Kill the good of the Gentiles
أصل لفظة ”چوي“ في العبرية غير مُتّفق عليه. قد يكون من ”چيڤ“ أي جسم، وهذه الكلمة ترد زُهاء الخمسين مرّة في عبرية المقرا، أسفار العهد القديم الأربعة والعشرين، ومعناها ”شعب، سِبط“؛ يُنظر مثلًا في سفر التكوين ٣٥: ١١؛ التثنية ٤: ٧، ٨، ٣٤؛ ٢٨: ٣٦، ٣٢: ٢٨؛ أشعياء ١: ٤؛ مزامير ١٠٥: ١٣؛ الأمثال ١٤: ٣٤؛ أيوب ٣٤: ٢٩. في الحِقبة التاريخية الثانية للعبرية، لغة الِمشْناه، التوراة الشفوية، في عهد المعلّمين، التنّائين، القرنان الأول والثاني للميلاد، من تلاميذ هيليل وشَمّاي وحتّى ربّي يهوذا هنسي اتّخذت لفظة ”چوي“ معنى ”غير يهودي“. وفي المشناه، فصول الآباء ٣: ١٤ ورد ما معناه ”محبوب الإنسان المخلوق بصورة الله“، ولكن في مكان آخر، بركات الفجر جاءت البركة بما معناه ”مبارك الذي لم يجعلني چويًا“، توسِفْتا بركات ٦: ١٨. ويُشار إلى أن كُتب صلوات (سيدوريم) غير الأرثوذكس من اليهود، قد بدّلت هذه البركة بقولها ”مبارك الذي جعلني يهوديا“.
وفي العبرية الحديثة اتّخذت لفظة ”الچوي“ معنى كنية ذمّ يستخدمها المتديّنون اليهود ويُلصقونها بيهودي غير ملتزم بالديانة اليهودية أو للجاهل. أضف إلى ذلك، المعنى الشائع في أيّامنا للفظة المذكورة هو غير اليهودي، الأغيار، وفيه أكثرُ من مسحة من التمييز والإذلال. هنالك ما يُسمّى بـ ”چوي شِل شبات“ (Shabbat goy, Shabbes goy, Shabbos goy) أي واحد من الأغيار/غير اليهود الذي يقوم بأعمال تُحرّمها الهالاخاه/الشريعة اليهودية على اليهود يوم السبت، إّلا في حالة إنقاذ الأرواح، وقد أصبح هذا الچوي في عداد الماضي راهنًا لأنّ التطوّر التكنولوجي الحديث يقوم بعمله. يقول بعض رجال الدين اليهود اليوم إنّه بالرغم من عدم وجود فريضة لمحبّة الچوي كما يُحبّ اليهودي ابنَ جلدته فهذا قطعًا لا يعني المسّ بمشاعر الأغيار. وفي الموقع الإلكتروني الثاني المذكور أدناه، يتعرّض الراب داڤيد بار حاييم لنقاط كثيرة في هذا المجال، نذكر منها ما يلي. إنّ التوراة تميّز بين إنسان من بني إسرائيل ويُدعى آدم/آدمي وبين الآخر وهو الچوي. لا يجوز انتهاك حرمة السبت من أجل إنقاذ حياة الچوي. بعبارة مقتضبة، لا وجود للمساواة بين أبناء البشر في الهالاخاه- الشريعة اليهودية. على سبيل المثال: من يضرب اليهودي يُقتل وإذا ضرب اليهودي چويًا وألحق به الضرر لا يعوضّه شيئا. كره الچوي والانتقام منه جائزان.
في ما يلي خُلاصة الاعتذار الوارد في مخطوط ”أُقتل الجيّدَ في الأغيار“، اقتنته المكتبة الوطنية الإسرائيلية في القدس مؤخّرًا. اسم كاتب هذا الاعتذار مجهول، وتاريخه يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، بعد العام ١٨٣٩ على كلّ حال. المعلومة الوحيدة التي أدلى بها كاتب الاعتذار هذا هي، أنّه مؤلِّف كتاب (בקרת רעה) ”نقد سيّء“ ولا يُعرف عن هذا شيء. من الجليّ أنّ حدثًا ما، كان قد أرغم هذا الكاتب، يهوديًا أوروبيًا قبل قرن ونصف من الزمان، على كتابة هذا الاعتذار. يتحدّث المخطوط عن أحد أقوال حزا”ل - حكماؤنا رحمهم الله- الإشكالية جدّا ”أُقتل الجيّد في الأغيار“ (הטוב בגויים הרוג).
يحوم ادّعاءُ المؤلِّفِ المركزيُّ، حول مدلول لفظة ”أغيار، גויים“ في استعمال الحكماء، وهمُ الأشخاص المتوحّشون كذئاب البرية، لا أخلاق ولا فهم لهم، ومن الواجب تصفيتهم للقضاء على الشرّ في المجتمع البشري. من المفروغ منه أنّ اعتذارًا من هذا القبيل، ليس كافيًا لحِقبتنا هذه، ما بعد الحداثة، التي تحترم كلّ ثقافة بشرية.
يبدو أن المؤلِّف لم يكن على دراية، أو أنّه تظاهر بعدم معرفته، بروايات نُشرت تقول ”مصريون، كُفّار“ بدلا من الچوييم/الأغيار، وذلك من جرّاء الرقابة. يبدو أنّ كاتب الاعتذار، لم يكن يعرف لغاتٍ أخرى إذ أنّه يطلب من العارفين بها بنقل اعتذاره العبريَّ هذا إلى لغات أخرى. يحاول الكاتب استرضاء سكّان بلده بالقول، إنّ حز”ال لم يقصدوا الأمم المستقيمة في قلوبها والسائرة بحسب تعاليم الخالق، وتُقيم العدل والصدقة والحقيقة بين ظهرانيها. ويُعطي مثالًا لذلك، الأمم المسيحية، فالله يحبّها واليهود أيضا. على ما يظهر، ينتمي الكاتب لأوساط المثقّفين المعتدلين ولا يتوانى عن نقد ما قاله راپ أمورئي (حكماء إسرائيل بين ٢٢٥-٥٠٠ م. الذين نقّحوا التلمودين الفلسطيني والبابلي) مشهور في بابل حول فضائل عضّادة الباب/المزوزاه.
لماذا قال ربّي شِمْعون بار يوحاي (معروف بالاختصار رشب”ي، وُلد في الجليل وقبره في ميرون، تلميذ ربّي عقيبا، توفي حوالي العام ١٦٠م.؛ من مؤلفاته سِفْري وينسب له سفر هزوهر) ”أُقتل الجيّد في الأغيار“ ويُجيب الكاتب لأنّه في زمانه كانوا كلّهم وثنيين (ص. ٢٤-٢٥ في المخطوط). ويرى الكاتب بهذا القول ”أُقتل الجيّد في الأغيار“ أساس كراهية إسرائيل، وبسببه شرور ومصائب وسفك دماء لا تعدّ ولا تُحصى، نزلت على شاة شتات إسرائيل. ولإصلاح هذه الحال، يعمِل الكاتب جهدَه في تصوير حُكماء اليهود كمحبّين للمسيحية، ويصف المسيحية بأنّها عامود السلام والعدل في العالَم. أخذ المسيحيون بالتكاثر على وجه الأرض جيلًا إثر جيل، والسيطرة على مساحات شاسعة، وأقاموا مؤسساتِ العلم والمعرفة، لنشرهما ونشر العدل، فعمّت الأخلاق الحميدة في ربوع العالم، ومنذ ذلك الحين، أخذ عابدو الأصنام أيضًا في تحسين أعمالهم ومعالجة أخطائهم ومزاولة الحُكم بالعدل والحقّ في ما بينهم.
قد يحمَرّ وجه البابا لسماع كلمات هذا الثناء، ولكن في الوقت ذاته، لا بدّ من تذكّر الخلفية التاريخية القاسية التي جعلت المؤلِّف يحاول استرضاءَ محيطه المسيحي المسيء لليهود. لمعرفة الجواب على السؤال: هلِ الاعتذار المذكور قد أدّى إلى تغيير الرأي الأوروبي العامّ حيالَ كراهية اليهود (في الأصل: اللاسامية، وهذا المصطلح منذ نشأته في القرن التاسع عشر قام على خطأ واضح، لأنّه يعني ضد اليهود فقط، في حين أنّ الشعوب السامية كثيرة، والعرب اليوم أكثرها عددًا أربعمائة مليون ونيّف وهنالك السريان مثلًا)، للحصول على إجابة، يمكن الاطّلاع على مقالة دانيل ليپسون التي نُشرت هنا في هذا الموقع منذ فترة قصيرة.
كتب هذا العرض د. يوئيل فينقمان، أمين التراث اليهودي ود. يعقوب فوكس من قِسم المخطوطات في المكتبة الوطنية الإسرائيلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق