خاطرة: العبقري الخالد ابن الرومي؛ وصرخته الإنسانية الرائعة/ كريم مرزة الأسدي

مقالات آخر الحياة

هذه صرخة إنسانية رائعة من صرخات العبقري الخالد ابن الرومي ( بغداد 221 - 283 هـ) بوجه الطغاة والمتجبرين و اللئام والحاقدين جاءت على لسانه مخاطبًا بها أحد الشعراء كان يريد أن يهجوه:
رقــادك لا تسهر لي اللــــــيل ضلّة ً ***ولا تتجشم فيّ حوكَ القصائدِ 
أبــي وأبــوك الشيــــــخ آدم تـلتقي ****مناسبنا في ملتقىً منه واحد ِ
فلا تهجني حسبي من الخزي أننّي   ***  وأيـّــــاك ضمّتني ولادة  والدِ
تعجبني هذه الأبيات الرائعة للشاعر العبقري ابن الرومي ،  والشيء بالشيء يذكر، حول المشاحنات الأدبية والحزازات الشخصية  ،  والنزاعات الأنانية ،  والصراعات السياسية التي يقع بين حبائلها عمالقة الفكر والأدب  ،  ناهيك عن عامة الناس وعوامهم ،  متناسين في لحظات الصراع غير المشروع ، ما الإنسان إلا نطفة من قبل ، وجيفة من بعد – وأنا استعير هذا المعنى من الامام علي ( عليه السلام ) - فلا يبقى بينهما إلا العمل الصالح ، والخلف النافع ، والذكر الطيب  ،  وشاعرنا اشار إلى نسبه الأولي متجاوزاً كل آبائه وأجداده.
نعم!
يكرر الناس بعامتهم وخواصهم قول يسوع المسيح ( أنا ابن ا  لإنسان)، والحديث الشريف (كلكم لآدم وآدم من تراب)، وغيره من الأحاديث الشريفة، والأقوال المأثورة، (لا فرق بين عربي وأعجميإلا بالتقوى)...( الناس سواسية كأسنان المشط)؛ ولكن عبقرينا الفذ ابن الرومي جاء  بها بأروع أبيات شعرية وأبلغها وأجملها، وحسبي وحسبك وحسبه البيت الأخير: 
فلا تهجني حسبي من الخزي أننّي   ***  وأيـّــــاك ضمّتني ولادة  والدِ
تأمل بعمقٍ وكفى!!

وهنالك أبيات أخرى غاية الروعة لابن الرومي العظيم؛ تعال معي لنقدمها بما تستحق:
رغم أنّ الإنسان وجهة الإنسان؛ ولا وجود لإنسان دون الإنسان ، يصرخ الفيلسوف الوجودي الفرنسي جون بول سارتر في إحدى مسرحياته ( الجحيم هو الآخرون)!!
 وقد شمنت هذه المقولة في إحدى قصائدي قائلًا:
 كسيزيفَ انتَ بهـــذا الزمانْ *** ستبقـى حياتكَ رهنَ الصخـرْ!

 كأنـكَ آثامُ هـــذا الوجـــودْ**** وهـــذا ابـــنُ آدمَ ايـــنَ المفــرْ؟!

- عذابٌ أليـــمٌ بدنيــــا الجحيـمْ *** وطبعُ الأنـامِ جحيـــمُ الدهـــرْ! 

  ولما مسكت الجزء الأول من  كتاب (ذكرياتي ) لجواهرينا العظيم،  وقلبت ورقتي العنوان  فإذا به صدر ذكرياته بمقولة لحكيم صيني تقول :" وُلدوا فتعذّبوا فماتوا " ، لابدَ أن هذه الفكرة راودته فترة طويلة ،  بل تخمرت في ذهنه ، وزُرعت في دمه حتى آمن بها قناعة لا تتزعزع ، فجعلها الكلمة  الأولى لكتابه الموعود   ،  ولكن... جزما ،  أبعاد المقولة ، واتجاهاتها الفكرية ،  وفلسفتها الحياتية، متابينة في عقلي الرجلين ،  فالتطابق محال ، ومدلولها واسع على أية حال ،  وله أن يحلل أبعادها كما يشاء ، و (ابن الرومي ) عبقرينا الخالد ،  قد سبق  الرجلين بما ذهبا إليه :

لِما تؤذن الدنيا به من صروفها ****يكون بكاء الطفل ِساعـة ّ يولدُ
وإلا فما يبكيـــــــه منها وإنـّها **** لأفسحُ مما كــــــان فيهِ وأرغدُ
إذا أبصر الدنيا أستهلَّ كأنّـــهُ******بما  سوف يلقى من أذاها يهدّدُ
وللنفسِ أحــوالٌ تظلّ كأنـّــــها ***** تشاهدُ فيها كلَّ غيبٍ سيشــــهدُ
لا تتوقع مني أن أطبل التحليل؛ فأفسد روعة الأبيات...وبها قد كفى ووفى...!!

كريم مرزة الأسدي
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق