هذا القرار الذي جرى اتخاذه هناك اعتقاد جازم في اسرائيل شعبيا وحزبياً بأن نتنياهو أقدم عليه من اجل منع استمرار وتوسع المظاهرات ضده والمطالبة بإستقالته على خلفية لائحة الإتهام المنظورة ضده امام القضاء الإسرائيلي بثلاثة تهم خطيره،الرشاوي وسوء الإئتمان وخيانة الأمانة،وكذلك فشله في معالجة ملف انتشار وزيادة الإصابات والوفيات بجائحة " كورونا"،وما تركه ذلك من تداعيات خطيرة على الإقتصاد الإسرائيلي ،حيث الإنكماش وزيادة التضخم والشلل لقطاعات إقتصادية كاملة وزيادة معدلات البطالة والفقر والعاطلين عن العمل،وفي هذا الإطار يقول المنظمون للمظاهرات ضد نتنياهو والمتظاهرون بأن الهدف من الإغلاق هو " قمع المعارضة الشعبية وتقليل أعداد المتظاهرين"،في حين عبّر منُسق مواجهة كورونا في الحكومة الإسرائيلية، بروفيسور روني غمزو، عن أسفه من القرار الذي وصفه بـ"البائس" الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية بفرض إغلاق مشدد وشامل بدء من يوم، الجمعة، للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.
ونقلت القناة 13 الإسرائيلية عن غمزو قوله حول القرار الذي اتخذ بضغط من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إنه "مثير للاشمئزاز، يجب أن أتعاطى عبوات من حبوب منع الغثيان لتخطي الأمر. هذا أمر غير مسبوق في البلاد".
وأوضح غمزو أن "كل شيء بدأ عندما قال المحامون إنه لا يمكن منع المظاهرات. حينها تساءل نتنياهو: إذا مكث الجميع في المنزل وتم إغلاق الاقتصاد بأكمله، أفلا يمكن منع المظاهرات؟".
ولفت غمزو إلى أنه في الليلة السابقة لقرار الإغلاق "كان الحديث عن الإبقاء على نشاط اقتصادي جزئي. في الصباح دهشنا من هذا التغيير في موقفه (نتنياهو). استيقظنا على جملة ‘أريد فرض حالة الطوارئ في إسرائيل".
عدد من الوزراء الإسرائيليين في حديثهم لصحيفة "هارتس" قالوا بأن"المناقشات في الحكومة تركزت حول التظاهرات والقيود التي يجب فرضها عليها، بينما تم إبعاد توصيات المهنيين ومناقشة القضايا الصحية".،وبأن هناك تصميم عند نتنياهو لإنهاء المظاهرات ضده،في حين أن نتنياهو في المؤتمر الذي عقده للدفاع عن قراره بفرض الإغلاق، قال إن "الجائحة قد تؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح البشرية". وزعم أن "السياسيين الشعبويين قالوا إنه لا ينبغي اتباع التعليمات الصحية لأنها نزوة من شخص واحد". وادعى نتنياهو أن هؤلاء السياسيين كانوا قد ماطلوا في إصدار قرارات تتعلق بإنقاذ حياة المواطنين تم تقديمها إلى الكنيست.وتابع "جيل بأكمله، مئات الآلاف من المصابين سيحملون ندوبًا مدى الحياة. في المقابل؛ أرى أشخاصًا يرقصون ويتناولون وجبات على موائد ضخمة بدون كمامات. استيقظوا، نحن في واقع مختلف. يجب اتخاذ الإجراءات الآن، إغلاق مشدد، بالذات خلال فترة الأعياد، حيث ندفع ثمنا اقتصاديا منخفضا".
نتنياهو في معرض رده على من يقولون بأن هدفه من الإغلاق منع المظاهرات ضده،ينفي ذلك ويقول بان هدفه الأساس إنقاذ الأرواح،وتلك المظاهرات لا تؤذيه سياساً،بل هي تساعده سياسياً،حيث يدعي بان الجمهور الإسرائيلي يشعر بالإشمئزاز من تلك المظاهرات،وهي لا تحدث ضرراً سياسياً له،وإنما تضر في ثقة الجمهور.
نتنياهو صاحب " الكاريزما" ورجل العلاقات العامة و"الببروغندا" و" الهوبرات" الإعلامية،قادر على توظيف الأزمات الداخلية سياسية،اقتصادية،امنية،اجتماعية وصحية،لخدمة اهدافه ومصالحه،وإبعاد شبح إقالته او محاكمته على خلفية التهم المنظورة ضده امام القضاء،وهو في سبيل التمسك بمنصبه ومصالحه الخاصة والشخصية مستعد لهدم المعبد على رأسه ورأس من فيه،ولعل الجميع يذكر كيف استطاع أن يحطم حزب ازرق أبيض" كاحول لافان" ،حيث عمل على شقه وتفتيته ،وجعل زعيمه غانتس يخون حلفائه ويتخلى عن شعاراته ومواقفه السياسية،ويزحف على بطنه،لكي يستجدي تحالفاً مع نتنياهو،وهذا دفع شركاء غانتس في الإئتلاف الى فض الشراكة معه،وهناك امثلة كثيرة في جوانب ومجالات اخرى،القيام بعمليات اغتيال لعدد من قادة الجهاد الإسلامي في غزة والتصعيد ضد حزب الله والقصف الجوي المتواصل على سوريا لمنع ما يسميه بالتموضع الإيراني هناك..الخ،
نتنياهو وحكومته عاشوا حالة من التخبط في القرارات والصراعات والإرباكات في اتخاذ القرارات في كيفية معالجة ملف جائحة " كورونا"،ومن هو المسؤول عن إدارة هذا الملف وزارة الصحة،الجيش او جهاز الأمن العام" الشاباك"،ورغم نقل المسؤولية من جهاز او من جهة الى أخرى،لم تفلح تلك الخطوات وتعدد المسؤوليات في قطع حبل الناقل لجائحة " كورونا"،والإصابات والوفيات بفعل الجائحة زادت بشكل كبير ، ونتنياهو رغم الرشاوي التي قدمها لكي يمتص نقمة الجمهور الغاضب،بالإيعاز الى مؤسسة التأمين الوطني لصرف مليار و 400 مليون شيكل للمتضررين من انتشار الجائحة والفاقدين لأعمالهم ووظائفهم،ناهيك عن صرف مخصصات البطالة والتعويضات للقطاعات المتضررة من الجائحة،ولكن كل ذلك لم يفلح في تهدئة الجمهور الغاضب على نتنياهو لفشله في معالجة ملف جائحة " كورونا" وما تركته من تداعيات وأثار سلبية على الإقتصاد الإسرائيلي والطبقات والفئات الإجتماعية الفقيرة وحتى الطبقة المتوسطة،ولذلك تواصلت الإحتجاجات الشعبية واتسعت على خلفية المطالبة بإقالة نتنياهو ومحاكمته على خلفية تهم الرشاوي وسوء الإئتمان وخيانة الأمانة،وبات نتنياهو يستشعر خطر السقوط والإقالة والمحاكمة والإقتراب من بوابات السجن على خلفية الفشل في معالجة ملف جائحة " كورونا"،ولكي يتخلص من هذا " الكابوس"،عمل على نقل التطبيع السري مع العديد من المشيخات والدول العربية من الجانب السري الى الجانب العلني،ولكن كل ذلك لم يفلح في زيادة رصيده وشعبيته،ولم تتوقف المظاهرات وأصبحت حجومها وأعدادها في إزدياد،ونتنياهو لم يكن في يوم من الأيام من دعاة الإغلاق الشامل،بل إغلاق جزئي،وبما يجعل حركة الإقتصاد تدور،ولكن الغضب الشعبي والإحتجاجات والتظاهرات ضده استمرت وتواصلت،ومن هنا كان قراره بضرورة دخول دولة الإحتلال في فترة إغلاق ثانية،وبالمناسبة دول الإحتلال،هي الدولة الوحيدة التي دخلت مرتين في إغلاق شامل،هذا الإغلاق الذي سيكلف خزينة الدولة ما بين 15 – 20 مليار شيكل شهرياً،ناهيك عن ان مؤسسة التامين الوطني مضطرة لدفع مبلغ ما بين مليار الى مليار و 400 مليون شيكل كبطالة للعمال الذين سيخرجون من أعمالهم،ما بين 200 -300 ألف عامل،مما يرفع رقم العاطلين عن العمل الى 854 ألف عامل.
نتنياهو بالإغلاق الشامل سيعمل على تحقيق مجموعة اهداف،قمع الحركة الشعبية وتقليل أعداد المتظاهرين،وتوسع دائرة التطبيع العلني مع الدول العربية والإسلامية،وتشكيل حلف استراتيجي عسكري وأمني مع تلك الدول ضد ايران وأذرعها في المنطقة،وتجاوز قضية سقوطه أو إقالته عبر جائحة "كورونا"،حيث صادقت الكنيست، مساء الخميس، بالقراءة الأولى، على تعديل قانوني يمنح الحكومة سلطة منع التظاهر، في ظل أنظمة الطوارئ التي أقرتها لمواجهة الجائحة.
ولا تحدد صياغة القانون الجديد القيود التي يمكن فرضها، مما يمنح الحكومة سلطة مطلقة لفرض أي قيود على التجمهر في المظاهرات، بشرط أن "يكون ذلك ضروريًا لمنع انتشار فيروس كورونا". ويسمح القانون بمنع أي شخص من المشاركة في مظاهرة إذا حدثت خارج حدود المسافة المحددة في القيود الجديدة (1000 متر).
نتنياهو نجح بإمتياز في الإلتفاف على المظاهرات بالإغلاق،وهذا سيساعده في تحفيف الضغوط الشعبية بشكل كبير المطالبة بإقالته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق