كان من المفترض أن ينشر هذا المقال في 25 تشرين الثاني 2019، ولكن كثرة الرسائل التي تصلنا يومياً أخرته وللأسف الى اليوم:
تحتفل جوجل اليوم (العشرين من نوفمبر) بيوم الطفل العالمي، وبهذه المناسبة أقول كل سنة وشهر ويوم وأطفال العالم بخير ولكن:
هل حمت الأمم المتحدة الأطفال من الحروب والتنمر والأمية، وهل وفّرت لهم من خلال حكومات بلادهم بيئات عيش مناسبة؟ ماذا عن الأطفال المشردين حول العالم؟ وماذا عن الأطفال المتسربين من المدارس؟ وماذا عن الأطفال الذين يعانون من التفكك الأسري؟ وماذا عن الأطفال غير الشرعيين الذين يتخلى آباؤهم وأمهاتهم عنهم ليكونوا في حاويات النفايات أو على أبواب البيوت أو المساجد أو الكنائس؟ وماذا عن الأطفال الذين يتعرضون للاستغلال في السينما وفي الإعلانات وفي الأعمال الفنية عموما؟ وماذا عن الأطفال الذين يعانون من التحرش الجنسي من الكبار ذكورا وإناثا متحرشين ومتحرَش بهم؟ وماذا عن عمالة الأطفال؟
ماذا عن أطفال فلسطين الجرحى والمعتقلين لدى الاحتلال الذين قتلوا ويقتلون يوميا، ويتعرضون لإرهاب جيش الاحتلال في بيوتهم وحاراتهم ومدنهم وقراهم ومخيماتهم، ويعاملون معاملة غير لائقة في المعتقلات، وبأحكام عالية؟ وماذا فعلت لهم السلطة الفلسطينية بوصفها دولة تحت احتلال لقضيتهم تحديدا؟ وماذا عن الأطفال القتلى والجرحى واللاجئين بفعل حروب العبث في سوريا واليمن؟
قضايا كثيرة يعاني منها الأطفال، نستذكرها كل عام في يوم الطفل العالمي، ولكن يمر اليوم كأنه لم يكن، ويظل الأطفال يعانون مما يعانون منه من مشاكل، وهي في ازدياد مضطرد نتيجة تكاثر الحروب في المنطقة العربية المنكوبة بأنظمة قمعية مجرمة وأحزاب سياسية لا برامج تنموية لها، ومفكرين ومثقفين مشغولين بالتوافه من الأفكار وصنع العلاقات البائسة.
من لأطفال العالم لينقذهم من هذا المصير الأسود الذي ينتظرهم ويهدد وجودهم في مستقبل لا يبشر بخير؟ مستقبل مليء بالتشيؤ والعزلة، حيث يترك الأطفال نهبا لأجهزة الهواتف الخلوية الذكية، وما تبثه في وعيهم من أفكار وسلوكيات التي تشجعهم على العنف والتهوين من القيم العامة الإنسانية. فأين حقوقهم في العيش بأمان أولا مع متطلبات العيش الآمن من مأكل صحي ومشرب صحي ومسكن صحي وحمايتهم من الأمراض؟
أين حقوقهم في التعليم والمساواة في هذا الحق في توفير البيئة المدرسية الآمنة وتوفير مناهج تعليمية توفر للأطفال فرصة التطور العقلي وتراعي مواهبهم وتأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية على شتى تنوعها، وتربي فيهم الذوق السليم، والنفسية السويّة، وتراعي أيضا ذوي الاختياجات الخاصة للمعاقين الذين يحرمون في المدارس من حقوق إنسانية كثيرة؟ وأين العدالة في توفير معلمين أكفاء لكل الطلاب في المدارس، وعدم التمييز بين الأطفال في منحهم فرصا أفضل في جودة التعليم بناء على البيئة أو الحزب أو الطائفة أو المنطقة؟ وأين حقوق الأطفال في اللعب والترفيه، وتوفير الأندية الخاصة بهم، سواء في ذلك الألعاب العقلية أو الجسمية؟
أسئلة وراء أسئلة لن تنتهي والمسؤول عن ذلك ليس الحكومات فقط، بل الأم مسؤولة، والأب مسؤول، والمعلم مسؤول، وإمام المسجد مسؤول، والكاهن والقسيس مسؤولان، والبابا والكاردينال كذلك، فكلنا مسؤولون عن أطفالنا مسؤولية قانونية وأخلاقية ومجتمعية واجتماعية واقتصادية وتربوية وسياسية ودينية وثقافية، مسؤولية مباشرة وحقيقية حماية للمستقبل من أجيال مرتدة عن مسؤوليتها في التنمية المجتمعية والمدنية والعلمية. فالأطفال هم المستقبل، ومن يريد أن يوجّه المستقبل عليه أن يعمل على الأطفال ومعهم ولهم ليكونوا هم المستقبل المنشود، فإذا لم نخطّط للمستقبل القادم بالاهتمام بحاضر الأطفال، سيولد مستقبل مشوه بكل تأكيد، ولن يكون إلا أشد سوادا وقتامة مما هو عليه الحاضر الآن. فمن البيت الذي ولد فيه الطفل يولد المستقبل، فنحن من يصنع هذا المستقبل فلنعمل على أن يكون كما نحب ونرغب، ولنتذكر قول الشاعر:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلّياه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أمّا تخلّت أو أبا مشغولا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق