ثمّة تقرير حديث أصدرته لجنة تضم أكثر من 40 خبيرًا في مجال صحة الأطفال والمراهقين من جميع أنحاء العالم، ملخّصه: «لا يوجد بلد واحد في العالم يحمي صحة الأطفال وبيئتهم ومستقبلهم بما فيه الكفاية»، لقد تشكلت هذه اللجنة بناءً على دعوة من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة ومجلة ذي لانست.
أفضى التقرير المعنون «توفير مستقبل لأطفال العالم» إلى أن صحة ومستقبل الأطفال والمراهقين في جميع أنحاء العالم معرضان لخطر محدق؛ نتيجة التدهور البيئي وتغير المناخ والممارسات التجارية الاستغلالية التي تدفع بالأطفال نحو تناول الأغذية السريعة عالية التحضير والمشروبات المحلاة بالسكر والكحول والتبغ.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 250 مليون طفل دون سن الخامسة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل معرضون لخطر غير مباشر للتقزم والفقر، ولكن، الأهم من كل ذلك هو أن جميع الأطفال في العالم يواجهون حاليًا أخطارًا تهدد حياتهم بسبب تغير المناخ والضغوطات التجارية، هذا ما أفادت به رئيسة وزراء نيوزلندا السابقة والرئيسة المشاركة للجنة، هيلين كلارك.
يشمل التقرير مؤشرًا عالميًا جديدًا يضم 180 بلدًا، يقارن الأداء فيما يتعلق بازدهار الأطفال، بما في ذلك قياسات متصلة ببقاء الطفل ورفاهه، مثل الصحة والتعليم والتغذية والاستدامة.
يقول التقرير إذا كان يتعيّن على البلدان الأكثر فقرًا أن تبذل المزيد من الجهود لدعم قدرة أطفالها على العيش في حالة صحية جيدة، فإن انبعاثات الكربون المفرطة -الناجمة عن البلدان الأكثر ثراءً بشكل غير متناسب- تهدد مستقبل جميع الأطفال، وإذا تجاوز الاحترار العالمي 4 درجات مئوية بحلول عام 2100 حسب التوقعات الحالية، فإن ذلك سيؤدي إلى عواقب صحية مدمرة للأطفال نتيجة ارتفاع مستوى المحيطات وموجات الحر الشديد وانتشار أمراض مثل الملاريا وحمى الصنك، فضلاً عن سوء التغذية.
ومن بين المؤشرات التي توصّل إليها أن الأطفال في النرويج وجمهورية كوريا وهولندا لديهم أفضل فرص للبقاء والرفاهية، بينما يواجه الأطفال في جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والصومال والنيجر ومالي أسوأ التوقعات، ولكن، عندما أخذ المؤلفون في الاعتبار نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، تبيّن أن البلدان التي كانت في صدارة القائمة أصبحت تحتل المراكز الأخيرة: احتلت النرويج المرتبة 156 وجمهورية كوريا المرتبة 166 وهولندا المرتبة 160. ويتجاوز كل بلد من هذه البلدان الثلاثة الغاية المحددة لعام 2030 من حيث نصيب الفرد من ثاني أكسيد الكربون بما نسبته 210%، وتوجد الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والسعودية ضمن البلدان العشر الأكثر إصدارًا لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ولعل ما يلفت الانتباه ما أفاد به الوزير كول - سيك من السنغال الرئيس المشارك للجنة: «يعيش أكثر من ملياري شخص في بلدان تواجه التنمية عقبات بسبب أزمات إنسانية وصراعات وكوارث طبيعية، وهي مشاكل مرتبطة بشكل متزايد بتغير المناخ، وفي حين إن بعض أشد البلدان فقرًا لديها أضعف نسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإن العديد منها يتعرض لأقسى الآثار المترتبة على التغير السريع للمناخ. إن تحسين ظروف العيش اليوم لتمكين الأطفال من البقاء على قيد الحياة والازدهار على الصعيد الوطني لا يجب أن يتم على حساب مستقبل الأطفال على الصعيد العالمي».
ويبيّن التقرير أن بعض البلدان التي تسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق الغايات المتصلة بنصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030، مع تحقيق أداء جيد (ضمن أفضل البلدان السبعين الأولى) فيما يتعلق بالقياسات المتصلة بازدهار الأطفال: ألبانيا وأرمينيا وغرينادا والأردن ومولدوفا وسريلانكا وتونس وأوروغواي وفيتنام.
وفي جانب آخر، يسلط الضوء على الخطر الواضح الذي يشكله التسويق الضار للأطفال، وتشير البيانات إلى أن الأطفال في بعض البلدان يشاهدون سنويًا ما يصل إلى 30.000 إعلان على شاشات التلفزيون وحدها، في حين زاد تعرض الشبان لإعلانات السجائر الإلكترونية بأكثر من 250% في الولايات المتحدة خلال عامين، ليصل عددهم بذلك إلى أكثر من 24 مليون شاب.
ومن الأمثلة أيضًا أنه على الرغم من انخراط الصناعة في التنظيم الذاتي في أستراليا، فإن المشاهدين من أطفال ومراهقين مازالوا يتعرضون لما مجموعه 51 مليون إعلان عن الكحول خلال عام واحد فقط من البث التلفزيوني لمباريات كرة القدم والكريكيت والرجبي!
في حين أن تعرض الأطفال للتسويق التجاري للوجبات السريعة والمشروبات المحلاة بالسكر ينتج عنه شراء أغذية غير صحية وفرط في الوزن والسمنة، حيث إن التسوق المجحف مرتبط بزيادة مفزعة في معدلات السمنة لدى الأطفال، وقد ارتفع عدد الأطفال والمراهقين الذين يعانون من السمنة من 11 مليونًا في عام 1975 إلى 124 مليونًا في عام 2016، وهو ما يمثل زيادة بمقدار 11 مرة، ما يسفر عن تكاليف باهظة للأفراد والمجتمع على حدٍ سواء.
ولحماية الأطفال يدعو التقرير إلى إطلاق حملة عالمية جديدة من أجل:
- وقف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأقصى سرعة ممكنة لضمان مستقبل الأطفال على هذا الكوكب.
- وضع الأطفال والمراهقين في صميم جهودنا الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة.
- سعي جميع القطاعات إلى وضع سياسات جديدة، والاستثمار في صحة الطفل وحقوقه.
- دمج أصوات الأطفال في القرارات السياسية.
- تشديد اللوائح الوطنية تجاه التسوق التجاري الضار، مع دعمها ببروتوكول اختياري جديد لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.
وعلى هذا الأساس ترى هنريتافور، المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة، أنه يتعيّن على الأطفال في جميع أنحاء العالم مواجهة تهديدات لم تخطر على البال قبل بضعة أجيال، وتتراوح بين أزمة المناخ والسمنة والتسويق التجاري الضار.
لقد حان الوقت لإعادة التفكير في صحة الطفل ووضع الأطفال على أولويات البرامج الإنمائية الحكومية، مع وضع رفاههم فوق كل اعتبار، خصوصًا أن التقرير أظهر أن صنّاع القرار في العالم غالبًا ما فشلوا في معالجة القضايا المتعلقة بالأطفال والشباب اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق