أهمية الملكية الفكرية في تطوير المجتمع/ المحامي شادي خليل أبو عيسى

رئيس المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية - فِكر ICIP

عندما يتوهج نشاط العقل، تبدأ مسيرة الحضارة.
من هنا، يقتضي التركيز على الابداع الفكري بكافة وجوهه وأبعاده الذي يساهم في إرساء الثقافات كافة. لذلك، يقتضي ايجاد قوانين شاملة تواكب التطورات التكنولوجية بعيداً عن القواعد التقليدية العادية.

إن الملكية الفكرية هي المنتجات ذات الطبيعة المعنوية أو الفكرية، وغالباً ما تفسر على أنها حقوق الطبع أو النشر، وتوابعها من حقوق إنتاج أو إذاعة أو ابتكار، وهدف هذه الحقوق هو تقديم معلومات لأجل تقدم المعرفة والصناعة بصورة عامة.
كما يتلخص جوهر حماية الملكية الفكرية في أنها تعطي للفرد حقّاً لحماية ما ابتكره، وتمكنه من التصرف به، وتمنع عن غيره التصرف في هذا الابتكار إلاّ بإذنه، وتقوم الدول بصيانة هذا الحق، فتعاقب كل من يعتدي عليه - عادة!!-. كما أن هذه الحماية تنسحب أيضاً على المستهلك بحمايته من التضليل والإيهام والخداع. ولاشك أن هذه الحماية تعد أحد العوامل الأساسية في إرساء دعائم الاقتصاد الوطني للدول، وتحقيق مكانة مرموقة على الصعيد العالمي.
ولا يخفى أن المعلومة هي احد ثمرات فكر الانسان التي تتحول إلى رصيد معرفي تستقي منه البشرية كل ما هي بحاجة إليه لتيسير سبل الحياة. لذلك، فإن من أهم التحديات المطروحة خلال هذا العصر، هي بناء نظام قانوني مترابط ومتوازن يحوي متغيرات النموذج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي مع ضمان الحريات والحقوق الأساسية في العالم الرقمي. وان تأمين الحماية الفعلية للملكية الفكرية سيكون حافزاً لكل مؤلّف ومنتج ومبتكر للانتاج أكثر.

 مقاربة تهميدية لحقوق المؤلّف 

إن الحق الفكري أو الذهني حق يتربع بدون منازع على عرش كل الحقوق، ويحتل مركزاً بارزاً ضمن حقوق الملكية. 
ولحق المؤلّف وجهان: أحدهما أدبي أو معنوي، والآخر مادي.
فالحقوق المعنوية تخوّل صاحبها مزايا أدبية يراد بها حماية المؤلِّف باعتباره خلقاً لصيقاً بشخصيته، وتكون له أبوته والهيمنة عليه. أما الحقوق المادية فتخوّل صاحبها مزايا مالية تتيح له الاستئثار بثمرة جهده المادية، فيكون له حق استغلال مصنفه.
ونظرا للأهمية المتزايدة للحقوق الفكرية، فقد طالبت المنظمة العالمية للملكية الفكرية جميع الدول إلى سَنّ القوانين المنظمة لهذه الحقوق وذلك من أجل تشجيع النشاط الابتكاري والإبداعي .
وفعلاً، ومن أجل النهوض بالصناعة والتجارة والأدب، أخذت الدول منذ القرن التاسع عشر تسن القوانين التي تكفل الحماية لعناصر الملكية الفكرية حتى غدت من أحدث فروع القانون، لكونها تعالج الحديث في العلوم والتكنولوجيا، ولا يخفى أنهما يشكلان حجر الزاوية في أي تطور أو تفتّح في مختلف مناحي الحياة في أي مجتمع كان . ولم يقتصر نشاط الدول على التشريعات الداخلية بل أدى التطور الاقتصادي والتنافس التجاري والإبداع الفكري إلى تنظيم دولي للملكية الفكرية.
وعن أهمية الملكية الفكرية، نشرت صحيفة " الهيرالد تريبيون " في افتتاحية عددها تاريخ 17/9/1987، هجوماً على " جورج بايدن " (مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية)، حيث أوردت الآتي: " ان سمعة بايدن الصاعدة كخطيب مفوّه أخذت تشوبها شوائب الظن عليه بسرقة تعابير من خطاب غيره "، مشيرة إلى ذلك بقولها ان " بايدن " قد اقتبس عدة أسطر من خطاب الزعيم العمالي البريطاني " كينوك " . وان هذا الأمر أدى إلى اعلان " بايدن " في 22/9/1987 انسحابه من معركة الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي وحل مكانه المرشح " دوكاكيس ". ولعل هذه الحادثة تعتبر من أبرز قصص الفشل السياسي بسبب الاعتداء على حقوق المؤلّف. ولم تقتصر أهمية الملكية الفكرية على المستوى السياسي فقط، بل تعدّته لتشمل كافة نواحي الحياة الأخرى، الفنية والاجتماعية والأدبية والاقتصادية، حيث يجد المتابع للساحة الفنية والأدبية تعرّض العديد من الأدباء والفنانين والمبتكرين للعديد من صور انتهاك حقوقه التأليفية المتمثلة في الجمل اللحنية المسجلة باسمه، الأمر الذي يضرّ بالابداع وحقوق المؤلّف . وإن عدم وجود الحماية لا يشجع المخترعيين والمبدعين على البحث والاختراع، بل يدفعهم، وهم القوة الابداعية للوطن، إلى الهجرة إلى بلدان تصون فيها حقوقهم وتدعمهم في اطار مواهبهم وملكات عقولهم .
وإن تحويل المؤلّفات التقليدية إلى لغة رقمية أو خلق المؤلّفات مباشرة باللغة الرقمية، لا يعني في أي حال كانت، أنها ستصبح حرّة من الحقوق خاصة أنه لا يجوز قبول هذه المقولة عندما نعلم أن المجتمع المستقبلي هو " مجتمع الكل الرقمي ".
وهناك اشكالية مهمة تتعلق بالآتي: هل المؤلّفات المنشورة بشكل رقمي على شبكة الانترنت تخضع للحماية القانونية؟ وهل يمكن للأنظمة القانونية العامة السائدة أن تكون كافية لحماية تلك المؤلفات أو المعلومات ؟ مع الاشارة هنا، إلى أن دراسات المعلومات تتضمن أيضاً جانباً فنياً صرفاً يحتّم الاستعانة بالخبراء والفنيين والتقنيين.
إنها اشكالية مثيرة للجدل، لكنها حقيقية وتعكس ما يدور في الكليات والندوات العلمية سيما مع بروز شبكة الانترنت بصورة متقدمة ودخولها كل منزل ومكتب وادارة ومؤسسة تروبية بشكل لم يعد من الممكن التخلي عنها أو تجاهلها. فتزايد عدد مستخدمي شبكة الانترنت أدى إلى التزايد المستمر لعمليات الاحتيال والقرصنة عبر هذه الشبكة. 

نطاق تطبيق حماية حقوق التأليف على شبكة الانترنت

إن موضوع الملكية الفكرية يكتسب رعاية بالغة من حيث كونه يتعلق بمسألة حساسة وخطيرة، ويزيد من أهمية الموضوع التطورات الهائلة الحاصلة في مجالات التكنولوجيا والابتكارات، الشيء الذي ينجم عنه ظهور وسائل جديدة ومتطورة لتبادل المعرفة بطرق سهلة وفعالة.
وتزداد الأهمية التي توليها الدول حالياً بمجال الملكية الفكرية انطلاقاً من الدور الذي يلعبه في تنشيط حركة الاقتصاد العالمي وما يحققه من مداخيل مالية كبيرة.
كما ظهرت أهمية موضوع الملكية الفكرية من خلال الاهتمام الذي أصبح يولى له من طرف علماء الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتربية والقانون.

1-  التعدي على الحق في الصورة / " تصوّر وانتبه عل صوره " :
الحق في الصورة من الحقوق اللصيقة بالشخصية. وقد أصبح الفرد معرّضاً للانتهاك في سمعته وكرامته وصورته في ظل التكنولوجيا وبث ونشر الصور بلحظات عبر شبكة الانترنت.
فلا تقف الصورة عند حدود التجسيد المادي لشخص، بل تتعداه لتشكل شخصيته وكيانه وخصوصيته وانفعالاته. فلا يحق لأحد، مبدئياً، بث صور أو تصوير أحد وبثها من دون موافقته. فالحرية الشخصية محفوظة ضمن الدستور اللبناني. وبما أن لبنان ملتزم بمواثيق الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان، عندها يقتضي بطبيعة الحال حماية الحق في الصورة واعتبارها ضمن الحقوق الفردية التي لا يجب التفريط بها.
وعلى المستوى الدولي ، ظهرت عدة آراء لتحديد الطبيعة القانونية للحق في الصورة. فذهب البعض إلى اعتباره ضمن حق الملكية، والبعض الآخر اعتبره حق مؤلّف، ورأي آخر ذهب إلى اعتباره حقاً مختلطاً بينهما. 
وقد اعتبر البعض أن الإذن الوارد على التصوير بهذا المعنى يشبه الإذن الذي يعطيه المريض للطبيب بإجراء عملية جراحية متنازلاً بذلك موقتاً واستثنائياً عن الحق في سلامة جسده.
فالسلامة المعنوية للشخصية تقتضي الاعتراف للفرد بحق على صورته التي تعكس كيانه المادي وتعبر عن مظهر شخصيته .

أ‌- قضية استعمال صورة شخص من قِبل مصرف من دون إذن صاحب الصورة:
تطرق القرار رقم 273/2010 الصادر عن محكمة الدرجة الأولى المدنية في بيروت (الغرفة السادسة)، إلى مسألة التعدي على الحق في الصورة وبثها عبر شبكة الانترنت. فقد اعتبرت هذه المحكمة أن التعدي على الحق في الصورة ينتج في كل مرّة يقدم أحد الأشخاص على استعمال هذه الصورة دون الحصول على إذن صاحبها الصريح أو الضمني. فمجرد استعمال صورة دون إذن صاحبها يستوجب الملاحقة القانونية وإن لم يتضمّن ذلك إساءة إلى الشخص، ودون أن يُشترط في مستعمِل الصورة أن يتصرف بسوء نية بحيث تكمن المطالبة بوقف هذا التصرف وبالتعويض في حال ثبوت الضرر. وهنا، سنتطرق بصورة موجزة إلى مضمون القضية التي تم عرضها على محكمة الدرجة الأولى في بيروت: 
يطلب المدعي إلزام المدعى عليه (المصرف) بأن يدفع له مبلغ 200.000 ألف دولار أميركي كتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية اللاحقة به نتيجة إقدام هذا الأخير على استعمال صورته في أحد اعلاناته دون إذنه، مما يشكل تعدياً على حقوقه الشخصية المكرس حمايتها في الدستور وفي قوانين الموجبات والعقود والملكية الأدبية والفنية.
إن الصورة المشكو منها قد التقطت للمدعي في أواخر التسعينات، وقد قام المصرف المدعى عليه باستعمالها للترويج لاحدى خدماته المصرفية. وإن المدعي قام بتاريخ 11/11/2003 بتوجيه انذار إلى المدعى عليه بوجوب التوقف عن استعمال صورته، ثم أتبعه بإنذار آخر بذات المعنى تبلغه المصرف بتاريخ 23/1/2008. وخلال التحقيق، أقر المصرف أنه كان يستعمل صورة المدعي على موقعه الالكتروني. وقد تبين للمحكمة أن المدعى عليه (المصرف) استمر في استعمال صورة المدعي حتى بعد تبلغه الانذار الأول عام 2003 ولغاية العام 2008. وتبين استمرار المدعى عليه باستعمال صورة المدعي لمدة خمس سنوات امتدت من العام 2003 ولغاية العام 2008 بالرغم من إنذار هذا الأخير له بوجوب التوقف عن هذا الاستعمال، مما يشكل تصرفاً خاطئاً من قبله وتعدياً على حق من حقوق المدعي الشخصية المتمثل في حقه بصورته. واعتبرت المحكمة أن هذا التعدي قد ألحق بالمدعي أضراراً مادية متمثلة باستعمال صورته في اعلان دعائي لمدة خمس سنوات دون أي بدل أو تعويض، كما اعتبرت المحكمة وجود ضرر معنوي متمثل بالألم النفسي نتيجة استعمال صورة المدعي دون رضاه وموافقته. وبنتيجة الأمر، ألزمت المحكمة المدعى عليه بأن يدفع للمدعي مبلغاً وقدره 75 مليون ليرة لبنانية مع الفائدة القانونية تسري اعتباراً من تاريخ إبرام هذا الحكم.

ب‌- قضية عارضة الأزياء استيل هوليداي:
وفي موجز عن القضية، قام الصديق السابق للعارضة "استيل " بالتقاط صور لها وهي في السابعة عشرة من عمرها، وتعمّد نشرها بعد بضع سنوات في احدى المجلات. فقامت عندها عارضة الأزياء بمقاضاة المجلة التي نشرت صورها من دون اذنها. وقد قام أحد القراء بنسخ هذه الصور بآلة " السكانر " ونشرها عبر شبكة الانترنت. عندها، ونتيجة التحقيق، طلب رئيس محكمة باريس الابتدائية بقرار معجل بتاريخ 9/6/1998 سحب هذه الصور تحت طائلة دفع غرامة مالية تصل إلى مئة ألف فرنك فرنسي يومياً تلزم الشركة المزودة بالموقع الالكتروني الذي يعرض الصور الإباحية ومن ضمنها صورة " استيل ".
وفي مرحلة الاستئناف، ألغت محكمة باريس القرار الابتدائي بحكم صدر في العاشر من شباط من العام 1999، وألزمت فيه مزود خدمات الانترنت بدفع مبلغ 300.000 فرنك كتعويض عطل وضرر بصورة موقتة وأخضعته لتدابير مختلفة مثيرة بذلك سجالاً حول مسؤولية الوسطاء التقنيين في ميدان الانترنت .
  
2- النصوص الرقمية 
إن النصوص المدرجة في شبكة الانترنت بالصيغة الرقمية  تكون محمية بمقتضى حق المؤلّف إذا تحقق شرط الابتكار في أي نوع من تلك النصوص (سواء أكان نصاً أدبياً، علمياً، فنياً...) ومهما كان حجمها (عدة أسطر، عدة صفحات)، ومهما كانت الدعامة المثبتة فيه (ورقة، أسطوانة، أسطوانة ليزرية، موقع على شبكة الانترنت...).

3- الأعمال السمعية والبصرية
يدخل ضمن الأعمال السمعية المحمية بمقتضى حق المؤلّف، المؤلّفات الموسيقية كالأشرطة والاسطوانات الموسيقية سواء أكانت مصحوبة أو غير مصحوبة بكلام . ويتوجب لاشتمالها بالحماية في شبكة الانترنت أن تكون نتاج جديد مبتكر موضوع مباشرة عبر الأرقام وإما أن يتم بترقيم مؤلّف موسيقي موجود مسبقاً.
إن " ثورة " التكنولوجيا أدت إلى انتشار كبير لمواقع " الويب " المتخصصة في نشر المؤلّفات السمعية والبصرية وذلك بسبب استخدام تقنيات مبتكرة في تكثيف الملفات الموسيقية وتخزينها وتبادل الآلاف منها عن بعد، ونجد أن تقنية الـ MP3 ساعدت بشكل كبير على تسهيل انتشار الملفات الموسيقية واستغلالها . وقد برزت قضية ملاحقة موقع " أم.بي.ثري " بتهمة خرق حقوق الملكية الفكرية، إذ قام هذا الموقع بنسخ خمسة آلاف من التسجيلات الموسيقية التي تعود لشركة " يونيفرسال "، وتم تغريم الموقع الالكتروني المذكور . كما اعتبرت محكمة جنح الدقي في مصر، في حكمها الصادر بتاريخ 3/4/2001، أن تحميل الموسيقى والأغاني على الانترنت من دون إذن يعتبر اعتداء على حقوق أصحاب الأغاني والموسيقى، وأقرّت أن الفعل المرتكب معاقب عليه جزائياً .
ونجد أيضاً أن فئة الأعمال البصرية تكون مشمولة بحماية حق المؤلّف طالما أنها مبتكرة. لذلك يمنع مثلاً نشر أي فيلم مصور على شبكة الانترنت دون الحصول على إذن مسبق ممن له حقوق على هذا الفيلم وإلاّ فإن مثل ذلك العمل يشكل انتهاكاً لحق المؤلّف .

4- مواقع وصفحات شبكة الانترنت 

تعتبر حقوق الملكية الفكرية واحدة من أهم محركات الاقتصاد الدولي الحديث، وأحد أبرز ملامحه، في وقت برزت فيه حاجة الكثير من الدول في بناء وتعزيز قدرتها في هذا المجال بشكل عام، خاصة مع الثورة المعلوماتية، وفي ظل وجود المحتوى الالكتروني الرقمي، حيث برزت حاجة أكبر لمعرفة الاطار القانوني لحماية المواقع الالكترونية وما تتضمنه من حقوق فكرية، ومحاولة الحد من انتهاكها .
وبمقتضى بروتوكول الانترنت الذي يختص بعنونة البيانات في الشبكة، يتم التعرف على الحاسبات الآلية الموصولة بشبكة الانترنت من خلال عناوين عددية حيث لكل حاسب آلي أو موقع أو موزّع serveur موصول بها عنوانه الوحيد الخاص به  Address IP . لذلك كان لا بد من نشوء نظام تسمية العناوين في شبكة الانترنت العالمية.
وبالنسبة لصفحة الويب، فهي تعود إما إلى نصوص أو صور او أصوات أو رسوم موجودة في الموقع، وليس ما يوجب استبعادها من نطاق الأعمال الفكرية المحمية تحت لواء حق المؤلّف إذا كانت مبتكرة، وإما أنها ستشكل قاعدة بيانات وستكون محمية وفق الحماية الخاصة المقررة لقواعد البيانات.
بالنسبة للقانون اللبناني، فقد أضاف برامج الحاسب الآلي إلى لائحة الأعمال المشمولة بالحماية ، كما أضاف أيضاً قواعد البيانات سواء أكانت في شكل مقروء آلياً أو في أي شكل آخر ، نجد أنه يمكن الارتكاز على المادتين الثانية والثالثة في القانون اللبناني، لكي نمنح مواقع " الويب " في شبكة الانترنت المبتكرة حماية مماثلة لسائر أعمال الفكر التي يحميها هذا القانون. يبقى أن نشير هنا، إلى أنه ما يتمضنه موقع الانترنت من صور ونصوص وموسيقى وسواها تظل موضوع حماية لكل منها إما بمقتضى حقوق التأليف أو الحقوق المجاورة، وإما بمقتضى القوانين الأخرى التي تحمي الملكيات العلمية والصناعية والتجارية.

خلاصة عامة

إن دراسة الحماية القانونية لحقوق المؤلّف، تدفعنا إلى استخلاص نتيجة غير واضحة سيما مع ما يمارس من انتهاكات وخروقات لحقوق التأليف محلياً ودولياً.
ورغم أن الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الصادر بتاريخ 10/1/1948، الذي يؤكد على أن لكل شخص حقاً في حماية مصالحه والملكية المرتبطة بابداع عمل فكري، إلاّ أن التطبيق العملي قد لا يحترم هذا المبدأ الأساسي عبر ظهور عمليات القرصنة الفكرية وتقليد المصنفات والمزاحمة غير المشروعة وسواها من الخروقات المهددة لحقوق المؤلّف.
لذلك، يقتضي ايجاد تشريعات تواكب التطور التكنولوجي وايجاد محاكم متخصصة في مجال حماية الملكية الفكرية وتنظيم دورات تدريبية بالتعاون مع منظمات دولية متخصصة للقضاة والمحامين ولكافة موظفي مصلحة حماية الملكية الفكرية والمؤسسات الأمنية والجمركية ونشر ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية في المدارس والكليات والادارات والجمعيات والبلديات والوزارات وعبر كافة وسائل الاعلام. أضف إلى ذلك، ضرورة توفير وتطوير الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية ومكافحة جرائم المعلوماتية والتعاون الفعلي الدولي في تحقيق هذه الحماية بصورة شاملة.
فرغم كافة التشريعات الوضعية والدولية والاتفاقيات المتعددة، فإن مخاطر انتهاك حقوق المؤلف في توسع وهي تتبع أساليب متطورة يصعب القضاء عليها. ولكن، علينا دوماً السعي بكل أمل وتفاؤل نحو ايجاد تقنيات شرعية للتخفيف من مخاطر القرصنة على أنواعها.
وعن أهمية الدور الذي تلعبه الملكية الفكرية على المستوى الدولي، وان انتهاكها قد يؤدي إلى أزمات سياسية ودولية، نذكر حادثة القرار رقم 242/1967 الذي كان مجالاً للنزاع بين كل من اللورد كاردون مندوب المملكة المتحدة في الأمم المتحدة وجورج براون وزير خارجية المملكة المتحدة، إذ تنازع الطرفين على ملكية نص هذا القرار. وفي حوار بين الدكتور جورج جبور واللورد كاردون، قال له هذا الأخير: ان النص له وليس للوزير براون، وان مجرد موافقة وزير الخارجية على نص اقترحه مندوب المملكة المتحدة في الأمم المتحدة لا يجعل لرئيس الوفد (أي وزير الخارجية) صانعاً للنص الذي لقي اجماعاً دولياً .
فالابداع الفكري هو من ركائز أي اقتصاد يسعى إلى النمو والازدهار، وان تطبيق الأنظمة والتشريعات بصورة فعلية يشجع على الابداع الوطني وعلى التنمية والتقدم في المجتمع. ولقد قال رينيه كاسان:" علينا أن نضفي حمايتنا على أولئك الذين ستظل بفضلهم شعلة الذكاء البشري الخلاق متوهجة، مثلها في ذلك الشعلة المقدسة التي حصل عليها بروميتوس من السماء، لكي تدفئ قلوب البشر وتنير لهم الطريق ".
فالحماية الفعلية هي البيئة التي تستقطب الاستثمار وتجذب التقنية، ولا يوجد وصفة سحرية تضفي الحماية وإنما هناك جهد مطلوب لتحقيق الهدف مع الحفاظ دوماً على مبدأ حقوق المؤلف وحق الانتشار الثقافي معاً وبصورة متوازية وللمؤسسات التربوية الدور البارز في نشر ثقافة الوعي الحقوقي في هذا المجال.
لذلك، يقتضي ادخال مادة الملكية الفكرية ضمن المناهج التربوية نظراً لأهميتها في تطوير المجتمع. إذ عندما نعلّم الطلاب ضرورة احترام فكر غيرهم ومؤلفات غيرهم، عندها سيكون لنا في المستقبل نخبة من الأجيال الصاعدة التي تحترم فكر الغير وتحافظ على الوطن وتطوره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق