جيش الانقاذ الاغترابي/ جورج الهاشم

من منافع الكورونا انها عوَّدتني على رياضة المشي. قكل صباح أمشي أكثر من ساعة مع الطبيعة والخيال. ومن صفات الخيال الجموح حتى الغوص في ضرورة نسف الوضع اللبناني المستعصي على الاصلاح. فعقود من ممارسات طبقة سياسية مجرمة، هل يُعقل معالجتها بساعة خيال جامح؟ لا شيء يستعصي على الخيال حتى يصبح واقعاً.                        
هذا الصباح الخريفي الرائع تخيَّلت نفسي، على رأس جيش كبير من المغتربين الذين خانتهم هذه الطبقة السياسية منذ ان ادّعت ان اللبناني طَموح، مغامر يحب استكشاف المجهول مثل أجداده الفينيقيين. ولم تقل الحقيقة انها اقتلعته من جذوره بسبب حروبها وفسادها وبسبب الفقر والتخلّف اللذين زرعتهما في كل شبر من لبنان نتيجة قيادتها "الحكيمة". ولم تقل انها غرست في قلبه جرح فراق لا يندمل، وانه عاش ويعيش على امل زيارة لبنان الذي كان جميلاَ في يوم من الأيام. وخانتهم مرة ثانية عندما اعتبرتهم بقرتها الحلوب  التي تدعم اقتصادها المتسارع نحو الهاوية. وخانتهم عاشراً عندما سرقت جني عمرهم بعد ان اودعوه في مصارفها تماشياً مع الحكمة البلهاء: القرش الأبيض لليوم الأسود. فالبياض لم يعرفه قرشنا أبداً. بل عرف لون القهر والتعب والعرق والدم. جمعناه بالتقتير على أأنفسنا وعلى عائلاتنا أملاً ان يسندنا في أيام الضيق أو أيام العودة والاستقرار وتأمين شيخوخة لم تهتم هذه الطبقة يوما في تأمينها. هذا القرش سرقته هذه الطبقة كما سرقت أحلامنا. لذلك يحق لكل المغتربين تشكيل جيش جرّار سلَّموني قيادته لاسترداد حقوقهم المسلوبة وحقوق أهلهم في لبنان.           
فور وصول جيش الانقاذ الاغترابي الى لبنان فرض سلطته على المطار والمرفأ وكل المعابر غير الشرعية ليمنع ليس فقط التهريب والمتاجرة بقوت اللبنانيين بل لمنع أفراد هذه الطبقة من الهرب. ألقينا القبض على جميع الرؤساء والوزراء والنواب، الحاليين والسابقين، وعلى حاكم مصرف لبنان ورؤساء المصارف، وعلى المدراء العامين والطائرات الخاصة وموظفي الدرجة الاولى وكبار المستشارين وعلى كبار رجال الدين ورؤساء الأحزاب وقياداتها، وعلى كبار المقاولين، وعلى كبار الصحافيين وملأنا بهم السجون بعد أن أفرغناها من جميع المساجين العاديين. شمّرنا عن سواعدنا وبدأنا ورشة الاصلاح.                                   
القرار الأول: اقالة جميع القضاة على امتداد الجمهورية اللبنانية. واعادة فتح الباب للمؤهلين منهم حسب شروط جديدة وآلية وأخلاقية جديدة. فنعيد لا أكثر من عشرين بالمئة منهم. نعطيهم مهلة اسبوع واحد لوضع آلية استقلالية القضاء والسير بها. ثم نعطيهم فرصة ستة أشهر للتحقيق مع جميع الموقوفين. فمن تثبت عليه سرقة المال العام أو الفساد أو الرشوة أو الهدر او استغلال الوظيفة لمنافع شخصية أو كل ما سبق تُصادر جميع أمواله المنقولة وغير المنقولة في الداخل ونلاحق أمواله وممتلكاته في الخارج ونفتح تحقيقاً مع كل المحيطين به، ويرمى في السجن مدى الحياة. أما اذا أثبت القضاء براءته فيعود شامخ الرأس الى الحياة العامة ويمارس دوره بسجل نظيف ويفاخر بانه ليس واحداً منهم.                                    
القرار الثاني: بالتزامن مع القرار الأول نشكِّل حكومة من ثمانية وزراء مستقلين. نعطي كل وزير مهلة شهر واحد لإجراء احصاء شامل قي الوزارة: عدد العاملين الفعليين، أماكن التضخّم وأماكن النقص، مكامن الهدر، المشاريع الفعلية والوهمية، ميزانية الوزارة وخطة خمسية للنهوض. تقرّها الوزارة مجتمعة ويحاسب الوزير على حسن سير العمل أو عدمه.  
القرار الثالث: إلغاء التفاوض مع صندوق النقد الدولي. والاقرار الفوري للضمان الصحي لجميع المواطنين والتعليم الالزامي المجّاني ومعاش شهري لكبار السن والعاطلين عن العمل. وتحديث المستشفيات والمدارس، وتفعيل مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي وكل المؤسسات، ودعم المشاريع الزراعية والصناعية والسياحية على امتداد مساحة لبنان...     
القرار الرابع: تنفيذ كل مشاريع البنى التحتية من طرقات ومجارير صحيّة في كل المناطق، والكهرباء، واعادة النظر في مشاريع السدود، والاتصالات، والنفايات، والاملاك البحرية والنهرية والمشاعات، وإلغاء المرامل والكسّارات، والمحافظة الفعلية على البيئة، وتنظيف مجاري الأنهر، واعتماد سكك الحديد والنقل البحري لربط المناطق اللبنانية، وتحديث النظام المصرفي، وتلزيم كل المشاريع بالمناقصة العلنية الشفّافة...                                     
القرار الواحد بعد المئة: بعد سنتين من تفرّغ جيش الانقاذ الاغترابي لهذه المهمة، وبعد ان تتأمّن الكهرباء 24/24، وبعد ان تعود المياه نقية والهواء كما تركناه منذ خمسين سنة، وينعم لبنان باكتفاء ذاتي صناعي وزراعي ويصدِّر الفائض، ويصبح جنّة سياحية، وبعد ان يميل الميزان التجاري لصالحه... وبعد اقرار قانون انتخابات نسبي وخارج القيد الطائفي،  على أساس لبنان والمغتربات دائرة انتخابية واحدة... عندها تجري حكومتنا انتخابات نيابية عامة ونسلّم السلطة للفائزين ونرحل.                                                                                       
 وقبل التسليم والرحيل لا بدَّ من كلمة نوجهها الى المقيمين: أيها اللبنانيون، إذا أعجبكم هذا الحلم بدولة مدنية علمانية عادلة رسمتُ بعض ملامحها أعلاه، فتفضّلوا وانزلوا الى الشارع ولا تخرجوا منه قبل تحقيق الحلم. فجيش الانقاذ الاغترابي لن ينجدكم. والسبب بسيط: فمعظم المغتربين المستعدين للموت دفاعاً عن لبنان أصبح، ما تبقى لهم من عمر، يتعكز على أدوية القلب والضغط والسكري والكسترول والروماتيزم. ربما يصلحون لتشكيل جيش انقاذ اقتصادي متى عادت ثقتهم بدولتهم. ولن تعود الا بعد الاطاحة بهذه الطبقة.  أما اذا لم يعجبكم الحلم فسأتابع المشي كل صباح. وأحلم.                                                          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق