التنمر: قصة قصيرة/ محمد ياسر عبوشي



كان ذلك اليوم ، يومٌ عصيب، فيه اقصى درجات التوتر، لم ارد أن يأتي ابداً،  ملأ الحزن داخلي، وخُلِّد في ذاكرتي حتى مماتي، رحل اقرب الناس إلى قلبي.
         كنت التقي بها (بانا) كل يوم على مدار العطلة الصيفية، بعد انتهاء الدوام المدرسيّ، كنت أراها تلك الفتاة التي تمنيتُ  أن اكمل حياتي معها، لمواهبها التي تجسد عكس الواقع الذي تعيش فيه، كنت أحل لها المشاكل التي تواجهها واشجعها على مواجهتها، حتى باتت قوية ترد الضربات التي تأتيها وتعكسها في وجه من تسبب بها.
         لكنها لم تخبرني عن مشكلة قد أصابتها وانتشرت فجأة في الفصول الدراسية وتعرف بظاهرة (التنمر) حيث كان الأكبر منها سناً يسخرون منها ، ويظهرون عيوبها، غم تقبلها لذاتها وقوة شخصيتها؛ لكن كثرة الإلحاح عليها وكثرة سؤالها بِ(لماذا انتِ هكذا؟) ، أضعف مع الايام ثقتها بنفسها، وجعلها متعكرة المزاج، مترددة القرار، فلم تعد تلك الفتاة التي طالما عرفتها قوية.
        أصبحت أراها شاحبة الوجه، مزرقة الجفون، دموية العينين، وجسدها اصبح نحيلاً يشبه عود الأسنان، أسألها عما بها لكنها لا ترد .
 خططت للسفر للدنمارك لأخذ استراحة قصيرة مع العائلة، وسرعان ما أردت إخبارها اتصلت بي وقالت (وهي باكية): مرحبا.
ـ    اهلاً.
ـ أين انت؟
ـ  في البيت، ما الأمر ؟ ولماذا تبكين؟ ما بال صوتك؟

 ـ  لا شيء فقط أريد التحدث معك بموضوع مهم، أريد مقابلك في اقرب وقت ممكن؟
ـ    حسناً، سآتي في اقرب وقت، وأريد أيضا أن أُفاجئكِ بشيء.
ـ    حسناً سأكون بإنظارك.

     بعد ساعات قليلة، أنهيت حزم أمتعتي للسفر وذهبت لالتقى بها، كان الحزن وعلامات  الإرهاق والتعب بادٍ على وجهها، وكأنها لا تشبه (بانا) التي اعرفها، فتساءلت عن السبب . 
فقالت: لقد تعرضت للتنمر في المدرسة وقام الجميع بالسخرية مني.
ـ    كيف حدث هذا؟ ومنذ متى؟ وأي عيوب تتحدثين عنها؟
ـ    لقد أتت عندي زميلاتي الطالبات ، ووصفنني بالسمينة، وفي اليوم التالي، اخبروني ذاتهم بأن تسريحة شعري غبية وليست جميلة، ومضوا ينعتونني بالبلهاء والحمقاء وكلما هددتهم  بنيتي إخبار معلميّ كنت أتعرض للتهديد منهم، واستمروا على هذا الحال شهرين ونصف، لكنني لم اعد أتحمل ابدآ.
ـ    ولِمَ لم تخبريني بهذا منذ ذلك الحين؟
ـ    لم أرد ان أوقعك في مشاكل كونك صديقي ليس اكثر.
ـ    اذن لماذا لم تخبري اهلك بذلك ؟ هم اخبر بكفية علاج الأمر؟
ـ    لا، لا أريد فإن والديّ سيظنون بأني اكذب و أوقعهم بمشاكل في المدرسة، الآن دعك مني  بماذا ستفاجئني؟؟
ـ    سأسافر صباح الغد إلى الدنمارك مع عائلتي لمدة أسبوع؛ لكنني سأبقى لأحل مشكلتك.
ـ    لا لا تبقَ، اذهب وانا سأخبر والديّ، أعدك بذلك، وعند عودتك سأكون كما عرفتني من قبل، لا تقلق سأكون بخير.
ـ    حسناً، لكن إن احتجتني سأتدخل متى اردتِ.
ـ    حسناً سألقاك بعد عودتك بالسلامة.   
سافرت وعدت بعد ثلاثة أيام لالتقي بها، فكرت كثيرا بمشكلتها، لم أرد إخبارها بعودتي لأجعلها مفاجئة، وعند وصولي لبيتها وجدت باب منزلها مفتوحاً، وعدداً كبيراً من الناس المتجمعة في الداخل ويبكون ويرتدون اللون الأسود، سالت احدهم: ما الذي حصل ؟ ولماذا هذا البكاء كله ؟
ـ     ابنة صاحب المنزل انتحرت ـ والدموع في عينيه ـ
شعرت بصعقة كالكهرباء، وتسارع دقات قلبي كان اشبه بسباق دراجات نارية، لم اصدق ذلك ودخلت لِأرى جسدها الممتلئ بالدماء ملقياً على الأرض، وباشرت بالسؤال.
ـ     كيف ذلك؟ ولماذا؟ وأين؟ (والصراع داخلي بين الأف الأسئلة المتضاربة برأسي)

ـ لقد انتحرت بإلقاء نفسها من على سطح بناية مكونة من ثلاث طوابق جرّاء التنمر الواقع عليها من زميلاتها بالمدرسة.
جلست لوحدي والتساؤلات في رأسي تزداد اكثر فاكثر وتؤرقني، وتساءلت لو أتيت في الوقت المناسب لكنت استطعت انقاذها، لكنني لم انتبه أنها قد أرسلت لي رسالة حال وصولي إلى الدنمارك؛ ونصت على ما يلي:-
( مرحبا صديقي، أنا بانا واردت أخبارك بانك لن تجدني بعد الآن لأنني سأموت بعد يومين، لم استطع تحمل ما يحدث لي، اخبرت والديّ فسفها الأمر، لم اعد أتحمل هذا الوضع ، ثم حاولت اخبار معلمتي فقامت  بضربي وسط ساحة المدرسة، وأصبحت مهزلة للجميع، لا مفر من الموت هو افضل خيار، لا أريدك ان تحزن سأكون افضل حالاً، وداعاً)

   انتهيت من قراءة هذه الرسالة وأحسست بأني مشارك في جريمة موتها ؛ لم اهتم لما تعرضت له  كثيراً رغم انني نصحتها، وبدأت التفكير بكل الجوانب وإذ بعاصفة افكاري تضرب بي من كل النواحي، فأمسيت اكره نفسي واكره هذه الحياة.

 / فلسطين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق