إنّ من يطالع مؤلف "انطوان يوسف شعنين" " حفنة تراب" يدرك أن الكاتب آت من رحلة صوفية وأجواء روحية، روحانية، وأنّ نظرته الى العالم المادي، ليست نظرة عابرة كعلاقة المستهلك بالمنتَج، او الشاري بالمشترى ،إنّما هي علاقة الانسان المتأمل بمصدر الاشياء وجوهرها وكينونتها ،صيرورتها ومآلها
وهو آت ايضا من عالم النبات، ويدرك قيمة العناصر الاربعة الاساسية ودورها ،ودورها في تشكيل الحياة او انعدامها...ويعرف ان الانسان يختصر في ذاته هذه العناصر في تحولاتها وانصهارها واختزانها للسر الاكبر؛ سر الطبيعة البشرية ودور الخالق في تكوينها...
أما الرسالة التي شاء توجيهها فمفادها ربما ،ان الله، هو المدبر والمسير للكائنات الحية، وأن العقل البشري يبقى عاجزا عن بلوغ الهدف الاسمى...
إن هذا الكتاب على صغره(٥٠ ص) لهو، يختزل تجربة المؤلف مع الناس والكائنات ،وهو متنوع، يأخذك عزيزي القاريء ،في اكثر من اتجاه ويستوقفك عند اكثر من محطة، ويفجأك في بعض المرويات والتفسيرات والشواهد التي استلها من بطون الكتب القديمة التي دأب على قراءتها فاختزن منها ما اختزن، واختزل ما اختزل، فكان " حفنة تراب"...
كتاب يحمل بين دفتيه حكما، وتجارب، بعضها شخصي او نظري وبعضها الآخر كرسته الايام مسلمات قائمة...
ولا بد من القول انّ الكتيب يزهد باللغة واناقتها فالافكار دونت مثلما "نزلت" على المؤلف، وظل همه الاوحد ايصال افكاره والتعبير عن دخيلته ،سواء جاءت مبتكرة جديدة، او متداوله ومكررة، إنما بقالب شخصي..
اخي انطوان... لست مخطئا فبعودتك الى بطون الكتب القديمة، والديانات السماوية، او ديانات الشرق الاقصى، فإنك تصل الماضي بالحاضر، والشرق بالغرب، وإنك تسكب على اويقاتنا المادية الجافة بعضا من بلسمك الروحاني ،ونظرتك الماورائية،
` كما ولفتني في حفنة ترابك تلك تلك الروح الساحرة ،والتي تشكل بعدا آخر لاقولك ومأثوراتك، والتي تبعد عن الرتابة والرصانة والكآبة، و حتمية الفناء والزوال، واشارتك الصريحة الى العجز البشري امام اسرار الكون الالهية...
" حفنة تراب " لعله الانسان، في سعيه الافقي الى الثراء والجاه وتحصيل المادة، ولو بطرق غير مشروعة
"حفنة تراب " عنوان ، يدل على الانسان الذي ينسى دوما أنه زائل، وانه سيصير حفنة هباء.
..انه دعوة الى الزهد في اباطيل هذا العالم الوثني المرائي و الحاقد...
لعله كتاب يخرج عن التصنيفات العادية للكتب، وليس له هوية محددة..او واضحة بدقة، لانه يأخذك في رحلة تعبر فيها مساحات خضراء غناء، ثم يصحبك في صحراء لا انس فيها ولا جن، وسرعان ما يمتعك في طرائفه وتنوعه ، فيذكرنا ب"الجاحظ" في كتابه" الحيوان
ربما هناك سقطات لغوية وهفوات او افكار مشابهة لما ورد عند "نعبمة" في كتابه" كرم على درب" او "جبران خليل جبران " في ثورته على الاقطاع والتقليد والطقوس...ولكنه بدون شك يفتح نوافذ على موضوعات جديرة بالتأمل ،علىشذرات من رؤى وصنوف من حكم، ومعارف، وظواهر في الطبيعة والكائنات...
انها نزهة رجل له نظرته الخاصةالى ما حوله، ومن حوله، ولا يمكن بنظري تقييم الكتاب وفق المعايير النقدية المتداوله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق