مقطع من رواية "رادا" تُظهر أشكال ومظاهر الفساد/ إسراء عبوشي

عاد عمر مساءً إلى البيت كاسف البال حزيناً، نظرت إليه والدته وسألته: ما بك يا بنيّ؟
عمر: خسرت قضية الأستاذ مجاهد
الأم : لم تكن تبني الكثير من الآمال على هذه القضية
ـ لم أستطع رفع الظلم عنه، خسرت قضيتي.
ـ هو قدر الله
تيما: ما هي قضيته؟
ـ الأستاذ مجاهد تم تعيينه معلماً عام 1996م ـ وبعد عام من تعيينه تغيّر مدير المدرسة، المدير الجديد اعتبره من جماعة المدير السابق، لأنه كان ملتزماً بالقوانين ومنضبطاً، وبما أنه لم يكن معلماً مثبتاً بعد، حاول أن يعين آخر مكانه بذريعة أن المواد المسندة إلية ليست تخصصه، مع أنه اجتهد إلى أبعد حد في تدريسها، لم تفلح محاولات المدير لإقصائه ، مرت الأعوام والمدير لا يأبه به وكانه غير موجود، عندما تأتي تعليمات للمدرسين لم تكن تُعرض عليه ، يعرف بها إما من زملائه أو من الطلاب، تجاهله دوماً، ووضع له سنوياً أسوأ التقارير بصورة غيبية، لم يكن يحضر له الحصص ليقيّمه إثرها، وعندما كان يطلب الأستاذ مجاهد من المدير أمراً كان المدير يدير له ظهره، بحركة استفزازيه غير مبررة، لا يتذكر الأستاذ مجاهد في يوم من الأيام أن المدير نظر إلى عينيه، وهو يُلقي عليه الأوامرـ ولم يصغِ له ما يزيد على عقدين من الزمان، تفاجأ مجاهد مرة في بداية العام الدراسي بإسناد برنامج المعلم المساند إليه وليس الأساسي، خطوة من المدير لتهميشه ، كان لا يرفع الأوراق الرسمية التي تخصه، غاب يوماً، وقدم إجازة عارضة لكن المدير لم يرفع التقرير، فخصم عليه يوم عمل، أخبره المدير بالخصم بدم بارد وحين اعترض مجاهد واجهه بتقرير الغياب، تعذر بأن السكرتير لم يرفعه، دخل لغرفة السكرتير ليستفسر عن أسباب الخصم، فتح له السكرتير دفتر الصادر فلاحظ رقم تقريره يخص تقريراً آخر لزميل له، أشغل السكرتير، وقام بتصوير هذا الخطأ ب"موبايله" وأرسله للإدارة العامة لكنه لم يتلق رد ايجابياً او سلبياً.
ـ انتزع دليلاً ضدهم.
ـ نعم، لكن بلا جدوى.
ـ مرض يوماً مجاهد، كان ضعيف الجسد هزيل البنية، سأل المدير ان يراعي مرضه، ولكنه استغل مرضه ليثبت عدم قدرته على العطاء، ضاق صدر مجاهد، وما كان منه تحت كل تلك الضغوط والمعاملة القاسية إلا وأن تهجم على المدير بالصراخ والشتم، رفع صوته قائلاً: حسبي الله ونعم الوكيل فيك، وعلى الفور أحيل مجاهد إلى التحقيق، اجتمعت لجنة ووضع مجاهد أمامها وأحكم عليه الحصار، اعترف بخطئه وأبدا أسفه بلا جدوى، فقد أتت اللجنة وفي جعبتها تُهم جاهزة ضده معدة مسبقاً، وعرضت عليه بأسلوب استفزازي، كان عليه أن يدافع عن نفسه، ويدحض تهم العمل منذ 1996م إلى 2019م، عمل بجد وإخلاص خطأ واحد قلب الطاولة على رأسه، كان ينظر إليه مدير اللجنة بإنكار ويؤنبه على سوء تصرفه، وعدم صبره وهو مربي الأجيال، قال له مدير اللجنة ما دمت مريضاً لماذا لا تطلب التقاعد، دفاعه عن نفسه لم يقنعهم ، فما كان منه إلا أن بكى أمامهم كالأطفال ، انفض المجلس، ولكن شرخ في روحه لم ينفض أبدأ، الإذلال الذي تعرض له من نظرات واتهاماتها، وعبارات التأنيب من اللجنة والمدير ونائبه، تركت بنفسه ما لا يداويه كلام ، لم ينته الأمر بعقد مجلس الضبط، كان قرار اللجنة أن تنقله من مدرسته التي أفنى عمره في تدريس طلابها جيل خلف جيل، هو ارتكب حماقة يستحق العقاب، لقد قدم لهم ما كانوا ينتظرونه منذ أعوام وعلى طبق من فضة، وعندما تم نقله كان تبليغ النقل قانونياً والذريعة سوء أخلاقه، هو الجاني وليس الضحية، وعليه أن يسكت رغم قهره، ويمضي ينفذ قرار النقل، ومن يسمع صوت مخطئ هزيل، لقد وقع في الفخ، خرج من المدرسة بسمعة سيئة بعد أن افنى عمره فيها يدرّس بجد و إخلاص.
تيما: عليه أن لا يحزن قد يكون الخير في نقله.
عمر: مؤكد أينما يذهب سيجد من يقدره أفضل منهم، لأنه مجتهد ومخلص، لكن كان يريد أن يأخذ حقه، كيف لمربي أجيال أن يضيّع حقه ويُعلّم طلابه على الحق والكرامة!







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق