العامين الى أصغر موظِّف. وطبعاً هناك آلاف الشرفاء بينهم. ولا تريد الانتفاضة اسقاط هؤلاء كلهم والا دخلنا بالفوضى العراقية المزمنة.                                                                                             
رابعاً: لا تستطيع الانتفاضة، وليس بمقدورها، ولا من مهمّاتها، ولا من صلاحياتها، أن تفرز بين السارق والشريف من رجال السلطة. ولأنها لا تثق بهذه السلطة، خاصة أن معظم من تولّى الشأن العام منها تحومُ حوله قصصٌ كثيرة حول نهب المال العام والهدر واهمال المرافق العامة وتلويث البيئة وعقد الصفقات، خاصة بالتراضي، وتنفيذ مشاريع كارثية. لذلك يجب عليهم كلهم أن يتنحوا ويفسحوا المجال لحكومة تنال ثقة الناس أولاً، لتشرف على عملية الفرز هذه.                                                                                            
على ما ورد أعلاه، أين الظلم في هذا الشعار؟ ولماذا لا يُسرع الشريف، ان كان شريفاً فعلاً، ألى دعم هذا المطلب بالتحديد والتنحي عن السلطة، والعمل على تسليمها الى أيدٍ نظيفة، بعد أن يضع نفسه وحساباته، في الداخل والخارج، مع عائلته ومعاونيه، في تصرف هيئة قضائية مستقلة تنبثق من السلطة الجديدة؟ عندها اذا كان بريئاً سيعود الى ممارسة الشأن العام أقوى مما كان في السابق. ويساهم بتنقية الدولة ومؤسساتها. ويفرز بين الحرامي الذي يجب ان يعيد الأموال المنهوبة ويذهب الى السجن، والآدمي الذي يجب ان يعود الى موقعه، أقوى مما كان، بفضل عدالة غير مشكوك بقراراتها. لذلك فشعار كلن يعني كلن، أي كلهم يجب أن يخضعوا للمحاسبة، شعار عادل يوصل كل من مارس السلطة الى حقه. ولا يساوي أبداً بين المجرم والضحية.                                                                                  
أضف الى ذلك أن وزيراً نظيفاً، غير مرتهن لأحد، مع مدير عام نظيف،  قادر على تنظيف وزارته من الفاسدين ومن المسجّلين على دفاتر القبض دون أن يداوموا. وقادر على وضع جدول بقدرات وزارته واحتياجاتها، وعلى أماكن التضخم فيها. وأكثر من ذلك يضع خطة عمل مدروسة توافق عليها الوزارة ككل. عندها لا تبقى مشاريع الوزارة ارتجالية وخاضعة لرغبات هذا السياسي أو ذاك.                                                                      
أخيراً ان طبقة سياسية أوصلت لبنان وشعبه الى هذا المستوى المؤلم والكارثي، على امتداد ثلاثين سنة، ليست مؤهلة، رغم وجود بعض الأنقياء في صفوفها، لمكافحة الفساد. لم تفعلها خلال السنوات الثلاثين الماضية، ولن تفعلها الآن. وشعار كلن يعني كلن القادر، من خلال الاليات التي يقترحها، على إعطاء كل ذي حق حقه، هو أعدل الشعارات. وكلن يعني كلن.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق