– سدني - استراليا
نجحت أحزاب السلطة بشقَّيها: الفاسد المنافق والمنافق الفاسد، بوضع العصيّ بدواليب الانطلاقة الثانية لانتفاضة 17 تشرين يوم السبت في السادس من حزيران 2020 وحرفتها عن مسارها الجامع والحضاري الذي أبهر اللبنانيين أنفسهم قبل العالم وأغرقها في العنف والعنف المضاد . فرغم ان الجوع يؤحِّد مؤيد السلاح ومعارضه، الا أن رفع هذا الشعار، في هذا الوقت بالذات، وضع المؤيِّد في وجه المعارض. وهذا كان أحد أحلام السلطة في ضرب الانتفاضة وتفريق صفوفها والهاء جمهورها عن مطالب كثيرة يُجمع عليها اللبنانيون بمختلف مناطقهم ومذاهبهم ومنطلقاتهم الفكرية و السياسية. هذا الاجماع كان، ولا يزال، محط مؤمرات أتباع السفارات، كل السفارات، الممانعة منها والموالية.
هذا لا يعني أني أؤيِّد سلاح حزب الله بالمطلق أو أرفضه بالمطلق. وهذا لا يعني أيضاً أن عصيَّ الثنائي الشيعي كانت ستختفي أو ستمتنع عن الدور الذي ارتضته لنفسها كحامية اولى للحرامية والفاسدين. لكن الترويج لرفع هذا الشعار، من الجانبين، أعطى هذه العصي مصداقية لدى جمهورها، وحوّلها من حامية الفساد الى حامية للمقاومة. وكم من جرائم تُرتكب باسم هذه المقاومة.
فعودة الى سنة 1982 عندما انطلقت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول)، التي كنت ولا زلت من مؤيديها، كان حزب الله لا زال في رحم مخططات الحرس الثوري الايراني. ولما أجبر مناضلو جمول جنود الاحتلال على ترك فناجين قهوتهم الساخنة في مقهى الويمبي في شارع الحمرا، وعلى لانسحاب من بيروت ومعظم الجنوب دون قيد أو شرط، كان مقاتلو حزب الله يخططون لكيفية استئثارهم بالمقاومة وتحويلها من مقاومة وطنية لبنانية الى مقاومة اسلامية وشيعية بالتحديد. واستتب لهم الأمر في نهاية المطاف. ورغم كل ذلك، وقفنا مع المقاومة الاسلامية عندما كانت تتصدى لاسرائيل، ووقفنا معها في حرب تموز. وسنقف معها في أي حرب مقبلة ضد اسرائيل ولكن.
المقاومة، عندما تصبح لبنانية، يجب أن لا تخيف أحداً الا اسرائيل ومن يرتضي أن يمشي بركابها. أما أن تخلع على المقاومة عباءة ليست لها، وتضعها في خنادق لا يوافق عليها معظم اللبنانيين مثل أن تكون جندياً في ولاية الفقيه، أو الدفاع عن النظام السوري والمشاركة في قتل شعبه، أو القتال في أي ساحة يختارها المرشد الايراني، فهذا لا يمتّ الى مقاومة الشعب اللبناني للاحتلال الاسرائيلي بأية صلة.
والمقاومة، عندما تضعها، بعصيّ الثنائي الشيعي المحمية بسلاح الحزب، بمواجهة جوع اللبنانيين وآلامهم ومطالبهم بالعيش الكريم في دولة العدالة وحقوق الانسان، وعندما تضعها في خندق الدفاع عن نظام الفساد وعن طبقة سياسية أوصلت البلد الى هذا المستوى، تكون قد غرست خنجراً ساماً في ظهرها وتكون أول من يُرغم اللبنانيين على المطالبة بالغاء سلاح حزب الله الذي أصبح العائق الاول ضد الاصلاح والتغيير.
بعد كل ما تقدّم، هل يمكن التوفيق بين سلاح المقاومة وبين التغيير والاصلاح الذي يرغب به معظم اللبنانيين؟ نعم. ولكن.
أولاً: سلاح المقاومة لا معنى له اذا دافع عن تحرير الأرض فقط وساهم في استعباد الانسان. موقعه الطبيعي يجب أن يكون الى جانب شعبه وحقّه الطبيعي في عيش حرٍ كريم. سلاح المقاومة يجب، منذ اللحظات الاولى، ان يقف الى جانب الانتفاضة ضد طبقة المجرمين واللصوص التي أفقرت الشعب اللبناني وأذلَّته ومن ضمنه جمهور المقاومة.
ثانياً: سلاح حزب الله قديم منذ ما قبل منتصف الثمانينات من القرن الماضي. فلماذا الانحشار به الآن في عز البحث عن لقمة العيش وحبة الدواء؟ هل المطالبة بإلغائه هي مبادرة بريئة؟ وهل ان المطالبة عفوية أم بطلب مدفوع الثمن من قبل بعض السفارات؟ أم يريدوننا ان نتحمل المزيد من الأثمان ، ومن لحمنا الحي، بشكل لا يعود لنا أي أمل بالخلاص؟
ثالثاً: بمقدار ما ترفع الانتفاضة مطالب موحدة تتمحور حول اعادة انهاض لبنان، وحول محاربة الفساد والهدر، وحول القضايا المعيشية، وما أكثرها، بمقدار ما تقوى ويتصلّب عودها، وتصبح عصية على الكسر. وبالمقابل اذا اختار الثنائي الشيعي أن يستمر بتخوين الجائعين المطالبين بأبسط حقوقهم، ومن بينهم فئات واسعة من بيئته، واذا استمر في اطلاق عصيّه لقمع المتظاهرين حماية للفاسدين، يكون كمن يلسح المبرد. فمن جهة تضعه في مواجهة مع بيئته الفقيرة، ومن جهة تحرجه في ايجاد الاعذار لقمع ناسه أيضاً. مما ينعكس انكماشاً لدوره وهالته وفعله وقدرته لاحقاً على التأثير.
رابعاً: المطالب التي تقود الى بناء دولة ووطن هي التي تحرج حزب الله، وبالتالي كل أحزاب السلطة، وتشلّ قدرته الدفاعية، على عكس مطلب الغاء سلاحه الذي يقوّي العصبية حوله ويشرذم قوى الانتفاضة. فمطلب القضاء المستقل يحرجه لأنه من المفترض ان يضع حداً للخارجين على القانون وفي مقدمتهم أصحاب العصي المعروفين بالاسم والصورة. ومكافحة الهدر والفساد، من المفترض أن تقلِّم مخالب كثيرة منها مخالب يستعملها الحزب، كما غيره، في تقوية رصيده. وقس على ذلك بقية المطالب الجامعة.
خامساً: رافعو شعار الغاء سلاح حزب الله، والمدافعون عن السلاح، كلاهما لم يبنيا وطناً في السابق ولن يبنيا. وانتصار هذا الفريق أو ذاك سيبقي لبنان كما هو أو أسوأ مما كان. فلماذا اذاً التلهي بهذا السجال العقيم اللهم الا إذا كان القصد افشال الانتفاضة من قبل الطرفين.
اذا انتصرت الانتفاضة، وفرضت شروطها، وأصبح عندنا دولة ووطن، وبعد الاتفاق على قانون انتخابات عصري وعادل، وبعد انتخابات نيابية ينتج عنها مجلس نيابي يمثّل شعبه بالفعل، عندها يقعد الجميع بهدوء ويتفقون على سياسة دفاعية مشتركة تكون للمقاومة حصة كبيرة فيها كما لباقي مقومات الوطن. واذا فشلت الانتفاضة، واستمرت دولة المحاصصة و"المعتقلات المذهبية" كما هي فلينهش كل فريق ما يستطيع من لحم هذا الوطن الذي سينتهي الى غير رجعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق