عرفت مصطفى بشارات، أول مرة، صيف عام ١٩٩٤م في أريحا، في المقر الصغير لإذاعة صوت فلسطين، وكان قد تخرج، قبل فترة زمنية بسيطة، في جامعة اليرموك، وبدأ العمل محررا صحفيا هناك.
قلت له ذات يوم: في داخلك، يا مصطفى، أديب ينتظر فرصته؛ للتعبير والانطلاق في فضاء الإبداع القصصي. أجاب: أنا أحب القراءة، ولدي خواطر وقصص أدبية. قلت:لا تجعل هذه الموهبة الجميلة والنادرة تغادرك.
ما زلت أذكر خط مصطفى الصغير المنمنم، وتكثيفه غير المخل،للأخبار الصحفية التي يحررها ويكتبها، وندرة الأخطاء اللغوية فيها.
ومرت السنوات، وافترق كل منا، في طريق،بعد ست سنوات من العمل الإعلامي المشترك في صوت فلسطين.
وذات يوم خريفي، أهداني مصطفى كتابه الذي يحمل عنوان:(الشتاء يأتي متأخرا)، سعدت بهذا الإهداء، وقلت له: هل تذكر لقاءنا في أريحا، وحديثنا عن الكتابة الأدبية؟. أجاب: نعم، أذكر، والحمد لله، أن موهبتي الأدبية نمت وتطورت، ونشرت هذا الكتاب الذي ينتمي إلى فن السيرة الذاتية، حيث إنه يجسد تجارب حياتية ذاتية، شاهدتها، وخبرتها بنفسي.
صدر كتاب:(الشتاء يأتي متأخرا)، عام ٢٠١٦م، عن منشورات الرعاة للدراسات والنشر، في رام الله، ويقع في تسع وتسعين صفحة، من القطع الكبير.
وفي إهدائه، أشار إلى أن هذا الإصدار( بعض من ألمي وأملي ضمنته هذا الكتاب، وأسميته هذا الاسم؛ عل المطر يسقط في النهاية؛ فيطهر قلوبنا، ويمحو الآثام التي باتت تملأ البلاد والعباد).
وإضافة إلى دلالات تسمية العنوان التي أشار إليها الكاتب آنفا، فإن ثمة دلالة أخرى لهذا العنوان الجميل والموفق الذي يلفت انتباه القاريء ، وهي أن الفصول السردية كلها، أو معظمها، جرت في فصل الشتاء، حينما كانت الأمطار، تنزل مدرارا ، من السماء المكفهرة، والملفعة بالغيوم، بل إن شهر نيسان كان شاهدا، على البروق اللامعة، وأزيز الرصاص، وقصف القنابل والرعود المزمجرة، وعلى انهمار هذه الأمطار التي أتت متأخرة في فلسطين، ذلك العام....!!.
يتابع القارىء صفحات هذا الكتاب، دون ملل، بل إن عنصري الانشداد والتشويق هما أهم ما يميز هذه اليوميات التي سردها مصطفى بلغة عربية سهلة ومعبرة، وأسلوب أدبي قصصي حميم، مستخدما ضمير المتكلم ، والحوارات، واستدعاء الذكريات، عن الأماكن، والمشاهد والأحداث، والشخصيات والأصدقاء والأحباء الذين كانت له معهم مواقف إنسانية حميمية ودافئة، ونابضة بالمشاعر، أمثال: أمه وأبيه، وأخيه المرحوم جمال، وأفراد أسرته، ومعلميه وأصدقائه الحقيقيين في المدرسة، والقرية، والجامعة، والمدينة.
يكتب مصطفى عن طفولته وفتوته الأولى، في بلدته طمون، وقرية الجفتلك الزراعية بالقرب من نهر الأردن، وذكرياته عن المقاومين، وإذاعة صوت فلسطين التي كان يستمع إليها خلسة، وممارسات الاحتلال التعسفية اليومية، التي ناله منها نصيب من القمع الذي ما زالت آثاره النفسية باقية، حتى يومنا هذا.
ويكتب عن ذكرياته الشبابية الجميلة، في جامعة اليرموك بإربد، حيث أمضى أربع سنوات يدرس الصحافة.
ويفرد حيزا كبيرا من صفحات كتابه؛ للحديث عن تجاربه ومشاهداته، ومعاناته أثناء الانتفاضة الثانية، وحصار المدن الفلسطينية، ومن بينها رام الله التي كان يعمل، ويقيم فيها، ولا سيما تلك التجربة المريرة التي مر بها، مع أسرته، حيث حاصرت قوات الاحتلال عمارة سكنية، وجمعت ساكنيها في واحدة من شققها، لمدة أسبوع كامل، وسط القصف والخوف ونقصان الغذاء والماء والأمن والأمان .
ولا ينسى الكاتب في يومياته الحديث عن بعض مظاهر الفوضى والفساد، والمظاهر السلبية المدانة،ومعاناة الإنسان الفلسطيني الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار الثراء الفاحش، من جهة، والفقر، من جهة أخرى.
وختاما، فإنني أتمنى لكاتبنا الصديق مصطفى بشارات التوفيق والنجاح، والمزيد من العطاء الثقافي و الأدبي الواعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق