القدرة السلبية . من جون كيتس إلى مالك حداد/ إلهام بورابة

تطبيق نفسي للكشف عن السرقات الأدبية في النصوص.

 "الحياة ظاهرة أدبية" مالك حداد.

وأفسّر هذا القول بالرغبة في تقمص أدوار الحياة المختلفة داخل الأدب. لتحقّق الأمان فيه.

ومن هنا أدخل في موضوعي الحقيقي وهو" الدغر الأنيق/ السرقات الأدبية".

الدغر kleptomanie هو هوس السرقة. نزعة نفسية غير سويّة أغلب حالاتها إناث. وهو أيضا الميل لتحصيل اللذة بالسطو خلسة على أغراض الآخرين.

السؤال: كيف يمكن إسقاط هذه الظاهرة النفسية عن ظهر الحياة ليتحمّلها الأدب؟ لمناقشة هذا اقترح تطبيقا نفسيا  أسميه " القدرة السلبية" وهو تطبيق مبتكر.

القدرة السلبية هو الوصف الذي منحه أوّل مرة الشاعر جون كيتس، حيث استخدمه لتحويل التجارب إلى معرفة. ثم صار المفهوم مصدر ممارسات التحليل النفسي لتفسير حالات الشخص عندما يكون في وضع عدم اليقين والشكوك والألغاز.

وأخيرا في عام 2011 طوّرته عميدة كلية سانت ماري في ماريلاند بالو.م أ ليصبح يتعلق بالإنجاز داخل الأدب. لنخلص للقول الأول لمالك حداد" الحياة ظاهرة أدبية".

ولهذا ، سأتخذ بعض نصوص مالك حداد منهجا استدلاليا لوصف ظاهرة الدغر والكشف عنها في النصوص الأدبية.

أهم شيء في التحليل النفسي هو التشخيص / الأعراض. لكن لتشخيص أفضل يجب ذكر الأسباب.

من المؤسف أن علم النفس لم يقف بعد على الأسباب الحقيقية للدغر، على الرغم من أن السبب الحقيقي هو الفطام المبكر أو عدم الإشباع من الرضاعة. لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : لا تغذّين أولادكن بالدغر، لكن اروينهم لئلّا يدغروا في كل ساعة ويستجيعوا.

وقال أيضا: لا تغذين الصبي بالدغر لئلا يدغر فيعترض كل من لقى فيأكل ويمص ويلقى على الشاه فيرضعها.

قال ابو سعيد: الدغر في الفصيل ألا ترويه أمه فيدغر في ضرع غيرها

الفصيل ، الفطيم

إذن سبب الدغر هو الفطام وعدم الإشباع .

وقد يتطور عدم الاشباع من الرضاعة إلى أي عدم إشباع آخر عاطفي في أي مرحلة من مراحل النمو النفسي للفرد. كأن الدغر هو رد اعتبار أو تعويض عن حرمان وتظل مرحلة الرضاعة هي الأهم. ومن هذه الصفة  جاء الدغر ليعني السرقة خلسة لنزعة الدغرى ( وهو اسم فاعل الدغر) إلى أخذ حاجة من هنا وأخرى من هناك ، ومن أي موضع كان.

باستقراء بسيط  مما سبق يمكن تحديد أيضا فقدان الأم أو اليتم سببا للدغر. ونؤكده بقول مالك حداد الذي وضحت أخذي به منهجا استدلاليا:

موسيقي خانته موسقاه لحظة نغم

أستمع إلى أغنية لم أكتبها

سرقت الأغنية

أتحدث بكلمات تنبع من أفواه غيري

يتيم القبلات أنا.

*

فلنتأمل.  الموسيقى كما أنها الرضاعة، الخيانة بمعنى الفطلم . فحرمان رضيع من الثدي هو خيانة. ثم يستمع لأغنية لم يكتبها ، والمعنى وجود حاجته في موضع آخر. سرقت الأغنية. أخذت حاجتي. حاجة أخذها من أفواه غيره. الرضاعة تتم عبر الفم.

الأم عند مالك حداد / بلده وأمه حقيقة معا.

يتيم القبلات أنا. سبب السرقة هو اليتم.

من هنا يتضح أن الدغر يتبدّى أكثر في الأدب. فكيف تتبدّى لنا شخصية الدغرى في الحياة وفي الأدب معا؟

سمات الدغرى سواء في الحياة أو في الأدب متشابهة .

يبدأ الدغر في مراحل مبكرة ، وان استمر فإنه إشارة لمشاعر وجدانية عميقة مريرة. ولهذا فإن الدغرى بحاجة دائما للأمان. ومن حظ الدغرى المبدع أنه يمكنه داخل الأدب تحقيق الأمن النفسي والاجتماعي معا ، كون الدغر الأدبي لا يؤثر على السمعة الاجتماعية مثلما هو الدغر في الحياة .

من أهم سمات الدغر أنه يحصل في الأماكن العامة . ويعترض الدغرى الأحباب والمعارف والأصدقاء.

في الأدب، تلجأ الدغرى للأعمال المعروفة والمشهورة. وأعمال الأصدقاء الكتّاب . يقول مالك حداد:

كل قصيدة لي كتبها آخر،

أطفالي، والدتي، ابنتي،

على ورق مدرستي، عبر محبرة التلاميذ

أعزف أغنيتي من شارع العرب

كل قصيدة لي، كتبها آخر.

***

و يلح السؤال ، لماذا الدغر من القريب المعروف؟

إنه دافع الحب. ببساطة. وبحقيقة مطلقة.

الدغرى يلاحقها الشك دائما. وينعكس ذلك في موضوع الكتابة . يقول شكسبير الذي يربطه الشاعر جون جيكس بالقدرة السلبية : "يلاحق الشك دائما العقول المذنبة". ودليلنا من منهج هذه القراءة ، مالك حداد ، يقول: "إنّ الشاعر الذي يخطو أول خطواته في الشعر لا يحظى من الناس بما يستحق من التقدير. وأسباب اضطرابه النفسي ترجع إلى شك في مواهبه".

(لاحظوا كيف يؤكد مالك حداد على أول الخطوات، فهذا يؤول بنا إلى أن الدغر يظهر في أوّل العمر. بعد الفطام مباشرة.)

الدغر في مراحل عمرية متقدمة خاصة في مرحلة البلوغ يعبّر عن إثارة جنسية، البحث عن اللذة والنشوة. لهذا معظم الكتاب الدغريين يكونون في لحظات البحث عن هذه اللذة.

شخصية الدغرى عموما فاتنة. مثيرة للإعجاب ومحبوبة. محبة للخير . مثلها المشهور في قصص الأدب  للكاتب موريس لوبلون ،Maurice Leblanc اللص الظريف من سلسلة Arssènne Lupin أرسان لوبين.

في الإبداع، الدغرى لها شعور دائم بنضوب الإلهام فتستمد طاقتها من إبداعات أخرى . يقول مالك حداد: موسيقي خانته موسيقاه لحظة النغم ، أستمع لأغنية لم أكتبها، سرقت الأغنية. هنا السرقة تكون حين يخون الإلهام المبدع.

الدغرى في الحياة كما في حالاتها الإبداعية ، لها رغبة ملّحة في التأثير ، دائمة القلق، مغترة بذاتها ونرجسية خاصة. نستدل دائما بمالك حداد. يقول :

احذروا سارقا، كلمّا همّ بكتابة قصيدة ، جال في التاريخ

صنع الجمال بكلمات

وزها بنفسه وهو ينظر إلى المرآة.

ولأجل هذه النرجسية تسرق الدغرى  اعتقادا منها أنها تضيف جمالية  لما حولها أو لأن الشيء المسروق يكون أجمل إن صار بحوزتها. يقول مالك حداد في عبارات مختلفة من نصوصه ما نستدل به مثل عبارات:

بعضهم يستولي على فكرة أكثر جمالية وسموّا من صورة جانبية مائلة لبلبل.

الذين يصطادون الأسماك الناعمة إلا ليقدّموا لها مياها أعذب

حين أقول صيدا ، فإني أقصد تحرير الأروية، ومنها قداسة الغزلان.

حتى لو كانت النرجسية سمة لشخصية الدغرى فهي أقرب منها إلى التبرير النفسي للدغر وأكثر منه تبرير اجتماعي وثقافي.

شخصية الدغرى ، كونها تتميّز بقلق مفرط يشبه قلق الإبداع، فهذا يمكّننا بسهولة من رصد الدغر في الإبداع. إذ يمكننا كشف جمل مسروقة  أو أفكار فقط من مجرّد الزج بها في نص. جمل لم يكن لها داع إلا الظن بأنه يمكنها إضافة جمال ما. أو لأنها لكاتب معروف أو محبوب لديها ( لدى الدغرى) . سنقدّم لاحقا خصائص الجمل المسروقة.

سمة أخرى للدغرى، المخاطرة. يقول مالك حداد ، وإن كان الخطاب للشاعر فإنه لمجمل الدغر في الإبداع:

بعضهم يستولي على قمة افرست

وبعضهم يستولي على أقحوانة

 أنت يا صديقي الشاعر فليس أمامك إلا المجازفة البطولية تستولي عليها.

ثمّ ، ما الذي يجازف لأجله الدغرى؟

في تعريف الدغر جاء أنه يكون لأجل أشياء بلا قيمة مادية . قد يخاطر الدغر لأجل أقحوانة كما قال مالك حداد أما السارق فلأجل قيمة كبيرة وفخمة رمز لها بقمة افرست. لشيء بسيط جدا يزهد فيه الناس يخاطر الدغرى. وهذه الصفة ترفع عن الدغرى شبهة الإجرام.

لم يحن بعد  الحديث عن حكم الدغر. لهذا سنتحدث عن نوبة الدغر. كيف يحدث؟

نقول نوبة الدغر لأن الدغر يتكرر.

يقول مالك حداد:

لشدة تكرار نفسي ، سوف أنتهي بأن أعثر من جديد على نغم رأيته من قبل.

هذا التكرار مرده إلى عدم بلوغ النشوة المرتجاة.

ويقول أيضا: هذا الزمن المجرم يعود إلى موقع الجريمة* يلقم من الكلمات التي كنت قد تلفّظت بها.

عند كل نوبة دغر يحدث قلق وتعرّق. إذ يتحوّل القلق الطاغي إلى طاقة سائلة / عرق.

ثمّ يكون إحساس بالخوف لأن الدغرى تريد التحكم في هذه النزعة ولا تستطيع. ثم يحدث فعل الدغر وترافقه لذّة الامتلاك. لكن هذا الإشباع  يفتر سريعا إذ يُدرك أن الفعل غير أخلاقي. هنا كي تتخلّص الدغرى من تأنيب الضمير والندم يتم التحويل الأخلاقي على الجسد . مثل تنميل في الكف، ترميش العين بصفة متتابعة ، أو الاصطدام والتعثر بأي شيء.

بالتأكيد سوف نسأل هل من إمكانية للشفاء؟ لكن سنؤجل هذا إلى مابعد الحديث عن خطر الدغر حتى تقوى الرغبة في الشفاء. فعادة الدغرى تظل دائما حبيسة نزعتها مالم تحقق النشوة المنشودة .

أهم خطر قد يواجه الدغرى هو كشفها. لكن يبقى  احتمال أن تصير لصا محترفا هو الخطر الأعظم. خاصة وأن الدغرى لها اعتقاد تام بأنها ليست الوحيدة التي تسرق في العالم. فكل الناس لصوص.

على كل ، ليس للدغر خطر على المجتمع لكون السرقات بلا قيمة مادية في الغالب. لكن خطره البليغ هو ما يحل في النفس . أذاه يكون في الجانب الانفعالي . الدغر يقهر صاحبه  ويسبب له ألما عاطفيا كبيرا. وإن كان أغلب مخاطره النفسية يتم تحويلها على الجسد فيكون الألم العاطفي ألما عميقا في الحلق.  إن كان الدغر مكتسب في مرحلة الطفولة. أما إن ظهر في مرحلة البلوغ فتصعب مقاومته إذ يكون التحويل إلى عادات جنسية مشينة تسبب الخجل الاجتماعي. فهل بعد هذا رفض دعوة للعلاج؟

مازال تأجيل وصفة الشفاء. حتى التعرف على الدغر في النص الأدبي. لتسارع الدواغر في العلاج لدواعي أمنية وقصد تحذيرها من  خطر اكتشافها.

أهم كاشف للدغر هو التكرار. وقد يظهر باللفظ كأن يقول الدغرى صراحة : أكرّر

مثل قول مالك حداد : سأكرّر،

هكذا أنتم أيها الشعراء الصيادون

الذين لا يصطادون الأسماك إلا ليقدموا لها مياها أعذب.

لاحظوا أن مالك يستخدم كلمة صيد  وكلمة أسماك حين يريد الإشارة للسرقة

ويقول أيضا:

لشدة تكرار نفسي سوف أنتهي بأن أعثر من جديد على نغم رأيته من قبل

وقوله: هذا الزمن المجرم يعود إلى موقع الجريمة

التكرار قد يظهر في تكرار الفكرة أو الجملة المسروقة في النص الواحد أو الفقرة الواحدة. وسنعطي فيما بعد أمثلة من نصوص ظهرت فيها سرقة أدبية.

كثرة استخدام الدغرى في نصوصها المسروقة كلمة أسماك. وهو استخدام لاشعوري لتسلّط نزعة السرقة على الذات الدغرى. لأن الأسماك تصطاد والصيد كما الدغر في التوظيف الكلامي العام.

الأسماك ، التكرار ، مع توافق قرينة ثالثة ، قطعا نكون أمام حالة دغر.

قد تكون القرينة الثالثة الخوف أو الشك، أو مشاعر الحب والرغبة  هذا فقط لنستدل على أن السرقة قهرية  خاصة إذا كانت تنقل جملة بحروفها الأصلية  وبلا حكمة .

اختيار عيّنة لأجل تقريب هذه الدراسة من الحقيقة ليس بالإمكان . لكن أقدّم حالة. وفي علم النفس العلاجي قائم العمل بدراسة الحالة إيمانا باختلاف شروط وجود ظاهرة نفسية لدى الأشخاص بنفس النمط. لكنني لا أخرج عن منهجي الاستدلالي ، وهو مالك حداد.

الحالة مقصودة لدراستها. وهي من النمامشة سأكتفي بالرمز لاسمها ب " ص".

لماذا النمامشة؟

لأن مالك قدّمها . والسبب الحب. وقد ذكرنا أن دافع الحب هو أهم الدوافع حضورا في نزعة الدغر.

يقول مالك حداد:

احذروا سارقا كلما انتظرت القافية بيتا شعريا منضبطا

كي تعرف الحب ، تعرّف على جبل النمامشة.

احذروا سارقا ، كلما هم بكتابة قصيدة جال في التاريخ

صنع الجمال بكلمات

وزها بنفسه وهو ينظر إلى المرآة.

بغض النظر عن المعنى التاريخي للنص، فنحن أمام حالة دغر. حالة من النمامشة ، دافعها للدغر هو حب من تدغره.

وهذا النوع من الحب ظهر في نص لها يحمل عنوان " عن شيء اسمه الحب" . وموضوع النص السرقة. سرقة ذات كاملها. وليس فقط العنوان الذي هو عنوان مجموعة نصوص للكاتب  أدهم الشرقاوي. تقول في هذا النص: لم أرغب لحظتها في شيء أكثر من أكون " صوفي". وتقمّصت شخصية صوفي. حتى أنها استحوذت على كاميرا تخص صوفي. وتبرر بقولها: هذه أحب مقتنيات صوفي إلى قلبها . ستكون سعيدة لو أنها تصبح ملكي.

هذا التبرير النفسي تأكيد على نرجسية الدغرى حتى في الكتابة.

في نص عنوانه الخوف، تتحدث عن سرقة المال. ليظهر أخيرا في جيب طفل يهتف: سمكة أفريل.

حضور الخوف وكلمة سمك والسرقة ، ثلاث قرائن تؤكد أن في النص سرقة فعلية . قد تكون الفكرة

في نص عنوانه بياض مشتهى فيه استحضار لنساء مؤلفة حليب أسود إليف شافاق. تناص حدّ التلاص. لتظهر سرقة موصوفة في نص آخر من كتاب إيفالونا لإيزابيل الليندي. جملة مسروقة بالحرف والمعنى وفي النص ذاته تكررت السرقة من نفس النص الأصلي .

نص آخر ظهر فيه تكرار الجملة ذاتها بحرفها ومعناها ، حتى لو أن النص الأصلي غير معلوم فإن الجملة مسروقة لقرينة التكرار في النص الواحد . وفي نص تاريخي. وحضور مشاعر الرغبة والحب في النص.

قد يبدو لكم هذا الحكم افتراء لكن توافرقرائن ثلاث يؤكد السرقة دون الحاجة لتوفر المصدر المأخوذ منه. فمن الصعوبة بمكان أن نكون قد قرأنا عديد المؤلفات لنكشف جملة مسروقة. لهذا وضعت هذا التطبيق النفسي للمساهمة في كشف سرقة محتملة.

مازالت نصوص عديدة للحالة (ص) تشي بحدوث دغر، لكن لحسن حظها هي نصوص تشير أيضا لمرحلة الرغبة  في الشفاء.

الرغبة في الشفاء نحدّدها وفق منهجنا الاستدلالي / نصوص مالك حداد.

يقول مالك حداد:

اليوم عثرت بمعجمي على كلمات أسنت دون أن ترى النهار

هي نفسها فيلق الشرف

وبسالتي الوحيدة.

***

الشفاء هو الإقرار بالملكة الخاصة ، والاستغناء عن حاجات الغير.

في معجمه وجد لديه الكثير مما لم يقله . أهمله بدافع الرغبة فيما لدى الغير. فالذي عنده إبداع جميل أيضا ويستحق أن يظهر. وهو كلماته التي يتشرف بها.

وهكذا الحالة (ص) التي اخترناها على منهجه.

تقول في نصها الشاهد على سرقة  وفي الوقت نفسه دليل الرغبة في الشفاء:

"عذرا تشيخوف، تعلم أني لن أسمح لحبوبة بالبقاء منتظرة من يمدها بالأفكارلصنع حياة تعيشها. عليها أن تبتكر هي نفسها شيئا ما."

إنها النية في الشفاء . ويكاد الشفاء يتحقق من تلقاء نفسه بتوافر قرائن أهمها الاعتراف. فالمريض النفسي لا يعترف بالمرض إلى إذا بلغ الشفاء.

والحالة (ص) قد بلغت الشفاء بالتصريح قائلة : للأمانة ، لم أرغب لحظتها في شيء أكثر من أكون صوفي.

إن إظهار التأسف والاعتذار والتقدير للشخص المسروق منه طريق نحو العلاج.

وهناك العلاج الذاتي اللاشعوري وهو الذي يتم فيه التحويل إلى مجالات مقبولة تم الاصطلاح عليها " التناص".

ها نحن قد تابعنا حالة الدغر منذ نشأتها حتى العلاج.  

قطعا ، المعلومات هنا ليست كافية مع أنه يوجد مالانهاية للمعلومات عن أي شيء ، لكنه لم يكن بوسعنا حتى هذا الوقت إلا حصر ما قدّمناه. ويبقى الآن الحكم . هل الدغر جريمة أم مرض ؟ ولمن الحكم؟

من حيث رؤيتي الخاصة ومن تخصصي  النفسي أقطع أن الدغر حالة مرضية. والمرض يُسقط أي حكم كان بالإجرام. وحتى الطبيب النفساني لا يمكنه أبدا إلزام الدغرى بالعلاج . رغم أنه ينصح به. وقد يدعم رأي الدين هذا . إذ لا حد ولا قصاص في الدغر . فقد كان الإمام علي لا يقطع. وجاء عنه: لا قطع على مختلس بالغة ما بلغت قيمة خلسته. وحدّث ابن المثنى قال: أتى علي برجل استلب ثوب رجل فقال إني كنت أعرفه ، فخلّى عنه.

لكن ينصح بالتأديب والتعزير . والتعزير يترك الاجتهاد فيه لأهل الذكر والاختصاص لذلك منذ البداية كان منهاجنا يعتمد على واحد من أهل الاختصاص الأدبي وهو الكاتب والشاعر مالك حداد. يقول مالك منصفا ومبرئا للدغرى وفي معجم كاتبنا الدغرى يعني الصيد والصياد:

سأكرر ،

هكذا أنتم أيها الشعراء الصيّادون

الذين لا يصطادون الأسماك الناعمة إلا ليقدّموا لها مياها أعذب

" لكم وحدكم الحق في الكلام".

إذن الدغر يراه الكاتب الحَكَم، حقا بما يضيفه للشيء المسلوب من قيم فنية وجمالية.

بل يؤكّد على أن حكمه هو العدل ، وقيمة ما يضيفه الدغرى يبلغ مرتبة القداسة. فيقول :

أنت يا صديقي الشاعر،

لا يمكنك أن تستولي على أكثر من مغامرة " عادلة"

حين أقول صيدا،

فإني أقصد تحرير الأروية

ومنحها قداسة الغزلان.

***

كانت هذه مفاهيم خاصة ، اجتهدت فيها بما رأيته صالحا من أفكار سابقة " القدرة السلبية" لإنتاج نقد جديد . فليست هذه إذن دراسة استعادية لأنظمة مهملة ، بل دراسة خاضعة  لجهاز نفسي محدّد تمثيلي يمكن إنكاره لأنه لم يسبق الإشارة إليه من هيئات أكاديمية  لكن يُرجى تقبله في حدود تشجيع الاجتهاد الفردي من جهة ، وتشجيع النقد النفسي ليفتح تصوراته على النص الفني من جهة أخرى خدمة للأدب وتأمينه من مشاكل قد تطرح فيه تتعلق بالحالات النفسية للكتّاب.

***

هناك تعليقان (2):

  1. موضوع مهم فيه جملة من المعلومات فيه الداء واسبابه والعلاج وطرقه ايتفدت كثيرا من الموضوع شكرا لك سبدتي الكريمة

    ردحذف
  2. ما شاء الله أختي الملهمة موفقة و مميزة و فاعلة دوما و أبدا تحياتي و الورد

    ردحذف