ـ8 آذار يوم المرأة العالمي: رؤية متشائمة لمكانة المرأة العربية/ نبيل عودة

كتبت قبل سنوات بمناسبة الثامن من آذار: لن نتردد في إعلان موقفنا الداعم لحقوق المرأة ومساواتها واحترامها، ونطرح الشعارات المختلفة عن أصالة مواقفنا ودعمنا للمرأة وحقوقها. أجل كلنا من أجل حرية المرأة ومساواتها. نحن من أجل الاعتراف بأنها إنسان مساوٍ لنا تماماً. ولكن عندما يقترب الموضوع من "نسائنا" فهذا هو الحد الذي لن نسمح به.
***
ما أراه ان واقع المرأة العربية في تراجع نسبي كبير، هو انعكاس للتراجع في تقدم المجتمع المدني العربي. اذ لا يمكن تحقيق تقدم في قضية المرأة طالما ظل مجتمعنا قبلياً في مبناه وعلاقاته، ويحرمها من الحقوق السياسية المتساوية ومن فرص النمو والتعليم والتقدم في تطوير قدراتها الخاصة ووعيها، ومشاركتها في عملية التنمية الإنسانية والاقتصادية لمجتمعها.


فهل نتوقع، في إطار واقع متعثر مدنياً، ان نحرز تقدما في مجال إنجاز نهضة نسائية واجتماعية تغير واقع المرأة، ويفتح أمامها وأمام مجتمعاتنا آفاقاً جديدة، وإمكانيات أخرى تعمق دورها ومسؤوليتها؟ هل انتهت الظاهرة القبلية لقتل النساء بحجة شرف العائلة؟ هل تقلص العنف المنزلي ضد النساء؟

وقعت الدول العربية على وثيقة اممية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ولكنها قيدته بتحفظات تشريعية دينية تحت تسميات وطنية جردت الوثيقة من بعض بنودها التي تتعارض مع "الشريعة الإسلامية"، طبعا حسب الشريعة التي يروج لها تجار الدين. هل واقع المرأة بظل التمييز والقمع والقتل يتمشى مع الشريعة، ومع التشريع الوطني؟! ألا تكتمل وطنيتنا إلا بقمع المرأة؟ ولا ندخل الجنة الا اذا كنا مميزين عن النساء؟

تساهم المرأة في الدول المتقدمة بحصة تكاد تكون مساوية لحصة الرجل في جميع نواحي الحياة. في عالمنا العربي أرى ان المرأة، حتى الأكاديمية، تخضع لقيود مستهجنة، يفرضها مجتمعها ونظامها، يقرر مساحة تحركها وحجم قيودها، حتى في المجتمع الأكثر تنوراً، على صعيد الدول العربية، نجد ان واقع المرأة لا يختلف بمجمل مضمونه، وليس سراً ان مستوى دخل المرأة من نفس العمل هو ما دون مستوى دخل الرجل. ولكن هذه الظاهرة تخفي واقعاً أشد مرارة. واقع اتساع البطالة في صفوف النساء بالمقارنة مع الرجال. طبعا الأمية هي كارثة اجتماعية ولا تشمل المرأة فقط.

ولكن الظاهرة المقلقة حقاً تقع في مجال آخر كلياً.

دأبت تقارير الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية، على وضع اليد على واقع مذهل من التخلف في المجتمعات العربية، يطال النساء والرجال، وغني عن القول ان واقع المرأة هو الواقع الأكثر سوءاً والأكثر مرارة.. خاصة في موضوعين أساسيين.

اولا البطالة التي تطال نسبة عظيمة من النساء، ومنهن جامعيات.

بالطبع وضع الرجل لا يقل سوءاً، والمعروف ان غياب تخطيط حقيقي للتنمية، وغياب أبحاث أكاديمية حول التنمية وآفاقها واحتياجات الأسواق العربية، والربط بين الاقتصاد ومعاهد الأبحاث (الغائبة) في الجامعات، يقود الى فوضى، او تنمية ارتجالية لا تتجاوب مع المتطلبات الملحة للمجتمعات العربية، ولا مع توفير أماكن عمل حسب احتياجات النمو السكاني. ان فرص خلق أعمال جديدة يسير ببطء شديد ويقود الى تعميق استغلال عمل النساء، وهذا يبرز بالأجور المتدنية جداً. وبات إيجاد مكان عمل، صدفة سعيدة تتمسك بها المرأة وتصمت عن واقع إملاقها وسحقها كإنسان.

الصدفة ليست تخطيطاً. وإذا وجد التخطيط نجده مشوهاً ويخدم "قططاً سمان" حسب التعبير المصري لأصحاب النعمة، المسيطرين على حصة الأسد من الإنتاج القومي لدولهم. حقاً هناك منظمات نسائية عديدة تنشط من أجل حقوق المرأة، ولكني لا أكاد ألمس نشاطها وما تثيره في طروحاتها، ويبدو ان هناك نهج تعتيم على نشاط تلك المنظمات.

تقارير البطالة في العالم العربي تتحدث عن أرقام رهيبة تصل الى 25 – 30 مليون عاطل عن العمل، ولا أعرف هل تشمل هذه الأرقام مجمل الراغبين بالعمل، ام فقط المسجلين رسمياً؟ وهل تشمل مجمل نساء الوطن العربي القادرات على العمل؟

حين نجد ان المرأة في المجتمعات الصناعية المتطورة تشكل ما يقارب نصف عدد العاملين، نجد انها في المجتمعات المتخلفة لا تشكل أكثر من 15% وربما أقل كثيرا (وأعني بتعبير المتخلفة، التخلف الاجتماعي والصناعي والتقني والعلمي والثقافي والتعليمي وأسلوب إدارة الحكم، والتخلف بالضمانات الاجتماعية والصحية والبنى التحتية وغيرها)

ان خروج المرأة للعمل هو جزء من مساواتها وحريتها في القرار بما يتعلق بمصيرها أسوة بالرجل.

المرأة التي تفتقد للدخل لن تكون حرة ولن تصل الى المساواة حتى لو كانت تحمل عشرة شهادات دكتوراة.

ثانيا: المؤشر الأخر المرتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا الواقع، هي نسبة الأمية المرتفعة جداً بين المواطنين من الجنسين، وخاصة بين النساء.

هل يتوقع أحد ان ينشأ جيل مثقف متعلم في أحضان نساء جاهلات؟

لا ليس تهجماً على المرأة، هذا الواقع ليس من مسؤوليتها. لأنها تخضع لتحكم الجاهلين حتى لو كانوا أكاديميين بتحصيلهم. ولا يمكن تجاهل الإرهاب الأصولي والسبي والقتل والاغتصاب الذي دمر سوريا والعراق ولم يتوقف بعد. وهناك قصصا عن واقع اللاجئات مثير للغضب والقلق.

ما الذي يعطي المجتمعات العربية قوة الاستمرار، عكس التيار العالمي، من موضوع حقوق المرأة، وحقوق الإنسان بالتحديد؟

في الواقع انا لا أرى فصلاً بين واقع المرأة وواقع الرجل في مجتمعاتنا العربية أو غيرها من المجتمعات.. حيث التخلف والفقر من نصيب الرجل أيضا، مما يعني ان واقع المرأة في الحضيض.

السؤال رغم ذلك يعيدنا الى الواقع المر: ماذا يعد العرب للمستقبل؟

ماذا يعدّون لمرحلة ما بعد النفط؟

هل يظنون ان ايرادات النفط الخيالية في العقود الأخيرة ـ لن تتوقف الا بإذنه تعالى؟

ان الانفلات في ضبط مسألة الزيادة السكانية يطرح قضية أكثر خطورة على واقع المجتمعات العربية، وعلى الفرص أمام تغيير واقع المرأة خاصة والواقع الاجتماعي عامة.

هناك انفلات سكاني.. تسيب بعدد الزيجات.. أطفال بلا مستقبل يفدون دون تخطيط لهذه الحياة. هل نكشف أمراً جديداً إذا قلنا بان الدول النفطية الغنية تشمل سكاناً في فقر مدقع يزدادون وسيشكلون في المستقبل مشكلة اجتماعية وأمنية لأي نظام كان؟

ما من شك بان أخطر ما ستواجهه المجتمعات العربية، هو غياب الفكر التنويري من مؤسسة صناعة القرار، الأمر الذي يعرقل طرح بدائل اجتماعية واقتصادية للمستقبل القادم بعاصفة من التغييرات في التفكير ونوعية الانتاج الاقتصادي والعلوم والتقنيات ومبنى المجتمع البشري ومبنى الأنظمة..

لماذا لا تستغل الأموال الفائضة في البنوك (وتقدر بعدد كبير من ترليونات الدولارات) لإحداث نهضة اقتصادية تعتمد على الصناعات غير النفطية.

لا أظن ان أحداً من المتحكمين بالقرار العربي يعرف الإجابة. ربما يعرف كم يوجد في حسابه المصرفي ليس إلا، ومشروعه لضم الزوجة الجديدة.

هل من الممكن أن نواصل الحياة بشعارات براقة أشبعتنا لغواً، ولم تقدم لنا الا المزيد من التخلف؟

حان الوقت لمراجعة فترة الثورات (الانقلابات) العربية، وما أنجزته (بالمفهوم السلبي) للواقع العربي.. وبدء تحرك إصلاحي شامل.

حان الوقت لإعادة برمجة كل حياتنا.. من ألفها الى يائها.

حان الوقت لنفهم ان مجتمعا متنوراً متقدماً اجتماعياً واقتصادياً وعلمياً، لن يكون دون مشاركة كاملة للمرأة في التخطيط والإنتاج والبرمجة المستقبلية. وإقرار القوانين وشكل نظام الحكم.

ويؤسفني اني لا أرى مستقبلاً مثل الذي أحلم به.

ما أراه استمرار في السقوط الى الحضيض!!

ما أراه المزيد من الاضطهاد الشوفيني الذكوري للمرأة العربية.

ما أراه بقاء العالم العربي خارج التاريخ الإنساني.

ما أراه مزيد من التمرد للمرأة العربية، ومزيد من الهرب من مجتمعها لآفاق رحبة خارج مجتمعها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق