بعد المئة يوم الاولى على انطلاق الانتفاضة - الثورة في لبنان يجب على كل الحريصين التوقف وطرح السؤال الى أين؟ وكيف نحافظ على الانجازات ونطورها؟ خاصة ان المتربصين بها كثر، والمتسلقين على أكتافها أكثر من أن يُعدّوا، والذين يحاولون تطويعها واحتواءها والقضاء عليها لهم من الفساد والسلطة والشراسة والدهاء الباع الطويل.
الصراع مع هذه السلطة طويل ومتشعب. ومخطىء من يظن أنها ستتخلى عن مكاسبها لأن أكثر من نصف الشعب اللبناني نزل الى الشوارع والساحات وجاهر برفضها. ومخطىء من يظن أيضاً أن بالتظاهرات وحدها نحقق المطالب مهما كانت محقة وبديهية. الاحتجاجات، بكل أشكالها، كانت ولا زالت ضرورية للتعبير عن رفض الشارع وغضبه. ولكن اذا لم تقترن بخطة نضالية واضحة وبرنامج عمل واقعي قابل للتحقيق فستخسر شعبيتها بالتدريج، وتخسر انجازاتها، وستعود هذه الطبقة السياسية للتحكم برقاب اللبنانيين بشكل أشرس من السابق. وممارسة العنف هي أقصر الطرق للخسارة. فالأنظمة القمعية تجر شعوبها وتستدرجها الى ملعبها. فلغة القمع لغتها وهي الأقدر في هذا المجال. أمامنا ساحات عربية عديدة للمقارنة. ولكن لماذا نذهب بعيدا؟ فلنتذكر ما جرى في لبنان في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. حركات مطلبية على امتداد الوطن. نهوض وطني عارم. قوى التغيير لها الكفة الراجحة. نظام طائفي متآكل. واندلعت الحرب الأهلية. بانتهائها تشرذمت قوى التغيير. ترسَّخت الطائفية أكثر من السابق وتحكَّم امراؤها بكل مفاصل الدولة. فالعنف ملعبهم ويجب أن لا تنجر الانتفاضة اليه.
لذلك سألخِّص ما أصبح متداولاً بين الكثيرين من الناشطين وأقول ان المطلوب هوالتالي:
برنامج عمل واضح وصريح ومباشر أول بنوده الالتزام بسلمية التحركات ويتدرَّج من استقلالية القضاء لنتمكن من المحاسبة، الى قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، الى معالجة كل الأزمات التي "أنجزنها" هذه الطبقة السياسية الفاسدة على امتداد الثلاثين سنة الماضية.
ومن أولى مهمات الانتفاضة لتحقيق برنامجها، الذي ليس من الضرورة أن يكون بالتسلسل الذي أقترحه، هو تشكيل قيادة موحدة لها. وهنا اقترح الشكل التالي: أن تتمثل كل ساحات الحراك بعدد يتناسب وحجمها ليصبح العدد الاجمالي 128 ممثلاً نعتبرهم مجلس نوّاب الثورة. فبعد ان فقد مجلس النواب دوره الطبيعي كرقيب ومحاسب للسلطة التنفيذية على امتداد العقود الثلاثة الماضية، أصبح من الضروري والملح أن يقوم الشعب بهذا الدور مباشرة. ينتخب المجلس رئيساً له ويكلّف شخصية من خارجه، وليس بالضرورة احترام المحاصصات الطائفية هنا، لتشكيل وزارة ظل من خارجه. عشرون وزارة تحمل الحقائب نفسها كما في حكومة دياب. كل وزير ظل، بمعاونة ناشطين من الحراك، يطرح خطة عمل وزارته. خطط العمل مجتمعة تشكل البرنامج المتكامل والبديل لأهل السلطة مما يساعد المواطن العادي على الفرز بين نهجين وطريقتين مختلفتين في ادارة الدولة.
لو تمَّ ذلك ماذا سنحقق؟
اولاً قيادة موحّدة وذات تمثيل واسع للانتفاضة ينحصر فيها القرار ويمنع المتسلقين والمصطادين بالماء العكر. فلا تضيع الطاسة. تدرس وتقرر وتعمم: اليوم وقفة احتجاجية أمام شركة كذا. أو غدا اضراب عام. أو اقفال طرقات. أو محاصرة هذا الوزير في وزارته لقراراته المجحفة بحق الوطن والمواطن. أو محاصرة وزارة الداخلية لأنها لم تقم بدورها بحماية المتظاهرين السلميين. او التجمع اليوم فقط في ساحة النجمة لمحاصرة مجلس النواب أو الدعوة الى نشاط معيَّن أو اصدار بيان أو...
ثانياً: تظهر أمام الرأي العام اللبناني والأجنبي أنها بالفعل سلطة بديلة باستطاعتها ادارة البلد. وانها تعمل بجد وهي محط ثقة للدور الذي تقوم به.
ثالثاً: تعلن مطالبها عند كل استحقاق ولا تنتظر السلطة لأخذ المبادرة ثم ترفض كرد فعل سلبي على القرار. كما حصل من انتظار لتكليف وتأليف الحكومة. مثلاً: وزارة كذا ستقوم بمشروع معيَّن. تمنع التلزيم بالتراضي وتصر على مناقصة علنية واضحة وشفافة. أو تعيين قضاة في المجلس الدستوري مثلاً. ترفض المحاصصة سلفاً وتصر على آلية لا تعتمد الا الكفاءة والخبرة والمؤهلات ونظافة الكف...
رابعاً تؤسس فعلياً لسلطة بديلة مسؤولة. وتكون جاهزة في حال انتخابات مبكرة، او انتخابات عادية في موعدها بعد سنتين او انتخابات بلدية او نقابية. تخوضها على امتداد الساحة اللبنانية بلوائح موحدة تجعل صوتها مسموعاً وبوضوح عند كل استحقاق.
خامساً: يتوحَّد الحراك الخارجي في المغتربات حولها وتتشكل لجان دعم ومساندة في كل بلدان الاغتراب لتكون صوتها في الخارج، ولتمارس الضغط على حكومات بلدان المغتربين لمحاصرة السلطة الفاسدة من جهة ولدعم سلطة الانتفاضة من جهة اخرى ولتمدّها بالمساعدات. وقبل كل شيء تنظيم الدعم المالي للانتفاضة من قبل المغتربين. فالمغترب، بعد ان عاش في بلدان تحترم مواطنيها، يعرف جيّدا مقدار المعاناة الذي يعيش المقيم في ظلّه، ولن يرضى ان يجوع أهله في لبنان.
يمكنني الاسترسال في تفاصيل لا لزوم لها لأن الثائرين في لبنان، عند الاقتناع بضرورة الوحدة، قادرون أكثر من أي شخص آخر على صياغة البرنامج البديل وآليات تنفيذه. فتضحيات مئات الألوف من اللبنانيين على امتداد أكثر من مئة يوم يجب أن تدفعنا لتنظيمها لتصب في المكان الصحيح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق