زُمَّاْر وإكتشافُ النِفْطِ فِيها/ د. زِيَاد مُحَمَّد حمُود السَبعَاوِي



هَلُمَ بنا نرحلُ عبر الزمن لنستعيد الذكريات في زُمّارنا ويكأني بها ذكرياتٌ عن كوكب آخر بعيدٌ كل البعد عَمّا نحن فيه اليوم خاصةً في خَضِّم هذه المرحلة التي نُلقي فيها خلف ظهورنا مُعاناة وتَبِعات التهجير والإبعاد القسري عن الأهل والديار لنحط رحالنا حيثُ الطيبة والعفوية في كوكبِ (الإضويج ) زُمّار الذي لم ولن يأفل ما دام فينا شَهْقَةٌ مِن أنفاسِنا وعِرقٌ ينبض في شرايننا.... زُمّار التي إن أذنَ لنا أهل اللغة والإختصاص أن نُشَبِهُها بالشابَّة المعشوقَة التي مَنَّ اللهُ عليها بجمالٍ يسحرُ العيون ويجعلُ القلوب تَهِيم بها عشقًا .. الأمر الذي شغف أفئدة الرجال وطَمَعَ أشباههم وأذنابهم ؛ لذا خطب وُدَّها الكثير من سادات القوم وأشرافهم وسالَ لُعابُ رِعَاعِهم وأراذلهم ... فما أن أفل نَجْمُ ساداتها وأشرافها حتى تعاقب عليها الأوباش ما أن يهلك الأول حتى يترادفها الثاني وهكذا دَوَالَيْك ... وكأني بِلسان حالها يقول :
 (أسفاً مَحّد ولاني ورحم حالي)
أي لم يتسلط عليَّ أحَدٌ فيَرقُّ لحالي ويرحم ضعف قوتي وقِلة حيلتي ... ستبقى زُمّار موئل قلوبُ العاشِقين وملاذُ أفئدةُ الهائمين وقِبْلَة الأحرار المُدَافِعين ومَنار إلهام الصامدين الذين يفتدونها وأهلها بأرواحهم .
أولاً : شَرِكة النِفط التُركية وشَرِكة إنماء النِفط البِريطانية :
لقد تم اكتشاف النفط بكميات تجارية كبيرة في العراق لأول مرة في التأريخ  في حقل كركوك العملاق من قبل شركة النفط التركية (شركة نفط العراق لاحقاً) عندما إنفجر أولُ بئر بتأريخ 14 تشرين الأول 1927م ؛ يُحَدِثُنا الخبيرُ النفطي العِراقي غَانِم العَنَّاز في مقاله الموسوم (حقول نِفط عين زَالة)  عن التطورات اللاحِقة فيقول :
تَمَّ على إثر ذلك تشكيل شركة نفطية جديدة بإسم (شركة إنماء النفط البريطانية) المدعومة برؤوس أموال بريطانية في عام 1928م والغاية الحصول على إمتيازات نفطية في العراق ، أطلِق على هذه الشركة فيما بعد إسم (شركة نفط الموصل) ؛ وفي كانون الأول 1928م قامت هذه الشركة بتقديم عرضٍ جديدٍ تضمن تقديم قرض للحكومة العراقية بمبلغ 2,100,000 باوند إسترليني لمدة 30 سنة بفائدة قدرها 5.5 % ومنح الحكومة العِراقية فرصة للمشاركة في أسهم الشركة بنسبة 25% وقد تمت دراسةُ العرض من قبل مجلس الوزراء العِراقي حينذاك وتم رفضه ، وسبب الرفض : لكونه مبني على مبدأ إعلان المناقصات ومشروط بنتائجها ، ونظراً لحِرمان الحكومة الإيطالية من المشاركة في شَرِكة نفط العِراق طالبت إيطاليا بإشراكها في المساهمة في شركة نفط الموصل فتم في آب 1929 م منح شركة النفط الوطنية الإيطالية (أجيب) 40% من أسهم تلك الشركة ؛ شعر الألمان بالغبن أيضاً لعدم إعطائهم فرصة للمشاركة في شركة نفط الموصل بعد أن خسروا حصتهم بشركة نفط العراق نتيجة خسارتهم الحرب العالمية الأولى، فتمت ترضيتهم في نيسان 1930م لتتم إعادة توزيع أسهم الشركة بنسبة 51% للمصالح البريطانية و 34% للمصالح الإيطالية و 15% للألمان ؛ طالب الفرنسيون والسويسريون بعد ذلك بإشراكهم في الغنيمة فتم لهم ذلك وأعيد توزيع أسهم الشركة بشكل نهائي كالتالي : 51% للمصالح البريطانية و25% للمصالح الإيطالية و12% للمصالح الألمانية و 12% للمصالح الفرنسية والسويسرية .
تجدرُ الإشارة هنا إلى أنه تَمَّ كان لإكتشاف النفط تأثيراً إيجابياً إمتد إلى تغير نمط الحياة الإجتماعية من خلال توفير فرص عمل للحياة الحُرة الكريمة وعدم الإقتصار على الزراعة بإعتبارها مصدر الدخل الوحيد بل تعداه إثر إكتشاف النفط إلى الحاجة الماسة إلى كوادر من عمال وموظفين في مجال النفط وإلى حمايات لتلك الثروات من شرطة النفط عزز ذلك من خلق فرص كثيرة للعمل كالإطفاء وحملات إنشاء المجمعات السكنية و... عِلما أنه توجد في زُمّار ثلاثة حقول نِفطِية نستعرضها في أدناه وكما يلي :
1 . الحقل الأول : حقول نفط عين زالة : بواقع (28) بئراً نِفطِياً مُنتِج مع اللتر المصاحِب له .
2 . الحقل الثاني : حقول نفط البُطْمَة : ويتكون مِن (15) بئراً نفطياً وهو من أغزر الآبار النفطية في المنطقة .
3 . حقول نفط الصفَيّة : ويتكون من (15) بئراً نفطياً ، والذي يُعتبر القعر المُسيطر لإمتداد حقول النفط السوري .
4. هناك عشرات الآبار النفطية المُغلَقة منذ خمسينات القرن العشرين دون معرفة أسباب غَلقها .
وتنتج هذه الحقول ما يقدر بـــ( 20،000) عشرون ألف برميل نفط يومياً ، لذا فوجود حقول النفط في زُمَّار جعلها من المدن التي يسيل لها لعابُ الطامعين الأمر الذي جعل الأوضاع الأمنية في مدينة زمّار مضطربة حيث  تعرضت مدينة زُمّار لإنتهاكات طالت المدنيين وممتلكاتهم ، فشملت عملياتِ سلبٍ ونهبٍ وإحراقٍ للمحال التجارية  وتفجيرٍ لقسمٍ مِنْ بيوتها وتجريف القرى وتهجير أهلها بهدف التغيير الديموغرافي .
ثَانِياً : تأسيس وإفتِتَاح شركة نفط عين زالة :
تَمَّ إفتتاح شركة نفط عين زالة عام (1952م) وقد كان لهذا الإفتِتَاح الأثر الكبير للتطور الذي شهدته زُمّار على مختلف الأصعدة وفي كل النواحي من حيث الإعمار والبناء والتوسع في كل المجالات ، ما أن تَمَّ تأسيس الشَرِكة حتى توافدَ  على عين زالة الموظفون والعمّال والشرطة من كافة أنحاء العراق كما شَهِدَت المنطقة توافد وقدوم العوائل المسيحية إلى الشركة ثم إلى زُمَّار الأمر الذي لهُ الأثر الإيجابي على المنطقة بأكملها ، كان تأسيس شركة نفط عين زالة فرصةٌ مناسبةٌ لتعين عددٍ كبيرٍ من أهالي زُمّار والمنطقة في الشركة إبّانَ عهد الملك (فيصل الثاني) ملك المملكة العراقية ، عند إفتتاح الشركة جاء نيابةً عن الملك المتَصرِف (المحافظ) سعيد قزاز  وكان معهُ الشيخ أحمد العجيل الياور ونخبة من موظفي المحافظة  أمّا مهندسو الشركة  من الكوادِر الإنكليزية آنذاك فهم كلٌ مِنْ :
1.    بتركن  : مدير الشركة  .
2.    براستر : مدير الموظفين  .
3.    بورن  : مدير النقليات .
4.    أشتن  : مدير الميكانيك  .

ثَالِثَاً : الهجوم على شركة نفط عين زالة في أيلول 1963م :
سنعود بذَاكِرة الزَمَنْ إلى أحداث شهر أيلول عام (1963م) حيث شهدت شركة نفط عين زالة أعتى هُجومٍ عليها ؛ وهنا لابد لنا مِن أن نُعَرِّج على الأحداث التي آلت إلى ذلك الهجوم آخذين بنظر الإعتبار أنَّ النفط هو شريان الإقتصاد العراقي والمنشآت النفطية هي بُنى تحتية وإرثٌ لكل الأجيال وليست حُكراً لأحد ونتساءل في ذات الوقت :
1.    ما هو الموقف الرسمي (الحكومي) لو تم إستهداف المنشآت النفطية اليوم أو سَيَتُمُ إستِهدافها غداً ؟
2.    بأي نظرةٍ سيتم تقييم القائمين بأي عملٍ إرهابي أو تخريبي يستهدف المنشآت النفطية ؟
3.    ماذا لو كان المهاجون يحملون فِكرٍ ديني مُتَطَرِف تحت أي عنوان (أنصار الإسلام أو داعش أو النُصرَة أو القاعدة أو بي كاكا أو ....) ؟
4.    ماذا لو  تَمَّ إستِهدافُ المنشآت النفطية اليوم وكان المهاجمون يحملون فكرٌ قومي متعصبٍ أيِّاً كان هذا الفِكر القَومي عربي أو كُردِي أو تُركماني أو شَبَكِي أو ...؟
5.    ما هو التكييف القانوني الذي سيتم التعامل به إزاء الموقف وهو الهجوم على شركة نفطٍ عراقيةٍ حيوية وما هو الوصف القانوني الذي ينطبقُ على القائمين بالهجوم وفق القوانين العراقية النافِذة بالأمس واليوم ؟
6.    ما هو التكييف القانوني لخطف أكثر مِنْ (50) عاملٍ أو موظفٍ مِنْ جنسياتٍ عراقيةٍ وأجنبية من العاملين في شركة نفط عين زالة وإقتيادهم إلى جهةٍ مجهولةٍ ؟
7.    كُل هذه التساؤلات وغيرها نضعها نُصبَ أعيننا ونذكر بها القارئ الكريم قبل أن نشرع في كتابة وتوثيق التفاصيل التي حدثت بالأمس القريب (أيلول 1963م) .
 تَنَبّه الملازم الأول (الشهيد) عبد الملك المشهداني مدير شرطة نفط (عين زالة) إلى مسألة لم تكن بغائبة عن الكثير وهو وجود أعداد من منتسبي شرطة النفط ممن هم في النهار مع الحكومة أو الدولة العراقية وفي الليل يحملون السلاح ضد الدولة ومصالحها ليمارسون دور المتمرد أو الخارج عن القانون ليجسدون بذلك دَور (حرامي البيت) أو كما أعتدنا أن نسميه بـــــ(خَاْبر الدار أو باخن الدار) الذي يعلم كل التفاصيل ويدرك مواطن القوة ومكامن الضعف والخلل ، والأدهى من كل ذلك يقتل رفاقه وزملائه من المنتسبين رغم كونه يتقاضى راتباً من الدولة التي يمارس فيها السلطة الأمنية وللأسف هذه الحالة لا تقتصر على زمنٍ معين بل تمتد لكل الأزمان وتأريخ العراق يشهد بأنه أبتُلي بأمثال هؤلاء ممن يُوغِل خنجر الغدر في ظهر أقرب الناس إليه ، لذا بادر م.أول عبد الملك المشهداني بإصدار أوامر النقل بحق الشرطة المشكوك بولائهم إلى مديريات شرطة النفط في كركوك وغيرها درءاً لخطرهم وإتقاءاً لشرهم وتأميناً للأمن والسلم المجتمعي وتحقيقاً لأمان حقول نفط عين زالة ، لكن هذا الإجراء فتح عليه أبواب الحقد والغيلة على مصاريعها فكان القرار هو القيام بهجومٍ على شركة نفط عين زالة وتحقيق هدفين :
الهدف الأول : إغتيال وتصفية مدير الشرطة م.أول عبد الملك (أبو مروان)
الهدف الثاني : الإستيلاء على مشاجب سلاح مديرية الشرطة التي أوكِلت مهمة حمايتها إلى (ع صالح حسين المرسومي أبو وعد) الذي شهد له الجميع بقوة شخصيته ومكانته الإجتماعية الأسمى من رتبته خاصةً وأنه كان معروفاً بشجاعته وإقدامِه وجرأته ومكانته الوظيفية والإجتماعية يعرفه أهل ناحية زُمّار وقراها كونه خدم في مركز شرطة عين زالة إبان حادثة الهجوم ...
عَبَرَتْ القوة المهاجمة نهر دجلة مشياً على الأقدام من المنطقة التي تقع بين قريتي ( الجيساري و مصيفنة) الواقعتين على ضفاف نهر دجلة شرق زُمّار، كونها هي الأقرب والأسلم بإعتبار أنَّ الرجل يستطيع أن يعبر النهر على قدميه حيثُ شرعت هذه القوة بالحركة في الساعة الأولى بعد منتصف الليل وتقدمت سيراً بمحاذاة جبال عين زالة المحيطة بالشركة وتركوا مجموعة صغيرة من هذه القوة تكمن في أحد أودية الشركة كمفرزة تعويق بالقرب من قرية (حمرة العفين) مهمتها مشاغلة أي قوة قادمة من زُمّار على طريق الشارع العام ، ومع أصوات تبادل إطلاق النار الذي حدث في شركة نِفط عين زالة ووصلت الأصوات في هداة الليل لِتُبددَ وتقطع سكون الليل الزُمّاري الهادئ توجه كوكبةٌ مِنْ أهل زُمّار منهم (عبدالله الجرجيس المحترش ، حسين العُكَلة ، أحمد العبدالله النهار ، خضير العيسى ، خلف الوسمية ، سلامة الأبيتر "أبو حبسة"، وعَبّوش الحسيِّن وغيرهم ) بعد أن إنتخوا غيرةً ونخوةً وحمية فتوجهوا إلى (سالم البرهو) الذي يمتلك قطيعاً من الأغنام لئلا يكون السُرَّاق قد إنقضُّوا على أغنام البرهو لكنَّ تبين أن لا شيء من هذا القبيل  فقال المرحوم عبدالله الجرجيس :
ربما تكون أصوات تبادل النار عند بيت (عبد الإرحيم الشرابي أبو دخيل) لنسارع لنجدته من اللصوص ، وهكذا توجهوا إلى بيته فوجدوه مستيقظاً فوق الدجة "بالجيم الفارسية"  (الدكة) لأن الناس قديماً كانت تنام على الدجه ، وهو أيضاً لا يعلم شيئاً عن الصوت وقطيع جواميسه كلها بخير .
كانت المرحوم (عَرْنَة) زوجة المرحوم (أحمد عبدالله النهار) مستيقظة مع زوجها فتنبهت للأمر  وقالت :
 ربما البارتية غَدَروا وهجموا على الديرة ؟
 لم يبالِ أيٌّ أحد منهم إلى كلامها بتاتاً ، فتساءل المرحوم (عبدالله الجرجيس) قائلاً ربما تكون هذه الاصوات صادرة من الرعيان(رُعاة الأغنام) في الجبلة (سِلسِلة التلال) خلال مطاردتهم لذئب أو ضبع حاول الهجوم على قُطعانِهم ، فتوجه قسمٌ منهم صوب محطة ضخ الماء البمب ستيشن للتأكد والإطمئنان ، وقسمٌ آخرَ عادوا إلى بيوتهم .
جَرَت العادة أن تتم تسمية القوة المناوئة للدولة آنذاك بــــ( العُصاة أو المُخَربين كما شهدنا اليوم حينما تقاطعت المصالح بين الحكومة الإتحادية وحكومة الإقليم تم إطلاق تسمية الإنفصاليين) وما يعنينا هنا أنه هاجم العُصاة عين زالة عند إنتصاف الليل في إحدى ليالي شهر أيلول عام 1963م بالتواطئ مع مَن واكبَهم هواه مِنْ الموظفين المتواجدين داخل شركة عين زالة فكانوا أدِلاء لهم فصدق عليهم قول إبن السماوة الشاعر سريح حمزة الزريجاوي "يرحمه الله تعالى"  الذي ننقل هنا بعض الأبيات من رائعته :
لا تتهم عدوك إتهم الويّاك
والله يا عراق أهلك سبب بلواك
لا ذنب السطى ولا بالحرامي الباك (سطى : يسطوا أي يسرِق ويختلس)
هَلَك صاروا كَعيدة  وصوفروا لعداك (كَعيدة : نواطير لصالح العدو)
هَلَك ما غيرهم لا تتهم المخلوك (المخلوق)
بتروا يسرتك وإنداروا على يمناك
وذنبك ... مُذنب ... جي (لأن) دغش ما بيك
من رَبْيِتْ بس عرابيد وحياية (أفاعي) وذيب تالي رباك
عند مَنْ تشتكي كون (إذا) أهلك الخانوك
خلها مدستره شالفايدة بشكواك
ولا كَرصة ضمير تفزِّز الوجدان
وتحطك كَبال اليفتهم معناك
ولا واحد فزع من صحت حيهم نار (النار تُوقد لإطعام وإقراء الضيوف)
ولا مِن حشمت (إستغاثة) نادوك عِدّْ عيناك
صاحو بيك فرهود (تسليب) بعلاة الصوت
وباعوك برخص يل ما بلد يسواك
البرد من جاسهم (أصابهم) غطيتهم بالعين
أشو من جاسك برد سَلَبّوا حتى غطاك
هويتك دُرتك (الحضارة والآثار) باعوها عالفَحّام
ولا واحد عرفهم بالغرب لولاك
باعوا عزتك بولاية العم سام
وأنت ... ولا متاع ولا جواز وياك
وحق مايك (مائك) وطينك ... وحق طيب رباك
لا راحة عُمُر عدنا ...  وأبد ما نرهم بلياك
شسوي بعِشْرِة الما يفتهم معناك
الما يفتهم قدرك لا يُمُر لَيّة
آنا وياك جنا (كُنا) ونظل آنا وياك
عِشِرة ماي للشط وجوالية (شُطآنه)
ألوج عليك وأنت مفرهد ومسلوب
مِنْ داعش أحميك من الحرامية ... ؟؟؟
  كان للقوة المهاجمة هدفين أساسيين من الهجوم على عين زالة أولاهما قتل الملازم أول عبد الملك أبو مروان بسبب نقل منتسبي الشرطة مِمَن ولائهم لقوميتِهِم على حِسابِ الولاء للعراق أو المشكوك أصلاً بولائهم للعراق من عين زالة إلى كركوك ومناطق أخرى ؛ تمكنوا من قتل مدير المركز فحققوا هدفهم الأول وإتجهوا إلى هدفهم الثاني وهو السيطرة على مشجب السلاح الذي كان من أهم أهداف الهجوم بُغية الحصول على السلاح والعتاد وكان أبو وعد "رحمه الله" وقِيل أنه رئيس عرفاء (صالح أبو برهان) من أهالي كركوك كان حرساً على المشجب عندها حصلت المعركة غير المتكافئة بين شخصٍ عراقيِ مخلصٍ واحدٍ ومجاميع كثيرة وقد تواترت الأنباء التي تُمجد بطولة (أبو وعد أو أبو بُرهان) الذي كان يقاتل على كل الجهات متنقلا ً ذات اليمين وذات الشمال حتى لا يجعل العدو المهاجم يشعر أنه يقاتل لوحده وإستمرت المعركة حتى وقت صلاة الفجر عندها يئس العدو وأدرك أنه عجز عن تحقيق هدفه الثاني فترك الأمر خوفاً مِنْ بزوغِ الفجر خاصةً وأنه يتحتم على القوة المهاجِمة عبور نهر دجلة قبل طلوع الشمس وبدأ صوت هدير الطائرات الحربية نوع (ميك) في سماء عين زالة الأمر الذي جعلهم يأخذون أكثر مِن خمسين رهينةً مِن الرهائن الأجانب ومن العُمّال ومعهم بعضٌ مِنَ الشرطة ، ومن الرهائِن : ( عريف سائق جَبّار الشُرطي ، من العُمّال ناصر الحمود ، سلامة السَطَّام "أبو خضير" ، عطية السُويد ، ومِنْ أهالي عين زالة منصور باليوس " مسيحي كان يعمل الدكازِن" ، عمو أبلَحَّد " مسيحي صاحب كازينو في عين زالة تقع على مقربةٍ من النقابة وبعض الرهائِن الأجانب ....)
خلال إحتدام المعركة في عين زالة تقدمت مفرزة من شرطة زُمّار يقودها مأمور المركز المفوض الشهيد (أبو ظافر) بسيارة مسلحة مركب عليها رشاش (برن) مغطاة بجادر وما أن عبرت السيارة منطقة الصمود الحالية حتى وقعت في الكمين الذي تم نصبه مسبقاً من قبل العُصاة بسبب إنشغال عنصر الرشاش البرن برفع الغطاء تم إستهدافهم فقتل أفراد مفرزة الشرطة  ، أما القوة المهاجمة وبعد إقتيادها للرهائن غادرت عين زالة وصادف أن تعطلت إحدى سياراتهم في المنطقة المسماة دورة أو (لوفة الخطر) الوعرة وتكشف الوقت وبدأ إنبلاج الفجر فتبين أن السيارة محملة بالجثث من قتلى القطعات المهاجمة وتجنبت الطائرات المقاتلة قصفهم بسبب الرهائن المدنيين من عُمال وموظفي شركة نفط عين حيثُ كان من ضمن الرهائن مدير الشركة ومهندس إنكليزي وعدد من العمال وقد أشرنا أنه يبلغ تعدادهم حوالي الخمسون بين مهندس وموظف وعامل ومدني وشرطي ... حيث تم إستخدامهم كدروع بشرية وقد روى أحد الرهائن في شهادته على تفاصيل حادثة الإختطاف  يقول :
 ما أن تم تصليح هذه السيارة وتقدمنا من الطريق الرئيسي الذي يربط عين زالة بِزُمّار فأذا بي أرى سيارة مركز شرطة الناحية التي جاءت لنجدة الموقف لكن  تم تصفيتها ورأيت بأم عيني كيف قام أحدهم بقطع وبتر إصبع مأمور مركز زُمّار (المفوض علي دائي أبو ظافر ) وسَرِقَة خاتمه لا يفوتنا أن نذكر أن علي دائي كان رجل تُركماني من أهالي تلعفر طيب القلب يحضى بمحبة جميع أهالي زُمَّار وينال إحترامهم ، وهكذا إستمر تقدم القوة المهاجمة إلى أطراف ناحية زُمّار من الجهة الغربية حيث محطة مضخات الماء ( البمب ستيشن ) التي كانت فيها  قوةٌ صغيرة من الشرطة  مكلفة بحماية مضخات الماء التي تضخ الماء الصالح للشرب إلى أهل زُمّار ، إلتحقت بهم كوكبة مِن أهالي زُمّار بأسلحهتِم الشخصية (بَرنَو ، قُرمَة وكسرِيّة و....) .
تفاجأت القوة المهاجمة بالنيران التي فُتِحَت عليها على حين غره أجبرت المهاجمين على تغيير مسارهم والتقهقر إلى الجهة الجنوبية الغربية ، ومع وصولهم إلى الربية التي تقع على مرتفع يشرف على مقبرة زُمّار توجهت القوة المهاجمة يساراً بإتجاه الغرب صوب قرية ( عين سَطّام) التي تبعد حوالي ( 2 -3 كم) عن زُمّار ، فصادفوا راعياً يرعى الغنم تفاجئ بهم وهم يتوجهون اليه  فسألوه عن مكان للعبور بحيث يكون ليس بالعميق ، بالعامية يسمى ( الشريعة ) في البداية رفض أن يدلهم ، إلاّ أنهم هددوه بالقتل إن هو إمتنع عَنْ إرشادِهِم فأشار إلى مكان الشريعة ، وهكذا عبروا إلى الجانب الآخر من النهر مصطحبين معهم كل الرهائن صوب قرية القَبر الأبيض ،  تحدث الرهائن  لاحِقاً قالوا ما أن أصبحت طائرات الميك الحربية فوق رؤوسنا حتى بادروا بتغطيتنا بــــــ(جادر) وكنا على يقين أن الطيارين يروننا لكنهم تجنبوا قصفنا لعلمهم بأننا رهائن ومع إحدى صولات الطائرات سقطت إحداهن بخلل فني دون أن تتعرض لأي مصدر للنار الأمر الذي جعل الطيار الثاني في نوبة أو حالة غضب تجلت من خلال فتح الصوت ......
عَمّت الأخبار أهل زُمّار وسلال ومصيفنة والقُرى المحيطة بها فهالهم إختطاف أبنائهم الموظفين و عُمّال الشركة كما كانوا يسمونهم الأمر الذي دفع ذويهم بالتوجه صوب بيت (سيد محمد دانيال) والأمساك بتلابيبه مهددين إياه بنص القول :
قسماً بالله العظيم إن لم يرجع أبناؤنا فستدفع حياتك وحياة كل أفراد عائلتك ثمن إختطافهم ... !!!
لِعِلمِهم بالعلاقة الوطيدة التي تربط سيد محمد دانيال بأتباع الحزب البارتي ، فما كان من سيد دانيال إلاّ أن طمئن مُقتَحِمي الدار واعِداً إياهم بالتوسط للإفراج عن المختطفين  .
ومع حلول الليل وإستقرار الرهائن والمختطفين في (كَلي زاخو) يقول الشاهد قالوا لنا :
أنظروا نار الدكَازِن (نيران حقول نفط آبار عين زالة) ضعوه نُصب أعينكم وعودوا إلى أهلكم في زُمّار هذا بالنسبة للعُمّال أما الشُرطة فلم يتم إطلاق سراحهم مع الرهائن ، ليصل المُفرَجِ عنهم  زُمّار ويجدوا الأهالي في حالة إستنفار بحثاً عن أبنائهم وبحثاً عن الطيار المفقود (رحمه الله تعالى) أحياناً أسأل نفسي ماذا لو حدثت عملية خطف الرهائن اليوم ماذا سيكون رد فعل الطيّار ..!!؟؟
يقيناً سيكون مصير الجميع مصيراً مشابهاً لما حدث في كنيسة سيدة النجاة ولن ينجو أحد لا من الرهائن ولا من الخاطفين ، مَنْ  يستعرض القرآن الكريم يُدْرِك أن المولى جل جلاله ذكر وخَلَّدَ في كتابه أصحاب المواقف دون أصحاب الطاعات والعبادات بل وذكر (الكلب) صاحب الموقف المشهود في عدم تخليه عن أصحاب الكهف والنملة والهُدهُد مع سليمان (عليه السلام)  لتكون هذه الآيات قرآن نتعبدُ به حتى يرثَ الله الأرضَ وَمَنْ عليها فطوبى لأصحاب المواقف التي تشمخ بها الهامات وطوبى للعم صالح الحسين المرسومي "أبو وعد" موقفه وصموده الملحمي الذي سَطَر فيه أروع المآثر التي يتناخى فيها الرجال الرجال  رحم الله العم (ر.ع) صالح الحسين المرسومي
حفظ الله ذريته وجعلهم نعم السلف لخير خلف
حفظ الله زُمّار وأهلها وكل مدن العراق مِنْ أدناه إلى أقصاه .
بِقَلَم إبنُ زُمَّار : د. زِيَاد مُحَمَّد حمُود السَبعَاوِي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق