تأملات في واقع التحديات/ يونس عاشور

رياحُ عاتيةُ قادمة صوبَ المدينة الحالِمة بصخبِ الحياة، وعجيج يتجلّى صداه من جدرانها الخائرة لتسمعهُ آذان نائمة وتائهة وغارقة في عالم الأحلام والأطياف والخيالات..
قد لا تعي أهداف الحياة ومضامينها الرئيسة التي تكمن في الحس القيمي والمعنوي والتعبوي، واهية إزاء التحدّيات والتيارات العاصفة التي تأتي من كلّ حدبٍ وصوب وإذا بها في موقفٍ لا يُحسد عليه.
لقد اصطحبت تلكَ الرياح أتربة ورمال وغبار مُرْهِق وشاق على الأنفس ويتجلّى ذلك في كِبر حجم العاصفة التي كانت تُغطّي مساحات شاسعة من أبعاد ومسافات تلك المدينة بحيث لا يتسنّى للمرء درء المخاطر عنه بكل ما أُوتي من سُلطة. 
لم يكن في المدينة من هو أكفأ لكي يتصدّى لتلك العواصف والجوارف القوية لولا أنّ ثمّة فيلسوفاً كانَ يقطنُ على أطراف تلك المدينة مُتخذاً له كوخاً صغيراً يُمارس فيه شؤون حياته اليومية ببساطة وبدون تكلّف يُذكر حيث أنّ جُلّ أوقاته كانت في استغراقِ موضوعات "التأمل في واقع التحديّات" التي تتصل بشؤون الحياة ومن ثمة التوصل إلى مبان جديدة في تقويم وتثبيت روابط الفكر فيما يخص المدخلات والمخرجات أو في كيفية استنتاج التحولات والتطورات أو استخراج نظريات في التباينات والمتلازمات بنواحي الفكر ومشتقاته ومعطياته الإيديولوجية.
نعود الى واقعة الرياح التي تسبّبت في تخريب وتدمير مرافق المدينة لنستكمل ما قد بدأناه وأسلفناه في ديباجة هذه المقدمة.
كان أهل تلك المدينة لا يأبهون عمّا يمكن أنْ يحدثَ لهم من أضرار جسيمة تتسبب في شل حياتهم العامة أو إحداث اقتلاع لجذور النخيل والأشجار التي كانت تزوّق مداخل المدينة بتزويقات وتزيينات جمالية، وقد حدثَ ذلك بالفعل عند حدوث ومجيء الرياح العاتية والعواصف ذات الأتربة الحجرية العاصفة التي عصفت بمرافقهم وممتلكاتهم في المدينة التي كانت يوماً ما نابضةً بالحياة اليومية الرتيبة.
عندها فزع من فزع وطلبوا من بعضهم البعض النجدّة والوقوف جنباً الى جنب في إعمال التفكير للخروج من هذا المأزق الماهوي الذي ألمّ بهم فإذا بأحدهم يقترحُ عليهم بقصد ذلك الرجل الفيلسوف الذي كان يمكثُ في ذلك الكوخ ليتحدّثوا له بما آلت إليه الوضاع والتفتيش عن مخارج تمكنّهم من استخدام نفوذهم في درء مثل تلك الحوادث الطبيعية عنهم التي ربما قد تتسبب في المستقبل بأضرار جسيمة.
لقد وافقت شريحة من الناس بالذهاب إلى ذلك الفيلسوف رغم أنّ أطراف أخرى قد عارضت الذهاب إليه لأنها لم تكن مقتنعةً بأنّ ذلك الرجل سيُقدّم لهم شيئاً ما على صعيد واقع التحديات الحياتية. 
وبالفعل إتّجهت الشريحة الأولى من الجمهور قاصدةً ذلك الرجل من أجل الجلوس حوله وبسط الحديث معه عن ماهية حيثيات هذا الحدث والتفكير في معرفة الأسباب وراء حدوث مثل هذه الظواهر الخطيرة.
عندما وصلوا إليه وجدوه جالساً وماكثاً في تأملاته وقراءاته وتوجهاته النظرية، جملةً منها كانت حول موضوع " التأملات "
وهذا ما سيقودنا للحديث عنه في هذه العُجَالَةُ في طرح جملةً من المسائل الفلسفية التي تُعنى بهذا الشأن "موضوع التأملات" وإذا كان هذا المفهوم قد لا يحلو للبعض أن يُدرجه في سياقات فلسفية خاصّة فنحن بدورنا نؤثر أن يتضمّن هذا الموضوع مضامين ومباني فلسفية عامّة لأنّه على اتصال بالذات الإنسانية ففي إعمال التأمل ينطلق التفكير إلى التثبيت في النظر وهناك تنبثق البصيرة والرؤية الباطنية والظاهرية للإنسان ويتجلّى له إمكانات وإرهاصات وتقديرات في كيفية الإعادة والتدوير لمفهوم التغيير للتفكير الذي من شأنه أن يقود الإنسان إلى نتائج ونتاجات جديدة في أصول الماهيات والمعطيات على أساس الفحص والتدقيق أو البحث والتنسيق بين مركبّات الفكر وأدواته الناتجة عن محض التأمل في الموضوع الواعي نحو الهدف المقصود.
وبدون إعمال التأملات لا تنتج صياغات مفهومية مترابطة في القول والطرح أو التأويل الأصح المبني على تطلّعات الاستغراق الذاتي المتأني في إعمال النظر للشيء المراد بحث وفحصه ومن ثمة استكشاف مرئياته وحيثياته للوصول إلى نتائج تُحمد عقباها.
فالتأمل هو حالة أو وضعية سيكولوجية ترتبط باستقرار الذات نحو ترسيخ الأدوات والمفهومات في الوجدان الذاتي بحيث يتفاعل النظر بالفكر والمفهوم بالموضوع المراد التفكير فيه واستخلاص نتائج مرجوة تقوم على أساس العلاقة الخلاقّة في طي الملاحظات وانبثاق المعطيات أو في تقديم الرؤية وخلق النظرية الصحيحة الغير شائبة بشوائب الخطأ من هنا نحتاج إلى إعمال التأمل على شكلانية الخطوط العريضة التي تتّسم بروح الاطمئنان والاستقرار النظري والفكري الذي يساعد في تقويم وتكوين مفهوم التفاهم والمفاهمة أو خلق التعايش بين أبناء المجتمع الواحد على أساس المواطنة الصالحة التي تنتهي بنا إلى كسر الحواجز والفواصل الزمنية ومن ثمة الاندماج التكويني القائم على جماليات الحوار والتفاعل الإيجابي الذي من شأنه أن يفتح إمكانات جديدة من التفكير والتغيير أو التطوير والتحديث لمشاريع المجتمع المراد تنفيذها على أسس ومرتكزات الحداثة العصرية الحديثة.
وهذا هو واقع التحديات المعاصرة التي تحتاج منّا إلى تضافر الجهود نحو خلق تناغم وتوافق اجتماعي لحل كافة المشكلات الحياتية المعاصرة التي تتعلق بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها...الخ.
وبالطبع إن ذلك لا يتم إلا من خلالِ إعمال التأملات في موضوع التعاملات مع هذه التحديات التي نواجهها في حياتنا اليومية عبر التحفيز الدائم للإحساس الذاتي وتوجيهه نحو لبّ القضية المراد إيجاد حلاًّ لها.
مفهوم التأمل من وجهة نظر فلسفية هو تأمل روحي وإستغراقي وإبداعي كما أسلفناه وفي قضايا متفرقة للعمل على تحديد الاتجاه البوصلي الصحيح نحو تحليل الأهداف والعناصر الطبيعية للمسائل والتحديات التي يواجهها الإنسان في حياته من أجل الوصول إلى نتائج وغايات وحقائق علمية تمكّنه من معرفة المسائل والمشاكل على أساس التفكير المنهجي العلمي الصحيح المبني على الطمأنينة والسكينة ومن ثمة استشراف المستقبل وفق المعطيات والتحديات..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق