أ ـ
نجحتْ رابطة أبناء جنوب لبنان ـ سيدني، واستحصلت، بعد مساعٍ حثيثة مع وزارة الهجرة الأستراليّة، وذلك عام 1976، وضمن خطّة جمع شمل، على طلبات هجرة لأهالي اللبنانيين الجنوبيين الأستراليين، الذين يتعرّضون للخطر، بسبب الأوضاع الحربيّة في لبنان. وانتقل المئات، نتيجة هذا المسعى، من الجنوبيين اللبنانيين، إلى قبرص، حيث السفارة الأستراليّة التي حملت أعباء السفارة الأستراليّة في بيروت غير الآمنة، وفرّت بأعضائها خوفاً على أمنهم وسلامتهم.
ومِنْ "سوبّر ماركت" في "كاكوباتريا" القبرصيّة "تحوّجتْ" سيّدة جنوبيّة ما تشاء. فكلّ شيء معروض بشكلٍ واضح، منظَّم، على الرفوف، ومسعَّر. ووضعتْ ما تناولته في سلّةٍ تحملها، حتى شاءت أن تشتري بذور بطّيخ مجفّفة أو أيّة بذور "للقصقصه" والتسلية. ولفّت ودارتْ، وبصحبتها إبنها اليافع. لم يعثرا على ما تريد. والإبن مُطيع. قصدا موظّفاً. نظرت باتّجاه إبنها الذي "دخل مدرسه"، كما تقول، لمّا تشاء الإستهزاء، لكي ينطق، وهو لا يعرف معنى "بذور البطّيخ" أو معنى كلمة "مكسّرات"، لا بالقبرصيّة التي لا يفقه منها شيئاً، ولا بالفرنسيّة التي لم يتّقن حياتها اليوميّة، سوى معادلات في الجبر والهندسة والكيمياء والفيزياء، ممّا تعلّمه في المدرسة التكميليّة، ولا بالألمانيّة التي تعلّم قليلها، ولا بالإنكليزيّة التي معرفته بها مفردات.
نظرَ صوب الموظّف. سادَ صمت. "لكَشَتْ" إبنها لكي ينطق. لم يجد مهرباً. جمعَ السبّابة إلى الباهمِ. قرّب الإصبعين مِنْ فمه، ثمّ نفض باتّجاه الأرض ما هو بين السبّابة والباهم. وقال "Je veux ـ أريد.. وقال "Ich mishte" ـ أريد. وقال "I want" ـ أريد. أخيراً "لكَشَتْه" لينصرفا، وكاد يقول لأمّه، وهما يخرجان من المتجر، أنّ الموظّف القبرصي "حمار قبرصي" حقّاً، لكنّه تراجع في اللحظة المناسبة، لعلمه أنّ ما من "حمار قبرصي"، في عينيّ أمّه الآن، إلاّه!.
ب ـ
الطائرة فوق سيدني. رأتْ "سيّدةُ قبرص" ذاتها، من النافذة، ما يوحي أنّه خيّبَ ظنَّها. سألها إبنها اليافع، إيّاه "إبن المدرسه"، الجالس إلى جانبِها، عن إنزعاجها؟. قالتْ: "أستراليا كلّها صراصير". نظر من النافذة التي مطّ رقبته إليها، فهم، قالَ أنّ الصراصير هي سيّارات تبدو صغيرة جدّاً لأنّ الطائرة بعد في علوّ. قالت موافقة، وهي تبتسم ابتسامة الأمّ الساحرة: "مليح، صار "الحمار القبرصي" يفهم"!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق