انعكاسات الماضي في مرايا الروايتين (الخطيئة ) للروائية نسرين بلوط و(حصاد الشوك ) للروائي إميل منذر/ نزار حنا الديراني



لا أدري ما الذي دعاني أن أحب لبنان منذ صغري ، ألأن جدي الأول كلكامش وجد فيها عشبة الخلود ؟ أم لأنها بلاد فيروز ووديع وجبران وجماعة مجلة شعر و...؟ كنت أشتاق أن أزور لبنان وحين تحقق حلمي وعشت في لبنان ما يقارب أربع سنوات حاولت أن أقرأ ما بوسعي عن حضارة ومآسي لبنان ، ومن بين ما قرأت مجموعة كتب عن الحروب الداخلية في لبنان ومجموعة أخرى أدبية من بينها رواية (الخطيئة ) للروائية نسرين بلوط الصادرة عن دار ناريمان للنشر والطباعة والتوزيع عام 2017 ورواية (حصاد الشوك ) للروائي واللغوي إميل منذر الصادرة عن دار سائر المشرق للنشر والتوزيع عام 2017 ...

بدءً من العتبة النصية والتي تتعالق مع الرواية دلاليّاً، بوصفها النواة التي بنى الروائي عليها نصّه كونه أوّل شيفرة رمزيّة يلتقي بها القارئ مع الرواية وما يشدّ انتباهه .

 توحي لنا العتبة النصية للروايتين (العنوان ) الولادة الغير الشرعية للتآلف بين أقطاب المجتمع اللبناني الغير المتجانس في رواية (الخطيئة) من خلال ما توحي لنا ولادة الطفل الغير الشرعي من زواج غير شرعي وما تجسده نقطة الدم التي تتركها المرأة على البياض كدليل على طهارتها .. هذا ما عكسته بؤرة عدسة الروائية نسرين في روايتها هذه ، أما عتبة الروائي إميل منذر ( حصاد الشوك ) فتوحي لنا التناصات اليومية التي واكبها الراوي أثناء الحرب الداخلية والتي امتدت من السبعينات وحتى ما بعد اتفاق الطائف فتراءت له على شكل صور شبه متنافرة ومتضادة أفضت إلينا الى عما حصده المجتمع اللبناني عامة والمسيحي خاصة بسبب ميول ونزاعات قادته ... لذا شكّلت قراءة العنوان مفتاحاً مهمّاً في تحليل الروايتين، بغية إضاءة الداخل .

أما فيما يتعلق بتعالق دلالات العناوين الفرعيّة مع الدلالة العامّة للعنوان الخارجيّ نجد الروائي إميل منذر قد أختار عتباته خارج السياق النصي للعتبة الرئيسية حيث اختار أقوال حكمية لشعوب عدة بغية منه لفت الانتباه إلى ضرورة الأخذ من هذه العبرات نقطة الانطلاق والتفاهم مع الآخر وهذا ما سجل له اِمتيازا في مجال العتبات الفرعية كونها عتبات إضافية تعزز المظهر التشكيلي الدال للغلاف الخارجي بوصفه عتبةً نصيةً أساسيةً من عتبات الرواية ، أما الروائية نسرين فتراها قد أهملت هذه العتبة واكتفت بالاشارة الى الفصل... 


كلا الروايتين مليئة بالأحداث والإحالات التي تتطلب قراءة تأويلية خاصة، يمكن أن ينهض بها المتلقي أو المؤول الى مستقبل لبنان في ضوء هذا التمايز في مجتمعه من خلال ما تجسده المرايا المزدوجة التى تنعكس على كل منها صورة مشابهة لنفس الحكاية التى تكررت بين جيلين.

إن السرد الروائي في كلا الروايتين هو نتاج مخيلة نشطة أستدرجت ذاكرتهما صور الأحداث التي حدثت وطبعت في ذاكرتهما في الماضي القريب أو المعاصر حيث استطاع كل منهما أن يستجمعا كل قواهما الكامنة والظاهرة، ليعيدا بناء صورة لبنان المستقبلية.

كلاهما ينطلقان من بياض دلالي ، إلّا أن هذا البياض سرعان ما يمتلئ بصور مأساوية من خلال الأحداث التي يسردها كل منهما (وبالأخص إميل منذر) في إيحاء يدعو لفهم العالم الداخلي المحتدم بالألم والمعاناة للمواطن اللبناني متكئاً على العتبات النصية الداخلية البصرية وهي خلاصة أفكار الحكماء في العالم وما تعكسه بؤرة كل فصل من فصول الرواية .

كلُ منهما اِعتمد على الوفرة النفسية للاِستعداد للكتابة في محصلة التجربة الذاتية وبقى مميزا بتلك الأنا التي تحكمه سواء أكانت من نتاج الغرائز الموروثة أو المعاصرة والتي تمد شخصية كل منهما بالطاقة ليخلق بها روائع روايته إن كانت من عصارة ذاته (أناه) أو من ذوات الآخرين (الأنا الكلية) ، لأن الأديب هو جزء من المنظومة الجمعية حتى وإن تفرّد عنهم...

ينطلق الروائي إميل منذر في روايته (حصاد الشوك) من بؤرة صغيرة وهي قريته الجبلية تلك القرية التي يفوح منها رائحة خصوبة الأرض والزجل اللبناني إنها قرية ( كفرقطرة ) في قضاء الشوف-محافظة جبل لبنان ووهو يصف باسلوب مشوق حياة أفرادها وهم يعيشون ببساطة الحياة والألفة والتعاون بعيد عن التمايز الطبقي والطائفي يجتمعون ويسهرون ويقهقهون وهم يقصون حكاية بعد أخرى إلا أنها سرعان ما يتشظى أفراد القرية الواحدة ويتوزعون على الفئات المتحاربة ، الى درجة يدخل الصراع والتناحر ضمن البيت الواحد الذي يتوزع أفراده على الأحزاب المتناحرة . فهذا كتائبي وآخر من القوات أو المردة أو الأرز أو الأحرار أو الجيش.... هذا يؤيد الاحتلال السوري والآخر يؤيد الأحتلال الأسرائيلي... هذا يؤيد ويناصر الفلسطيني والآخر يقف على على الضد منه ... كل هذا جعل أفراد القرية الواحدة يتحملون هذا العبئ الكبير الذي تركته المصالح الأنانية لقادة الأحزاب ... فيفتتح روايته بقوله :

( ... ولما بلغت الشمس قبة السماء ، كان جبين أبي منصور يتصبب عرقا يتساقط على التراب الذي رواه عرق أبيه وجده من قبله ، فرفع النير عن رقبتي ثوريه وأطلقهما يرعيان العشب ...) .

ولكن ما أن غابت الشمس عن بلاده سرعان ما تحول عرق الجبين الى دماء الأبناء ، وبدلاً من الثور أجبر أبنائهم لحمل النير... ومن ثم يسرد لنا في روايته كيف تحولت هذه القرى الجميلة في محافظة الجبل الى أفواه تتلقف القنابل والرصاصات لتتقيأ أشلاءً ودماءً زكية...

أما الروائية نسرين بلوط فهي الأخرى اختارت بؤرتها في روايتها (الخطيئة) نقطة صغيرة في منطقة محافظة الجبل ، إنه سكنْ للراهبات بمثابة دير للنسك تابع لدير مار أنطونيوس المشرف على جبل الباروك شمال لبنان القريب من قرية رشميا التابعة لقضاء عالية..


تصف لنا الروائية الدير وصفا تاريخيا مشوقا كأرض صلدة تنتطلق منه . هذا الدير الذي كان يوما معبدا وقلعة للفينيقيين ، وفي عهد الرومان قصرا للملوك وحصن لجنودهم ثم شهد إقامة الأمير بشير الثاني ... إلا انه (الدير) تصدعت جدرانه ونهبت أروقته ومقتنياته في أحداث المجازر التي وقعت عام 1860 .

تدور أحداث الرواية بين زحلة (كولادة ونشأة بطلتها ميرا) ) والدير الذي انتقلت اليه وقرية (كفر سلوان) التي ينتمي اليها عشيقها عابد في منطقة الشوف والمطارد من قبل الجنود العثمانيين . هذه المنطقة التي كانت تغلي بثورة الفلاحين ضد الاقطاع والحروب المتكررة بين الدروز والمسيحيين ومن بين أسبابها اعتناق العديد من العوائل الدرزية المسيحية ، هذه الصراعات كان يكفيها شرارة ما لتلتهب المعركة فتأكل الأخضر واليابس.

انطلقت الروائية في روايتها قائلة :

( سرحت بمخيلتها بعيدا ويداها معقودتان على صدرها ... تكاد تنتفض على قبس من نور يتسلل إليها من خلال ثقب في نافذة الدير ، يسميه البعض بصيصا وتسميه هي رحمة تغمر أطياف روحها وتستريح إلى معانيه التي ترزخ وراء الأيمان الرباني الذي يحتل كلّ روحها ..) .

وتتسلسل الروائية في سردها من خلال العبثية التي ينتاب بها الإنسان مما يدفعه إلى انتهاك الخطأ في اتخاذ القرار وكما في قولها :

(... نعم هي تصلي دائما ... تصلي للنور والظلام معاً ... للخطيئة والغفران ... لأنها عاشت حياتين متناقضتين ... جعلا منها ملاكا وشيطانا في فترة ما ...) 

الروائية نسرين بلوط انطلقت من أحداث القرن التاسع عشر التي كانت تقع بين المسيحيين والدروز ، فتارة تحت أنظار الأستعمار العثماني وفي الأخرى تحت أنظار الأستعمار الفرنسي ولكون الروائية لم تعش الحدث لذا استندت الى ما قرأته أو سمعته من الجيل الذي قبلها، هذا يعني إن "الأنا " ستكون غائبة أو وجودها رمزي ... في حين نجد الروائي إميل منذر انطلق من الحروب الداخلية الأخيرة والتي وقعت في الثلث الأخير من القرن العشرين مركزا على الصراع المسيحي المسيحي وبزاوية أكثر انفراجا أعني بمساحة أكبر تمتد من بيروت الى محافظة الجبل وطرابلس وحيث يتمركز فيها الأحزاب المسيحية ، ولكن في هذه الحالة كانت الحرب تحت أنظار الأحتلال السوري والأسرائيلي مع تدخل القوى الأخرى في المنطقة ... 

ولكون الزمن هو المعاصر للروائي إميل منذر وحيث عايشه عن قرب كونه ضابطا في الجيش اللبناني آنذاك لذا كان حضور الأنا في الرواية أكثر حضورا وفاعلية، فهو شهد المعارك والصراعات بين الأطراف المسيحية المتصارعة وسمع من شهود عيان كانوا فاعلين في هذه الصراعات والمعارك لذا كانت روايته على شكل سرد لوقائع الحرب الى درجة اِستعار لكثير من شخوصه بالأسماء الحقيقية لقادتها وأبطالها ( ميشال عون ، سمير جعجع ، أمين جميل ، أيلي حبيقة... عكس الروائية نسرين التي كانت روايتها تعكس تاريخ مر عليه ما يقارب 150 سنة فكانت الحرب في روايتها كتذكير للمآسي التي حل بين الفريقين في مكان واحد ، فاِختارت لشخوصها أسماء وهمية ولروايتها الزواج ولو الغير الشرعي ليكون كحل يجمع الفريقين المتخاصمين للانطلاق بمستقبل جديد يتلاشى فيه الطائفية والديانات المتعددة في بلدها ولكن ! فبدلا من أن تنصهر الطائفية وتكون مزيجا لوحدة إنسانية في الوطن الواحد ، سيست حتى تصبح الخنجر الذي يطعن الأخ ظهر أخيه . 

 ولكونه زواجا غير شرعيا لذا لم ينجح في ردم هفوات الماضي لذا تراه انعكس من جديد في الأحداث الأخيرة .

 وهكذا الحال أيضا في رواية حصاد الشوك ، فلكون الائتلافات بين القوى المسيحية غير متجانسة وشفافة ، تخضع للتدخلات الخارجية فسرعان ما كانت تتلاشى وتتحول الى تصفية حسابات ودمار .. 

كلاهما عادا الى نقطة الانطلاق على أمل فتح صفحات جديدة للعيش المشترك ولكن كلاهما أحسا بصعوبة القفز على ظلهما لذا أنهى الروائي إميل منذر قصته بالعودة الى القرية ولكن يبدو وكما عنون إحدى فصول روايته في المؤخرة بقول له ( من قال إنه لا يخطئ فقد أضاف إلى أخطاءه خطأ جديداً ) ليؤكد ان قادته وأزلامهم لم يتعلموا من أخطائهم لذا ما إن حل الصمت في طبول الحرب وعاد الشعب الى قريته شرع القادة بأخطاء جديدة وكما يقول :

( في ما مضى كانت دقات قليلة من الجرس كافية ليسأل الناس عمّن مات ، ويعرفون جميعاً في دقائق معدودة ، أما اليوم فأصبح إيصال النعي إلى الجميع من دون نسيان أحد، شغلاً يشغل ، وأمراً يتطلب وقتاً ومشقة ..) .

ويصل الاحباط ذروته حين يقول :

(وصعد فارس وسامية إلى الضيعة الجبلية محطمي الأجنحة مكسوري الخاطر ...)

أما الروائية نسرين بلوط فأنهت روايتها بقولها :

(استفاقت من ذكرياتها وهي تحدق عبر النافذة وتسمع طرق المطر الخفيف على بلورها يتأرجح دامعا وخافقاً كالسحر ... إنه في عام 1876 وقد مرت خمس سنوات أخرى منذ عودتها الأخيرة من زيارة متي في بيروت ... ولم يزرها بعد أن علم من أمها باعتزالها مجدداً في الدير ...) .

إلا أن بطلة الروائية نسرين تعترف بخطئها وتعترف انه من الصعب القفز على ظلها لذا استسلمت ومكثت في الدير :

( ولكني أخطأت ... لقد أحببت من غير ديني ووقعت في أتون الخطيئة ... وأكثر من هذا لقد أنجبت منه يا أمي ..) .

إلا أن أبطال الروائي إميل منذر لم يتجرأوا الاعتراف بخطأهم ليتعافى وطنهم رغم صراخ الأمهات و... 

كلا الروايتين تعترفان بصعوبة التغيير طالما الإنسان مثقل بأخطاء الماضي ، ففي رواية (حصاد الشوك) لم يستطع تجار الحرب من التعلم من أخطائهم لذا ما ان توقفت الحرب وعاد السكان الى قراهم بدأ الأقوياء لبسط سلطتهم والغاء الآخر وهذا ما تحقق في السنوات التي تلت الرواية أما بطلة رواية (الخطيئة) رغم إنها أدركت بأن الحل يكمن بالعودة الى إبن قريتها الذي أحبها بكل جوارحه ولكنها أيقنت مدى الانكسار الذي حل بها فلم تستطع من تقبل مستقبلها الذي يكمن بالزواج من متي لذا عادت الى الدير مجدداً ، إلا أن إرادة الفلاح - إبن القرية - كانت صلدة كصخور الجبال لذا إستطاع أن يقنعها بالخروج من الدير وتأسيس حياة جديدة تجمعهم وإبنها حسن (الذي كان نتيجة لزواج غير شرعي ) هذا يعني لا يزال هناك بصيص أمل في التغيير والعيش المشترك .       

نستشف من خلال قراءتنا لأحداث الروايتين أنها أحداث مليئة بالمأساة والصراعات لكونها أحداث واقعية مقتبسة من الواقع سواء أكان من خلال ما حفظته الذاكرة الجمعية أو ما سرده التاريخ (رواية الخطيئة) أو ما شاهده وتلمسه الروائي الذي كان جزءً منها (رواية حصاد الشوك) ... أنها شواهد لمجتمع يبحث عن أحلامه التائهة والمفقودة.

ولأن الروائية نسرين تنقل الماضي لذا كانت كامرتها الذاكراتية هي التي تجول وتحرك الأحداث للوصول الى الهدف المنشود فأعطت للقص مساحة أكبر في روايتها مما لدى الروائي إميل منذر الذي احتل الصراع اليومي والقتال الدائم مساحة أكبر في روايته لذا رجحت كف التقارير العسكرية المساحة الكبرى في روايته .

في رواية حصاد الشوك بدت الأزمنة متداخلة بتداخل المكان والزمان. فعلى الرغم من حضور البنية الزمنية للزمن السردي في رواية حصاد الشوك، إلّا أن أحداث الرواية كانت في حالة هيجان من خلال شدة الصراع وتقاطعه مع خط السياسة والحزبية والمصالح الشخصية في حين ظل الماضي حياً في مخيلة نسرين بلوط في روايتها الخطيئة .

في رواية حصاد الشوك نجد خلطاً بين ما هو واقعي باسمائه الواقعية والحية ، وما هو إفتراضي المتمثل في شخصياته الأفتراضية ، ويظل القارئ في شك فيما إذا كانت الكثير من الأحداث التي يرويها د. إميل منذر حقيقية أو وهمية وإفتراضية . في حين نجد أغلب شخصيات رواية (الخطيئة) افتراضية . لذا أن كل السرد الذي قدمته الروائية نسرين في روايتها (الخطيئة) هو سرد تخييلي وإستيهامي إلّا أن السرد الموجود لدى الروائي إميل منذر هو واقعي في أغلبه كونه يصنع عالماً يضج بالمرئيات والصور والأحداث الساخنة والتي لا تزال ماثلة أمام أعين العديد من القراء .

في رواية ( حصاد الشوك ) تتكشّف الذات باستمرار وفي خط منحني يتصاعد ويهبط كاشفا عن طاقات لا متناهية تغذّي صوره من تفاعل الأحداث الساخنة وتلاقيها وتفاعلها مع المحيط المتوتر والساخن جراء التطورات السريعة التي شهدتها الساحة اللبنانية من خلال نقل المعركة الواجب حدوثها بين الفلسطينيين والاسرائليين الى معركة بين الفلسطينيين والمؤيدين لهم في لبنان والجانب المسيحي اللبناني من جهة أخرى ، مما أوجد علاقة جدليّة في ذات كل قارئ لبناني من خلال رؤيته للحدث وما تتطلبه ذاته من خلال العلاقة التفاعليّة والتي تكشف عن طبيعة الحدث الذي يحيط بلبنانه والمتمثلة بعلاقة الداخل والخارج . 

إلا أن الذات في رواية الخطيئة تحافظ على خطها المستقيم والهادئ البعيد عن التوتر كون الحدث في الماضي وربما قد تلاشى في أذهان القارئ لضعف التوتر وابتعاد المشهد الى حد ما عن الصراع الخارجي . 

في الختام أقول :

كلا الروايتين اللتين انسابت أحداثهما بسلاسة اعتمدتا إلى تجسيد موضوعها الأساسي ألا وهو انكسار المواطن وهدر أحلامه الإنسانية البسيطة والمشروعة معا، من خلال الصراع الطائفي لدى الروائية نسرين بلوط والحزبي والكراسي لدى الروائي إميل منذر ، ومن خلال بنية فنية قادت الموضوع إلى قاع السرد لدى نسرين بينما طفت على السطح تفاصيل الأحداث اليومية في الحرب المسيحية المسيحية المترعة بالتناقضات لدى إميل .

كلاهما عكسا الحاضر على مرايا الماضي بسرد أحداث مشوقة للقارئ حتى يتمكن من إدراك فداحة الجرم الذي اقترفه قادته ، أو بالأحرى الانتكاسة الكبيرة، التى عاشها لبنان بفضل صراعاته الداخلية .

ما يضفى على هاتين الروايتين الجميلتين تماسكهما وتضافر حبكتهما من خلال ما تعكسه مراياهما من أحداث تهز القارئ عبر المكان والزمان وهو يتساءل عن جدوى سقوطها كالشظايا على الوطن الذي يتمركز جماله في فسيفساء مكوناته .

هذه المقابلة بين الروايتين لا تضفى على القارئ عمقا إنسانيا فحسب، بل تعكس الأوجاع التي عاشها المواطن اللبناني وما يخجل منه أمام ضميره والآخرين، من خلال كشف مدى فداحة القهر الداخلى والخارجى معا والذى يعانى منه أبناء هذا الجيل الذى أهدرت أحلامه، وتعمق إحساسه بالخيبة والاغتراب كونه لا يزال يعيش ماضيه رغم تحمل هذا كله بثبات جدارته بالحياة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق