صديقي يسوع
يا مَن تقرؤنا دون حروفٍ وتسمعنا بِلا كلماتٍ
فتَنَصِتُ لحَديثِ نَفْوسنا ولُغَةِ صَمْتنا؛
فقد عرفتك إنّه لم يكن لك بابٌ
تغلقهُ في وجهِ إنسانٍ، أما رحمتك فهي دومًا للجميع
أوَ أليست شمسك تشرق
على الأبرار والأشرار( متّى ه: ٤٥)
لقد ضَاقت بِنا الحياةُ واشتد علينا الوباءُ
حتّى أصبح واحدنا كالأبرص، لا يلمس أحدًا
ولا أحد يلمسه!.
وأصبحنا كالمرأة النازفة، عجز الطبُ عن إيجاد دواءٍ لها ،
يوقف معاناة النزيف .
يا إله الحياة،
يا من وقف باكيًا يوم مات لعازر، وأعاد له الحياة،
هنالك قاتلٌ شرسٌ، يغتالُ جبلة يديك بصمتٍ وخفاء، يدعى كورونا، صُنّع في مختبرات تجار الموت،
بغية الفتك بحياة الأبرياء؛ حبسنا أنفاسنا خوفًا من أنفاسه. فكثرت الأقاويل والشائعات:
" بلاء، ابتلاء، عقاب، غضب من الله...".
والبعض تمادى فقال: " كورونا لعنة من الله على الأرض بسبب ذلك الصبي الذي قال سأخبر الله عن كلِّ شيء".
وأنت من كلّ هذه التهم بريء، لكن هذه الأقاويل الباطلة أوقفتني للسؤال:
علامَ يبنون احكامهم بحقك؟
ولماذا يضعونك في قفص الاتهام ويلقون عليك التهم جزافًا؟
ربّما هم لا يعرفون أنّك أبٌ روحي للإنسان وإله خير ورحمة، بل إله محبة، ومن يحب لا يسيء.
شغلك الشغال سعادة الإنسان وخلاصه؟
ولماذا تشبّثوا بأهداب الزيف؟
ربّما لأنهم يعرفونك معرفةً سطحيّة؛ يكرمونك بشفاههم أما قلوبهم، فهي بعيدة كلّ البعد عنك؟!
يا يسوع الحبيب
ربّما هم لا يعرفون:
إنّك لم ترجم المجدليّة، بل وقفت سورًا منيعًا بوجه المرائين الذين تناسوا بشاعة خطاياهم حين أمسكوها بخطيئة، فراحوا يصفون حسابهم من ذواتهم من خلال انتقادها، فسعوا إلى رجمها.
دفاعك عنها ورحمتك لها، كانا بوصلةً وطريقًا لتوبةٍ دائمة وخلاصٍ أبدي،
فكانت عونًا لك بدموعها مع قلةٍ قليلة تحت صليبك، فغدت أول شاهدٍ على قيامتك، فأوليتها نعمة تبشير إخوتك التلاميذ
تلك المجدليّة غدت قديسةً تطوبها الألسن، بعد أن كانت سيرتها على كلِّ لسان!!
العشّار،
يوم قصدَ هيكلك وقرع على قلبه باب رحمتك
نزل بارًا إلى بيته!
الكنعانيّة
عندما التقتك وحاورتك بإيمانٍ لأجل ابنتها المريضة،كان إيمانها سببًا لخلاصها ورحمتك شفاءًا لنفسِ وجسد وحيدتها!.
زكّا العشّار
ترك الازدحام وجموع الناس..
تجرأ وتحدى قصر قامته
وتسلّق جميزة الخلاص
لا لشيءٍ
إلا لينظر إليك
طمعًا في لقياك.
تلك الرغبة افقرته ماديًا...
لكنه حصل على إقامتك في بيته،
وهذا ما أغناه عن كلِّ شيء آخر.
أما متّى، جابي الضرائب وعميل الاحتلال الروماني، عندما عرفك انقلب تلميذًا وكاتبًا ، فقدم لنا شهادة خلاص، فيها عصارة إيمان وخبرة اللقاء.
لص اليمين
الذي سرق السماء لحظة سألك رحمة وأن تذكره في ملكوتك في آخر فصول حياته على الصليب، فكان له ما أراد!
شاؤول،
الذي كان "داعشيًا"
متطرفًا في اضطهاد أتباعك
وكم من دماء سفك سيفه.
لكنه حين التقاك وعرفك عن قربٍ وإيمان
انقلب شاهدًا وشهيدًا
وغدا بولسًا رسولاً للأمم
جاب الأرض مبشرًا ولم يتعب!!
أغسطينوس الفيلسوف الملحد،
يوم اختبر محبتك شخصيًا،
كفر بالدنيا،
مدركًا إنّ الحياة الحق هي المسيح
وما عاد آمن إلا بك.
دوستويفسكي الأديب الروسي،
يوم ظهرت له،
أصبح لوجوده معنى ولكتاباته رسالة.
تلاميذك
كانوا أحد عشر رجلاً
وما كانوا من خيرة القوم
لا ذكاءَ، ولا علمَ ولا جاهَ
ولا مالَ ولا سمعةَ، ولا إيمانَ !!
لكنهم يوم حلّ عليهم روحك القدوس، تفتحت بصائرهم فصار واحدهم شعلة نور ونار
فتحول بطرس الناكر إلى مبشرٍ!!
ولا أنسى يَا رَبّ
ذلك الطبيب الملحد في زمن جائحة الكورونا، الذي خرَّ ساجدًا باكيًا بثقةٍ عمياء أمام صليبك في إحدى مستشفيات أوروبا يتوسل إليك عونًا ليسعف بواسطتك الأرواح، حين صرخ بهم رئيس الأطباء: " ما بالكم حيارة خائفين، هل نسيتم من قال: اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم". فصلى مع ثلةٍ من الأطباء والممرضات ( أبانا الذي في السموات). لقد أدرك وزملاؤه أنك .إنت وحدك الطبيب الشافي وصانع المعجزات
أتعلم لماذا يسوع أنا أذكر نفسي وغيري بهذه الخبرات الإيمانيّة؟
لأنك لا تريد ذبيحة بل رحمة ومحبة وإيمانًا،
ولأنك لا تصنع شرًا للإنسانبل تخرج من الشرِ خيرًا.. كما فعلت حين وقفت بإنسانيتك أمام قبر لعازر باكيًا، فدعوته للحياة مرّة أخرى، ليتغير مجرى دموع أختيه مرتا ومريم من دمعة حزنٍ إلى بسمةِ فرحٍ ورجاء!
فكَم كبير أنت يَا رَبّ بمحبتك وبقلبك الرحوم الناصع البياض الذي لا يتّسعُ إلا للخير والصلاح...
لهذا لا يخالجنا ترددٌ بأن نسجد بهذه الدالة العظمى تحت قدميك متوسلين بإيمان كبير
كي تزيح عن عالمنا هذا الوباء المميت.
فإنّني هنا أقرعُ بابك ليس لأنني والبشريّة غسلنا أيدينا من المختبرات الطبيّة والحكومات وتدابيرها الاحترازيّة وحسب التي عجزتا عن احتواء الفايروس، بل لأنني أعرفك لا تردُ سائلاً يقصدك للخير، فأنت أحنُّ من الإنسانِ على نفسه،
وبك كانت الحياة وكان كلّ شيء، لذا فالحياة هي عطيتك المجانيّة، وهبتها لنا هبةً جميلةً وعظيمةً لنكمل رائعتك ورسالتك في( الوجود)،
فرحمتك غفرانٌ ومحبتك ولادةٌ جديدة،
وغفرانك ليس محكمةً أو قفصًا لتوجيه التهم لنا والتذكير بخطايانا، إنّما موقفٌ يتغلب فيه حبّك الأبوي على نقصنا البشري، ليحتوي قلبك الكبير قلبنا الصغير ويعانقه رحمة ومحبة وطمأنينة.
لذا أجدني أضع مخاوفي في قوالبِ ثلجٍ متكلاً عليك، فذاك الاله الذي تعذب وتألم ومات على الصليب حُبًّا وخلاصًا وفداءً لأجل الإنسان ، يقينًا لم ولن يستهويه عذاب الإنسان وموته جرّاء هذا الوباء، بل لأنك اشهرت المحبة والخلاص بوجه الخطيئة لتنعم البشريّة بالسلام.
يَارَبّ
إنّ البعض من إخوتي البشر يتصورك قد أحلت نفسك على التقاعد ولم تعد تأبه بأمر الأرض ولا تكترث لمصائبنا!
وربّما الكثيرون يتصورونك إلهًا متعاليًا، يتطلع إلينا من علياء سمائه ويراقبنا كالشرطي الذي يدقق في الصغيرة والكبيرة، في الزائدة والناقصة لكي يسجل الغرامات! ولعلّهم يزيدون
: إنّه يسجل كلّ تحركاتنا ليعاقبنا في الأرض ويحاسبنا يوم الدين!!
والبعض الآخر سمحَ لنفسه أن يكونَ كمعاصيرك، إذ كانوا يسمعونك ولا يصغون،ينظرونك ولا يبصرون، يكرمونك بشفاههم، أما قلوبهم فأقسى من الحجر، ولم يكتفوا بهذا القدر، بل اقتادوك إلى الجلجلة وقتلوك مصلوبًا.
ولعلّ من أكثر الأمور التي لا أطيقها، حين يصورك البعض، إلهًا قاسيًا لا قلب له، بل بعبعًا، جلادًا وديكتاتورًا على البشريّة يحركها كما يشاء!
فيالتعاسة ذلك الإنسان لو صدقهم ورضخ لتصوراتهم الباطلة.
فإن نسيتُ لن أنسى أنّ الحبّ الإلهي عاجزٌ عن القيام بأعمالٍ تخالف المحبة، ليس ضعفًا أو لعدم القدرة، بل أبوةًَ وحُبًّا، لذا أجدك في الإنجيل تتناسى بطيب خاطر خطايانا ولا تنبش في أرشيف معاصينا، بل تُصابُ بالنسيانِ وفقدان الذاكّرةِ، ونسيانك
ليس نسيان المرض أو الشيخوخة، بل نسيان الرحمة الأبويّة.
فيا يسوع يا شهيد المحبة وإله النور والحياة
إنّ الانسانيّة تصرخ إليك كما نادى عليك أعمى أريحا ( ارحمنا يا يسوع...)
فخذ جبلةً من أديم الأرض
وابصق فيها
وكحل بها عيون عالمنا
لتعود الحياة للحياة
رغم أنف كورونا وصُناعها.
هذا كلّ ما وددت أن أقوله لك يا يسوع وأوضحه عنك. بقي لدي رسالة أُخرى لا أسوقها إليك مباشرة، بل أهمسهُا كعادتي في أُذن أمّك وأمّنا القدّيسة مريم العذراء،
يقينًا مني أنّك لا ترد لها طلبًا، كما فعلت في عرس قانا الجليل،
فهي خير شفيع لنا وعزاء،
أبلغها إياها على لسان البشريّة قاطبة
لتستودعها بدورها الأمومي في قلْبك الحنون:
يا مريم
يا سلطانة الأرض والسماء:
عالمنا اليوم أمسى مثل لعازر
قد طواه الموت،
بفعل فاعل تُصعب رؤياه، يدعى كورونا.
لقد انحجب النور وحلّ الظلام.
اسألي ابنك المخلص يسوع (عمانوئيل- الله معنا)،
الذي غلب العالم، أن يرفعَ الحجر
وينير الظلمة بنور الحياة،
لأنه نور الحياة في حياتنا...
فهو الذي وعدنا في إنجيله المُقدّس :
" لا تخافوا....أنا معكم إلى انقضاء الدهر" آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق