الفساد السياسي بماهو أحد أمراض الديمقراطية/ د زهير الخويلدي


" يمكن فهم الفساد على أنه شكل منحرف من الهبة، وخلط بين التبادل السخي والتبادل السوقي"

يعتبر الفساد الشر السياسي بامتياز الذي يهدد مستقبل أعتى الديمقراطيات في العالم المتطور فما بالك ببعض الديمقراطيات الناشئة التي مازالت تحبو ضمن مسارات انتقال وعرة وتحاول التخلص من ماضي شمولي وممارسات تسلطية وعقلية مستبدة ومؤسسات إدارية متحيزة وتأسيس تشاركية مدنية وفق آلية التعايش الحر.

حينما تنتشر الرذائل في الحقل السياسي والأمراض النفسية وتظهر العقد الدفينة وتنعدم الثقة وتغيب الأخلاق تحضر الانتهازية والوصولية والزعاماتية وتنتشر الرشوة والمحسوبية والمحاباة وتتكاثر التدخلات والتعويم ويتم استغلال المرجعيات والأفكار والقيم والانتفاع من المعتقدات الدينية وتغذية الصراعات     الإيديولوجية.

على هذا النحو يعكر الفساد ايقاع الحياة السياسية ويشنج الأجواء بين المتنافسين ويدفع الفاعلين الى التخاصم واستعمال أدوات غير لائقة مثل الكذب والاشاعة والعنف اللفظي والدعاية المغرضة ويمنع المؤسسات من التخطيط والبرمجة والتنفيذ والانجاز والاستكمال ويلحق بالهيئات والمنظمات والجمعيات الكثير من الأضرار ويتسبب في هشاشة هيكيلية للأحزاب ويجعل الناس في نفور دائم من السياسة وفي عزوف تام عن المشاركة.

كما تتجلى الحوكمة السيئة في التأويل المغرض للدستور والتلاعب بفصوله والتحايل على القانون والتهرب الضريبي وتشجيع النشاط الموازي وتعطيل المؤسسات الدستورية والتأثير على القضاء والافلات من العقاب والعبث بمقدرات الدولة وإعادة انتاج عقلية الاحتكار والجنوح الى العربدة والاقصاء وثلب الخصوم وترذيلهم.

اللافت للنظر أن المتسببين في الفساد السياسي والافساد الاجتماعي والخسائر الاقتصادية هم فئات عديدة وشرائح اجتماعية متنوعة تتوزع ضمن لوبيات ضغط مالية وإدارية ورقابية تحرص على تثبيت مآرب شخصية ومصالح فئوية وتتنصل من المسؤولية الجماعية ومن إمكانية انهيار المرافق العامة وتفكك الدولة.

فكيف يمكن مواجهة الفساد السياسي؟ وهل يمكن الانتقال بالمسار الديمقراطي من مرض العطالة الى التعافي؟

والحق أن البعض جعل من شعار مقاومة الفساد طريقة للابتزاز وتصفية الحسابات الضيقة والهيمنة على سلطة القرار واستغل هشاشة الوضع السياسي ومرض المسار الديمقراطي لكي يلمع صورة الاستبداد ويغذي حنين المفقرين الى حالتي الاستقرار والاكتفاء الذاتي التي كانوا ينعمون بها في ظل الدولة الأمنية والشمولية.

في الواقع "تتغذي الديمقراطية الحديثة من أخذ الكلام عامة، غالبًا ما تعطي تعبيراته العامة انطباعًا بالفراغ".

من هذا المنطلق تبقى الشفافية والحوكمة الرشيدة والمحاسبة والرقابة النقدية واليقظة الحقوقية هي الآليات المدنية للتصدي لظاهرة الفساد وتتكفل بمنح المسار الانتقالي الصلابة وضخ العافية في الجسد الديمقراطي. فكيف تتحول المواطنة من مجرد استقلالية ذاتية للأفراد عن السلطة الى قوة رأي عام تدفع نحو الإصلاح؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق