الجرثومة المعدية (Coronavirus)/ يونس عاشور

ربما لم يكن متوّقعاً أنْ تتحوّل أفلام السينما الأمريكية المُخيفة في بداية السبعينات والثمانينات بالتحديد من القرن الماضي إلى واقع دراماتيكي حقيقي وواقعي في عصرنا الحالي فيما يخص استفحال هذا النوع من الوباء الجديد الذي أُصْطِلَح على تسميته بـالـ (COVID-19) أو كورونا الجديد (19) الذي أصبح انتشاره عالمياً وأممياً يستقصد الأفراد والأمم والمجتمعات عبر انتقال العدوى الخفية اللامرئية.
فقد بدأ جذر إنتشار هذا الوباء الحيواني إلى الإنسان قادماً من الصين الشرقي مروراً بقارات العالم الغربي والعربي مما تسبّب في خلق الخوف والهلع والهوة بين الأفراد والجماعات والدول والمجتمعات على الصعيد النفسي والفردي والمجتمعي وهذا ما بدا مؤخراً يتجلّى بكل وقائعه وحقائقه للعيان حينما تُصادف أشخاصاً فتمرّ عليهم فإنهم يبتعدون عنك ويرفضون الاقتراب إليك، بل البعض من الناس آثر أن يمكث في المنازل بعيداً عن مخاطر هذا الفيروس الخطير والمعدي وما قد ينجم عنه من مثالب لا تُحمد عقباها.
هذا الوباء العالمي ذكرّني بفيلم أمريكي قديم عنوانه " الجرثومة المعدية " (The Killer Virus)
 كانت قصّته تدور حول فيروس معدي ينتقل من شخص لآخر فيتحوّل من يصيبه من البشر إلى وحش كاسر يفتك بالآخرين وبدأ الخوف يعمّ في ذلك المجتمع بالابتعاد عن بعضهم البعض مما جعلهم يخافون على أنفسهم ويلوذ كل منهم بالفرار إلى مناطق أكثر أمناً خوفاً من هذا الداء الخطير وخشية أن يتحولوا إلى وحوش يقتل بعضهم بعضا، لكنّ هذا الفيروس تمكّن منهم وأصبحوا وحوشاً يقتلون من يروه في طريقهم إلّا أنّ بطل هذا الفيلم وكان أمريكيا قد استخدم أسلحة ناريه مُحرقة في مواجهة من يتحولون ويصبحون وحوشاً فكان يدمّر ويحرق من يراه لكنه في نهاية المطاف لم يسلم بطل هذا الفيلم بنفسه فقد أصابه الفيروس ذاته وأنهى حياته وكانت معه إمرة لاذت بالفرار عنه عندما اكتشفته انه مصاب رغم أنها كانت ملازمةً له في ذهابه وإيابه لكنّ هذا الفيروس جعلها تلوذ فراراً منه خوفاً منه على نفسها فابتعدت عنه وهربت عبر طريق آمن أوصلها للبحر ومن ثمة وجدت هنالك  قارباً صغيراً فركبته وهربت قبل وصول الوحوش المفترسة إليها.
هذه الصورة اليوم تنتقل إلينا بطريقة واقعية من هذا الإنسان الذي يدّعي القوة والغنى والجاه والتحكّم بمفاصل الحياة فهو إذا يحاول أن يحضر الآن في كل مكان يغيب عن جميع الأمكنة، إنه الحاضر والغائب في آن، حاضر في المكان وغائب في الزمان إنّ حضوره لم يعد حضوراً حقيقياً بل أصبح صورياً وشكلياً، إنه الهروب والانفصال وعدم الاقتراب والاتّصال بالآخر فالإنسان بقدر ما هو اجتماعي بدأ وضعه في الانحسار إلى انفرادي وانعزالي.    
لقد خلق هذا النوع من الوباء هوة بين الأنا والآخر مما تسبّب في شل اقتصادات الدول التي مُنيت بالخسائر مؤخراً نتيجة الحدود المغلقة بين الأمم والمجتمعات.
صحيح أن العالم يتمتع بنفوذ وقوى لا حصر لها على صعيد المال والعلم والتقنية إلا انه هذه المرة ضلّ عاجزاً وخاوياً أمام التصدي لهذا الفيروس المادي الصغير والخفي فبدأ يلقي لومه على الآخر خوفاً على مصالحه الذاتية والحياتية.!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق