عرش الرّمل وقصص أخرى قصيرة جدّا/ حسن سالمي

سقـوط  
         يرتفع اللّغط ويختلط بكلمات ساخطة تسقط من أفواه المرضى.. المكان يفيض بطوابير طويلة.. وراء شبابيك الاستقبال ملائكة الرّحمة: زاهرات كاعبات، يتحلّقن حول زميلتهنّ ناظرين إلى شاشة هاتفها...
"ما أجمل فستانها."
"عندما يزول المكياج تعود قردة كما كانت"!
"تلك اللّيلة خرج العريس شبه عار، يصرخ: أيّها العالم، إنّ عروسي عاهرة!"
وتتعالى ضحكاتهنّ، بينما يرتفع أنين المرضى أمام الشّبابيك...

شقاق
أوّل يوم من رمضان: السّوق مكتظّة والبضائع على كثرتها تدخل الأكياس والقفاف في حركة متشنّجة لاهبة... 
امتدّت أيديهما معا إلى آخر ما تبقّى من مقدونس... في لمح البصر تسابّا وتشاتما وبزقا على وجهي بعضهما.. بعد دقيقة، اتّسعت دائرة النّار فوجّه القوم أفواههم إلى السّماء وبزقوا... 

قتّال الوقت    
     الظّلّ ينكمش ويتمدّد...
"قال لي، قلت له... قال لي، قلت له... قال لي، قلت له... قال لي، قلت له... قال لي، قلت له... قال لي، قلت له... قال لي، قلت له..."
فلمّا طار غراب رأسه: "يا ضيعة العمر في القيل والقال." 

عرش الرّمل
        كان يا مكان شعب يقطن الأرض الخضراء. صنعوا من سكاتهم دمية من قشّ، لسانها طويل وذراعاها معوجّتان. وما زالوا على سكاتهم حتّى كُسيت الدّمية لحما، وصار لها بدلة أنيقة وربطة عنق وشعر مستعار... 
نطقت الدّمية يوما وهي تدوس على رقبة الشّعب وفي يدها سوط: ابنوا لي عرشا...
     ذات صباح شتويّ، هبّت عاصفة قويّة لخبطت ذرّات العرش الرّملي.. عندما سكتت تفاجأ الناس بخنازير وقردة من رمل...

حين فقدنا البوصلة
         أينما التفتُّ، رأيتُ نارا تنبع من بين ضلوعنا ومن تحت جلودنا. تخرج علينا من ذاكرة لا تشرق فيها الشمس ...
فجأة دخل علينا دبّان: أبيض وأحمر...
     صار لنا رأسان في جسم واحد. كلّما فقأ أحدهما عينا لنا أو جدع أنفا، كبّر أحدهما وهلّل، غير مبال بآلام جسمنا الواحد...
    مرّ بنا شيخ محنّك. صرخ: "الدبّان هما العدوّان فاحذروهما". وظلّ يكرّرها، فكنّا نراه يحرّك شفتيه ولا يتكلّم... 

هناك تعليق واحد:

  1. عمو حسن متألق كالعادة . "حين فقدنا البوصلة" قرأتها وأعدتها مرارا ولم أفهم مغزاها يا رجل ... النجدة

    ردحذف