الدكتور إحسان عباس ناقد وأديب ومفكر ومؤرخ ومحقق وكاتب وباحث موسوعي معرفي فلسطيني، ويعد من أبرز نقاد الأدب العربي في القرن العشرين، ويحتل مكانة بارزة ومرموقة في الثقافة العربية النقدية المعاصرة. كان غزير النتاج، تأليفًا وتحقيقًا، وترجمة من لغة إلى لغة، ألف وانجز ما يزيد عن 25 مؤلفًا بين النقد والسيرة والتاريخ، وحقق ما يقارب 52 كتابًا.
جاء إحسان إلى الدنيا في قرية عين غزال الفلسطينية المهجرة، التي تقع على أحد امتدادات جبل الكرمل إلى الجنوب من حيفا، أكتوى بنار النكبة وعانى آثارها، ذاق مرارة الحرمان من الوطن، وتجرع علقم الغربة، ولازمه الفقر والجوع، وعاش أزمات المنطقة كلها السياسية والاقتصادية والثقافية.
وكان إحسان عباس كتب سيرة ذاتية، صدرت في كتاب حمل عنوان " غربة الراعي "، عن دار الشروق في عمان العام 1996. وهي سيرة بالغة الإيحاء، جاءت بلغة عربية بسيطة وسلسة، وتتميز بالعمق الإنساني، وعفوية التعبير، وصدق التعبير الجمالي، يحدثنا فيها عن دخائل نفسه وتجاربه الحياتية بكل التلقائية والشفافية.
وهي سيرة لا تحكي فقط عن الماضي، طفولته وأسرته وزواجه وعمله فحسب، وإنما تحكي غربة الراعي في محطات حياته الأخيرة، التي عانى فيها أمراض الشيخوخة والهرم، والخذلان من الكثير الذين عرفهم وربطته بهم علاقات صداقة.
وتشكل هذه السيرة مشعلًا وهاجًا للأجيال الفلسطينية والعربية الحاضرة والقادمة، لما تضمنته من المعاني والمواقف الإنسانية والتجارب الحياتية، التي تتحدث عن الطفولة المعذبة في عين غزال، والرعي في الجبال المحيطة بها، إلى كاتب كوني عظيم، ومثقف عضوي ونقدي واسع المعرفة والاطلاع، وأكاديمي قضى سنوات عمره متنقلًا بين الكثير من المدن والأماكن العربية، يعمل معلمًا وأستاذا ومحاضرًا في العديد من الجامعات، ومنها الجامعة العربية الامريكية، وإنسان زاهد في الحياة، فرض احترامه على الآخرين، وحافظ على علاقاته مع جميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، كونه لم ينتمي لأي حزب سياسي، رغم العلاقات التي جمعته بالشيوعيين.
ويختتم إحسان عباس سيرته الذاتية بروح تشاؤمية، روح إنسان خبر فيها الحياة، فلم يجد فيها سوى الوجع والالم والقسوة والمعاناة والمكابدة الإنسانية والذاتية.
يقول الكاتب والناقد الماركسي اللبناني الراحل محمد دكروب عن " غربة الراعي " : " في يقيني – لو توسع إحسان عباس في توصيف وتحليل منجزات الفترة البيروتية الخصبة – أنَّ بإمكانه هو، بموضوعيته وشمولية رؤيته، أن يوجّه الضوء الهادئ إلى مختلف تفاعلات الفترة نفسها، بمختلف تيّاراتها، دون تحيّز ما، إلا لمدى الإبداع والإضافة في الفن والفكر والنتاج الثقافي، لدى هذا الكاتب او ذاك، سواء انتمى إلى هذا التيّار او ذاك.. وبالأخص ان هذه الفترة الخصبة التي انتسبت إلى بيروت، هي فترة خصب ثقافي تجديدي بامتياز. فماذا استخلص إحسان عباس من سيرة رعايته الناقدة؟ ".
وبعد، هل كان الراحل ابن رشيق الفلسطيني الدكتور إحسان عباس راعيًا غريبًا، وهو المبدع والناقد المتوهج وصاحب العقل التثاقفي التحاوري والتعارفيّ من الطراز الأول، والغواص الماهر في صميم الثقافة العربية والكونية في القرن العشرين؟ وهل وحده الذي تألم أمام نكبة شعبنا، وإزاء مجازر صبرا وشاتيلا؟؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق