عودة "آل راجاباكسا" إلى السلطة في سريلانكا/ د. عبدالله المدني

أسفرت الإنتخابات الرئاسية التي أجريت مؤخرا في سريلانكا عن فوز وزير الدفاع الأسبق العقيد "غوتابايا راجاباكسا" برئاسة البلاد خلفا لـ"متريبالا سريسينا" حيث حصد 52% من أصوات المقترعين مقابل 42% لمنافسه الرئيسي "ساجيت بريماسادا" مرشح حزب الوحدة الوطني المدعوم من المسلمين والتاميل وأسرة زعيم الإستقلال باندرانيكا.

إستفاد الرئيس المنتخب كثيرا من سجله العسكري لجهة القضاء في مايو 2009 بشكل حاسم على حركة نمور التاميل الإنفصالية التي حاربت الجيش النظامي لنحو 26 عاما وتسببت في موت مئات الآلاف من العسكريين والمدنيين، وتعطيل التنمية في البلاد. كما ساعده بالفوز عامل آخر هو عزفه على الجرح الكبير الذي أصاب البلاد في عيد الفصح الماضي حينما ارتكبت "جماعة التوحيد" الإسلامية المتطرفة مجزرة دموية غبية باستهدافها الكنائس والمعابد البوذية والفنادق الفاخرة والمجمعات التجارية في العاصمة كولومبو وعدد من المدن الأخرى، وهو ما تسبب في مقتل نحو 250 شخصا بريئا، وأشاعة أجواء من الخوف في سائر البلاد، إضافة إلى تبادل الاتهامات بوجود تقصير في اتخاذ إجراءات وقائية من قبل الأجهزة الأمنية، بل وتجاهل الأخيرة معلومات إستخباراتية زودتها بها نظيرتها الهندية.

وهكذا جرت حملته الإنتخابية على وقع ظاهرة الاسلاموفيا، التي لم تكن حتى وقت قريب منتشرة بقوة في سريلانكا، لكن سرعان ما وجدت لها مكانا في أوساط الاغلبية السنهالية البوذية. وتصدر موضوع الأمن والسلامة الوطنية ــ ولا شيء غيرهما ــ أجندة راجاباسكا الانتخابية، فنجح في دغدغة عواطف الناخبين الذين شعروا أن بلادهم بحاجة ماسة في هذا المنعطف إلى زعيم قوي يرسخ حالة الأمن والاستقرار، متجاهلين بذلك تحذيرات حول إحتمال أن يكون الرئيس الجديد نسخة من أخيه الأكبر الرئيس الأسبق "ماهيندا رجاباكسا" المعروف بفساده ونزعته الديكتاتورية.

يعيد "غوتابايا راجاباسكا" بهذا الفوز، عائلته إلى السلطة في كولومبو، وهو مسلح بخبرة عسكرية وسياسية أيضا كونه عمل كوزير للدفاع ما بين عامي 2005 و2015  في ظل أخيه الأكبر "ماهيندا راجاباسكا"، الذي ترأس البلاد على فترتين متصلتين من عام 2005 إلى 2015، وكان قبل ذلك رئيسا للوزراء ووزيرا للمالية في عدة حكومات، علما بأن الرئيس المتهية ولايته "ميتريبالا سريسينا" كان قد اختار سلفه "ماهيندا راجاباكسا" رئيسا للحكومة في عام 2018 خلفا  لـ"أنيل ويكريماسينغا" رغم إمتلاك الأخير لغالبية المقاعد البرلمانية، الأمر الذي فجر أزمة سياسية ودستورية إستمرت حتى تدخل المحكمة الدستورية العليا التي قضت بعودة رئيس الوزراء المقال وطرد راجباكسا من رئاسة الحكومة. 

وطبقا لمصادر مقربة منه، سوف يستثمر الرئيس الجديد خبراته هذه في الحيلولة دون عودة بلاده إلى أوضاع عدم الاستقرار السابقة للمضي قدما في خطط التنمية الاقتصادية، لا سيما وأن سريلانكا تزخر بمصادر طبيعية وموقع استراتيجي جاذب للإستثمارات الأجنبية ناهيك عن أنها بلاد سياحية جميلة نجحت بسهولة في استعادة وجهها السياحي قبل أن تدمره تفجيرات وحماقات جماعة التوحيد المتشددة العام الماضي. وفي أول قرار له بعد أدائه اليمين الدستورية في 18 نوفمبر عين أخاه الأكبر ماهيندا كرئيس للحكومة كي يضع حدا للتنافس بين رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الذي ظلل الفترة الأخيرة من حكم سلفه سريسينا.

لكن يبقى السؤال الأهم وهو "هل الطريق ممهد أمام الرئيس الجديد لإدارة سريلانكا كما يرغب؟".

أولى المشاكل التي سيواجهها تكمن في أنه ملاحق من قبل الدوائر والمنظمات الحقوقية الغربية بتهم الاساءة والتعسف في معاملة ميليشيات نمور التاميل والمناصرين لهم وقت إجتياح قواته لمعسكراتهم ومخيماتهم سنة 2009 ، حيث قيل أنه لم يرأف بهم ولم يلتزم بالقواعد الدولية المعروفة في معاملة الاسراء. وبكلام آخر على الرئيس الجديد أن يؤكد ويفعل إلتزام بلاده بالقرارات الأممية الداعية لإجراء مصالحة وطنية شاملة من خلال تقديم الضباط والجنود المتورطين في إنتهاكات حقوق الإنسان للعدالة. وبالمثل عليه أن يقنع كافة أطياف شعبه أنه ضد المحسوبية والفساد والإقصاء وتكميم الأفواه وهي صفات إلتصقت بعهد أخيه. 

إلى ذلك ربما احتاج إلى مهارات دبلوماسية خارقة لتبديد مخاوف جارة بلاده الكبرى القوية (الهند) حيال العلاقات التي نمت بصورة مضطردة بين كولومبو وبكين في عهد أخيه. وبمعنى آخر عليه أن يقنع الهنود أنه مختلف عن أخيه ولن يمضي في سياسات تقلق نيودلهي، ولاسيما لجهة تقديم تسهيلات عسكرية وبحرية للقوات والسفن الصينية في الموانيء السريلانكية مقابل قروض وهبات ومساعدات إقتصادية. 

وتتشابه مخاوف نيودلهي مع مخاوف واشنطون. فالأخيرة وقعت بالأحرف الأولى عددا من الصفقات الاستراتيجية (مثل اتفاقية الإستحواذ والخدمات الشاملة) مع كولومبو لكنها بقيت معلقة منذ قرار الرئيس السابق/ رئيس الحكومة الحالي تقوية علاقات بلاده مع الصين على حساب الدول الأخرى. ربما يستغل الامريكيون هنا حقيقة أن الرجل كان صديقا لبلادهم ــ بدليل حصوله على الجنسية الامريكية قبل أن يتنازل عنها مؤخرا كي يخوض الانتخابات الرئاسية ــ كي يقنعوه بإحداث تغيير في سياسة سريلانكا الخارجية.

د. عبدالله المدني
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: نوفمبر 2019 
البريد الالكتروني: Elmadani@batelco.com.bh

عبارة الهامش:
هل الطريق ممهد أمام الرئيس الجديد لإدارة سريلانكا كما يرغب؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق