المشهد الذي رأيته مجسدا بصورة ، ترك أثرا حزينا في نفسك من جهة ، واحتراما وتقديرا، من ناحية أخرى.
في قاعة المشفى الذي يتعافى فيه المصابون بفايروس الكورونا ، سُجي جسد المتوفى نشأت ، وقد لُف بالعلم الفلسطيني، فيما كان عشرة من الأطباء والممرضين والعاملين في المجال الصحي يؤدون صلاة الجنازة على روحه التي عادت إلى بارئها العظيم ..!!.
أما مشاعر الحزن العميق التي استقرت في فؤادك ،فسببها المصير الصعب والمؤلم الذي ينتج عن هذا المرض الخطير . صحيح أن الموت حق ، ولكن الصعوبة تكمن في هذا الرحيل الصامت الذي لا يتمكن فيه المصاب من رؤية والديه وزوجته وأبنائه وأفراد أسرته وأحبائه في الأيام الأخيرة من حياته .يتحمل آلامه وأحزانه وحيدا ، وقد انفض عنه الجميع ،لا بسبب تقصير أو تنكر منهم ، بل بسبب منعهم من التواصل مع المصابين .
ومن أسباب الحزن أيضا أن الأهل والأحباء والأصدقاء لا يتمكنون من إلقاء النظرة الأخيرة على وجهه ،قبل أن يُوارى في التراب ، بل إن القوانين الصحية لا تسمح بإجراء دفنه إلا بوجود عدد قليل من الناس المدربين والذين يرتدون ملابس خاصة ؛ للوقاية من الإصابة بالمرض. وليس هذا فحسب ، بل إن إقامة بيوت العزاء لن تكون متاحة!! .
أما مشاعر الاحترام المحبة والتقدير التي أكننتها في صدرك ، فسببها يعود إلى المواقف المشرفة والعظيمة التي يضطلع بها هؤلاء الإخوة العاملون والعاملات في القطاع الصحي الفلسطيني .فمنذ أن غزانا هذا العدو اللدود تجند إخوتنا في القطاع الصحي من الوزير إلى الغفير ، وأعلنوا النفير ، وجندوا الإمكانيات المتاحة للتصدي له ومواجهته. غابوا عن بيوتهم وأسرهم وأحبائهم، وواصلوا الليل بالنهار، وتعاملوا مع المصابين ، ومع من يُشتبه بإصابتهم ، رغم المخاطر الكثيرة .
ولم يكتف هؤلاء الإخوة بدورهم الطبي والصحي ، بل إنهم أدوا أدوار الأُسَر ، وبث الأمن والطمأنينة في نفوس المرضى ، واستمعوا إلى أحاديثهم ومخاوفهم وهواجسهم، وعواطفهم، في وقت يكونون فيه بأمس الحاجة لمن يفضون لهم بمكنونات نفوسهم .
وأدى إخوتنا الأعزاء ذوو الأردية البيضاء أدوار الإمام والمصلين ، وطبقوا مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء، في الصلاة على الميت ، والدعاء له ،ودفنه إلى مثواه الأخير .
تعتريك الحيرة ، فماذا يمكن أن تقول للإخوة العاملين في المجال الصحي الفلسطيني ،وهم يواجهون مع إخوتهم في الأجهزة الأمنية هذا العدو اللئيم الذي يهاجمنا ويحاول هزيمتنا فيتصدون له وهم عاقدو العزم على هزيمته ؟ !!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق