ما يميز السودان عن الإمارات والبحرين اللتان وقعتا اتفاقيتين تطبيعيتين مع دولة الإحتلال ،أن السودان دولة لديها ارث وتراث حزبي ومجتمعي ومؤسساتي وقوى نقابية...لديها وزن شعبي وجماهيري وحضور في الشارع السوداني،والسودان من الدول التي وقف شعبها دوما الى جانب شعب فلسطين ونظر الى قضيتها على انها قضية العرب الأولى،والسودان هو الذي احتضن القمة العربية في أغسطس1967،بعد هزيمة حزيران/1967،قمة اللاءات الثلاثة،لا صلح ولا مفاوضات ولا إعتراف،وفيها قال الزعيم الخالد عبد الناصر مقولته المشهورة " ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".
والتطبيع مع دولة الإحتلال الصهيوني الذي مهد له رئيس المجلس العسكري الإنتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان،تحت ضغوط إماراتية وسعودية،بلقاء مع رئيس وزراء الإحتلال في مدينة عنتيبة الأوغندية في 5/2/2020 ،والذي قال فيه البرهان بأنه لم يصاب بالرهبة عند مصافحة نتنياهو.
دولاب التطبيع لم يدر،حيث قوى وأحزاب سودانية ومؤسسات نقابية،قالت بأن مؤسسات الحكم الإنتقالية لا تعطي الحق للمجلس العسكري الإنتقالي في اتخاذ قرارات في القضايا الخلافية،ومنها التطبيع مع دولة الإحتلال .
من بعد لقاء البرهان نتنياهو ودوران عجلة التطبيع العلني على الجبهتين الإماراتية والبحرانية وتوقيع اتفاقيات ومعاهدات عدم إعتداء وعلاقات دبلوماسية،تصاعدت الضغوط على المجلس العسكري السوداني من قبل حلف التطبيع العربي ومن قبل أمريكا واسرائيل،من اجل توقيع معاهدة تطبيع سودانية – اسرائيلية،والهدف من هذه العملية،ليس فقط تقديم خدمة لترامب في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة التي لم يتبق عليها سوى أسبوع،أو تقديم خدمة لنتنياهو،لكي يخدم مصالحه الشخصية والإنتخابية،فما يجري أبعد من عملية سياسية،فالمطلوب إقامة تحالف امني – عسكري اسرائيلي مع عربان التطبيع ضد ايران ومحورها في المنطقة. رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك حاول أن يربط التوقيع على اتفاقية التطبيع ومعاهدة إنهاء ما يسمى بحالة الحرب بربط ذلك بمصادقة البرلمان السوداني عليها،ولكن حجم الضغوط الممارسة على السودان من قبل حلف التطبيع العربي وأمريكا واسرائيل، كبيرة جداً ودفعت المجلس العسكري للموافقة على إتفاقية التطبيع،تحت حجج وذرائع الأوضاع الصعبة المعيشية والإقتصادية التي يعيشها السودان الذي يبلغ حجم دينه الخارجي 60 مليار دولار،ونسبة تضخم بلغت الشهر الماضي 167%،ولكن توقيع اتفاقية التطبيع،مقابل فتات مالي 81 مليون دولار تقدمها امريكا كمساعدات للسودان،ودفع السعودية تعويضات بقيمة 335 مليون دولار عن السودان كتعويض للعائلات الأمريكية نتيجة الهجمات على سفارتيها في كينيا وتنزانيا،لا يبرر الإرتماء في احضان دولة الإحتلال والسقوط الأخلاقي والسياسي والإستراتيجي للمجلس العسكري وخيانة مصالح السودان وشعبه القومية،فإسرائيل هي المستفيد الأول من التطبيع مع السودان لجهة إستثمار أراضيه الزراعية وثروته الحيوانية والإستفادة من اجواء السودان في قضية السياحة،استخدام أجواء السودان لإختصار الجهد والوقت وتوفير المال في الطيران الى اثيوبيا وجنوب افريقيا وأمريكا اللاتينية ،والشيء الأهم لإسرائيل موقع السودان على شواطىء البحر الأحمر، وبما يمكنها من التحكم في حركة الرجال والسلاح والتجارات من الشمال الى الجنوب،وهذا مهم لها في ضبط تهريب السلاح الى قطاع غزة عبر خط السودان - مصر – قطاع غزة،وكذلك يمكن ذلك من عقد اتفاقيات أمنية،والقيام بعمليات أمنية مشتركة،ومنع دول معادية مثل ايران وتركيا من إقامة قواعد بحرية لها.
الجناح العسكري في المجلس الإنتقالي المرتبط بالسعودية والإمارات، الذي فرض التطبيع على السودان،دون موافقة الكثير من المكونات الأخرى قوى واحزاب ونقابات،دفع بالعديد من القوى والأحزاب للقيام بمظاهرات واحتجاجات شعبية،بل هدد الصادق المهدي زعيم حزب " الأمة" بسحب تأييده للمجلس العسكري الإنتقالي، ويبدو بأن هذا الإتفاق التطبيعي سيشكل حجر الرحى في تشكيل جبهة واسعة من القوى والأحزاب والنقابات السودانية الرافضة للتطبيع،والتي ترى بأن هذا التطبيع ليس له علاقة بالسلام،ولا في تحقيق مصالح الشعب السوداني ولا المصالح الوطنية للسودان،بل هو خضوع واستسلام مقابل فتات يعطى لعسكر من اجل استمرار سيطرته على الحكم وقمع الشعب السوداني،الجبهة المتشكلة من القوى والأحزاب والنقابات السودانية حزب الأمة وقوى اعلان الحرية والتغيير والحزب الشيوعي والنقابات وفي مقدمتها نقابة المحامين ...تقول بشكل واضح بان المجلس العسكري الإنتقالي لا يملك أي صلاحية في التقرير بشأن القضايا الخلافية،تطبيع علاقات مع الإحتلال الصهيوني,,,,ولذلك من الهام جداً العمل على مستوى عربي،لكي تتشكل جبهة واسعة من القوى والأحزاب والنقابات،تأخذ على عاتقها قبر التطبيع مع الإحتلال الصهيوني،وإعادة الصراع الى أسسه والبوصلة الى إتجاهها ....ولعل المثال الحاضر في الذهن لتشبيه ما يجري في السودان وما جرى في لبنان بعد الإجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982،وتشكيل حكومة عميلة في لبنان بقيادة المغدور بشير الجميل،حيث ان قوى المقاومة والقوى الوطنية والمجتمعية الحية في لبنان،قبرت اتفاق 17/ايار بعد عام واحد من توقيعه ...وهنا يستحضرني ما كتبه الروائي والأديب غسان كنفاني الذي اغتاله الموساد الصهيوني قبل 48 عاماً (ما هي معركة فلسطين بالنسبة للعرب في الروايات الصهيونية؟ انها بلا تردد ترف لا ضرورة له).
نعم ترف لا ضرورة له وتعبير عن فهم عميق لطبيعة النظام الرسمي العربي ....نظام يقول الآن ويبرر استسلامه بأننا قدمنا الكثير لفلسطين ولم نستفد شيئاً....هو تبرير للإستسلام،فالتطبيع ما منحه لمصر والأردن والسلطة الفلسطينية سيمنحه للمطبيعين العرب،المزيد من الذل والهوان ونهب خيرات وثروات شعوبهم وافقارها وتجويعها..والتحكم في أمنهم وسيادتهم والسيطرة على أرضهم وموانئهم وشواطئهم وممراتهم المائية.
فهل سيكون السودان حجر الرحى في تشكيل جبهة عربية واسعة توقف الزحف التطبيعي نحو العواصم العربية..؟؟؟هذا ما ستجيب عليه قادم الأيام،وهو يتوقف على القوى والأحزاب والنقابات والقوى الحية في العالم العربي،فهل هناك من يبادر ويعلق الجرس..؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق