قراءة في كتاب " أممية لم تغادر التل" إعداد وتقديم :الأستاذ المحامي حسن عبّادي/ إسراء عبوشي

 


" أممية لم تغادر التل"  إعداد وتقديم :الأستاذ المحامي حسن عبّادي، ويقع الكتاب في مئة صفحة من القطع المتوسط. أشرف عليه فنيا الفنان الفلسطيني ظافر شوربجي، صاحب دار مجد للتصميم والفنون، وراجعه وحرره الكاتب فراس حج محمد


مقدمة: 

الكتاب يتحدث عن "إيفا شتال حمد" وقد اختار الأستاذ المحامي:  حسن عبّادي عنوان " أممية " فقد أمنت إيفا بأن على شعوب العالم أن تتحد عبر الحدود الوطنية و السياسية و الثقافية، وبرهنت على ذلك بما قدمت لشعب فلسطين من تضحيات. 


لقد دخلت " إيفا" إلى عمق الرواية الفلسطينية، وكانت شاهدة على العصر.

تلك الشقراء التي تؤرخ قصة تل الزّعتر، نهضت تجر ذراعها وفي جوفها أنين، ما أدركت ألمه، التهمها القهر، أغلقت الطرق وقد وجب الرحيل، وضعت يدها على بطنها لتنقذ آخر الناجين، يد ممزقة سقيمة تحتاج لبتر ، يدك الممتدة لجرحنا تداويه، كيف تبتر! كم هو جاحد ذلك المشرط! وكم اشعلت تصفية حسابات تل الزعتر وقود، لتصلب الإنسانية على أبواب تل الزعتر، وتحاصر بعد الحصار حصارين، حصار الخيانة وحصار الردة، ولتنجي أنتِ بعد أن علقتِ حياتكِ ستائر بيضاء تحجب سواد النفوس، لا رشفة ماء هناك تموت النساء ويقتل الأطفال الأبرياء، صلبت آمال الحياة في تل الزعتر.

لكنها" إيفا " الآتية من خلف الحدود لتبلسم جراح الوطن السليب، رشفت جراحها ومضت تبحث عن حياة لتروي حكايتنا، عاشت قبل الجرح لنا وبعد الجرح عاشت لتضيء حقيقة لا يفهمها العالم إلا من فمها.

صادقة أنت يا " إيفا" يدكِ المبتورة وجنينك الموءود وحبيبك الشهيد دليل طهر فلسطين، وقصة تل الزعتر الحقيقية.

لترحلين بما بقي من جسمك.

صور من المجزرة

اخبريهم بكل الحكاية يا شهرزاد فلسطين، هناك جثث تموت مرتين، تلقى في حفرة تقع على بُعد 35م من احد الملاجئ، لتسقط قذيفة وسط حفرة الموتى ، فتطايرت الجثث أشلاء وتناثرت في الشوارع القريبة.


وهذا سامر أخو زوجها الشهيد " يوسف" يقتل برصاصة استقرت في قلبه، وهو يحمل صحن عجين ينقله إلى العوائل في الملجأ.

رأيت كماً من الجرحى لم تشاهديه من قبل، وقد جاهدوا طويلا حتى تمكنوا من رفع رؤوسهم قليلا لكي يرسموا بأيديهم للمستقبلين علامة النصر صفحة41

البداية

بدأت القصة حينما وصلت إيفا الممرضة السويدية المتطوعة_ تل الزّعتر أواخر عام 1974م، تلبية لدعوة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وصار اسمها " سميرة “وأقامت رغم البرد الشديد في بين من الصفيح مع عائلة كبيرة، عملت ممرضة متطوعة، تعرفت على " يوسف حمد" 28 عاما الذي يعمل في اللجان الطبية الصحية التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تزوجت منه في أواسط خريف 1975م، وعملت في العمل الطوعي في العيادة الشعبية برفقة زوجها، أثناء اشتداد الحصار على تل الزعتر.

وفي ليلة من ليالي الحصار طال القصف على الغرفة التي تنام فيها مع زوجها، استشهد زوجها، بينما أصيبت "إيفا" في ذراعها مما أضطر إلى بترها عند الكوع، وأصيبت بجرح كبير وعميق في الركبة والفخذ الأيسر، وكان لديها بثور في جميع أنحاء جسمها، جاء الصليب الأحمر وحاول أخذها إلى السويد عبر جونية، لكنّها أصرت على البقاء مع الناس في المخيم، كانت حاملاً في الشهر الرابع، طفلها لم يمت في حينه، انقذها من الانهيار التام، وساعدها على النضال من أجل البقاء، فقد اجهضت بعد أسابيع ، استمرت المعارك 52 يوما انتهت بمذبحة وهُدم كل شيء واضطر 2500 شخصاً لاجئين من فلسطين إلى الفرار مرة أخرى، في صيف 1976م، وقتل 4000_5000 شخص وأصيب آلالف آخرون بجروح.  كان هناك مئات المفقودين.

خرجت "إيفا" من المخيم جريحة تحمل في جرحها وسام شرف كإحدى بطلات مخيم تل الزّعتر والقضية الفلسطينية ( صفحة 84)

وقلبها الذي أحب يوسف عندما رحل يوسف أحبت الوطن حيث رحل مشرداً يوسف من أجله، ونزفت جراحها في معاركه، والطفل الذي خسرته حلم لم يكتمل، كأحلام هذا الشعب، نجت بالحقيقة لتخبر العالم بعد أن أكملت رسالتها، وكانت الناطق الصادق لشعب اخرسته الصهيونية العالمية.

أرادت" ايفا" أن تتعرف على هذا الوطن أكثر، فقامت بزيارة إلى فلسطين، وزارت بلد زوجها " الخالصة" التي حولها العدو إلى مستوطنة " كريات شمونة" زارت قبر عمة يوسف التي تعبرها عائلتها الفلسطينية، ما رأت في زيارتها وشم في ضميرها جدوى تضحياتها، هذا الإطمئنان البادي في إشراقة وجهها في الصور التي التقطتها أثناء زيارتها دليل على ذلك.

 النهاية 

في نهاية قصة إيفا _ في الجزء الأول من الكتاب _ تقول إيفا: أريد منك أنت الذي تقرأ قصتي هذه، أن ألا تكتفي بالقول إنها قصة رهيبة، وإنما أن تحاول أن لا تنساها، حاول أن تكون واحداً من الذين يعلنون احتجاجهم على هذه المآسي التي يتعّرض لها الناس الأبرياء، وحاول قبل كل شيء وبعد كل شيء أن تفهم قضية شعب بلا وطن. ( صفحة 48)

الرسائل

يحتوي الكتاب في الفصل الثاني رسائل " إيفا" وزوجها " نستور" إلى "حسن عبّادي" وزوجته "سميرة"  التي ارسلتها بعد شهر من عودتهم من فلسطين، حيث استضافهم " حسن عبّادي عندما زاروا فلسطين، بدعوة من جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ، بمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيسه،  تذكر تلك الرسائل بعض التأملات من أيام فلسطين، وتأتي على بعض المظاهر التي تقيد الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1984م، يرفع " حسن عبّادي" صوته في القطار وهو يتحدث العربية، في تحدي لقانون  القومية، الذي يحظر التحدث باللغة العربية في العمل.

احبت " إيفا" الفطور الفلسطيني، وأسواق الناصرة، التي تتحدى أيضاً القانون الوطني، ومن مظاهر ذلك التحدي " يعلق الفلسطينيون زخارف على الحائط والمرأة تعانق شجرة الزيتون، كبيان سياسي قوي حيث لا يمكن رؤية الأعلام الفلسطينية _صفحة 48_ واحبت كذلك القهوة العربية.

زارت برفقة عائلة" حسن عبّادي" أيضاً وادي النسناس وجبل الكرمل وحيفا، وتحدث عن إعجابها بإطلالة الحدائق البهائية، وجمال المعبد وكنيسة الأرثوذكسية في حيفا، وزارت عكا  ونصب غسان كنفاني، الذي التقت بزوجته آني في بيرت بعد اغتياله في 1972م،  وبيت لحم ونابلس ورام الله، وبحيرة طبريا ومرتفعات الجولان، وزارت بلدة زوجها الشهيد " يوسف حمد الذي ما زالت تحمل اسمه " الخالصة" 

 تذكر في رسائلها الاحتفال بها في نادي حيفا الثقافي، وقد تحدثت عن بعض ذكرياتها في تل الزّعتر.

أما زوج إيفا " نستور" فيكتب في رسائله ل " حسن عبّادي" عن جمال الشعب الفلسطيني، وحبه للحياة.

ادركت في الزيارة بعض الجوانب الجديدة والسيئة والحزينة للفلسطينيين، و رأت صعوبة الحياة وسط الاحتلال في حيفا.

القت كلمة في المؤتمر الذي نظمته جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ للاحتفال بمرور 50 عاماُ على تأسيسه، أصغى البعض إليها بصمت في حين انهمرت دموع الآخرين تأثراً بقصتها، ومواساة لتضحياتها، وعندما انهت خطابها وقف الجميع وعلا التصفيق تعبير عن اعتزازهم بها.


مقتطفات من الكتب

 في الفصل الثالث من الكتاب يُجمّع الكاتب ما كتبت عن قصة إيفا في الكتب، يوميات طبيب في تل الزّعتر، تأليف د. يوسف عراقي، الصادر في حيفا عام 2016م.

وكتاب " تل الزّعتر يقاوم التغييب" للكاتب: بسام الكعبي.

وكتاب " حكايتي مع تل الزّعتر" للكاتب: د. عبد العزيز اللبدي.

وينهي بكتاب " حب في زمن الحرب" للكاتبة: تغريد الحاج.

وينهي المقتطفات بقصيدة " معين بسيسو" التي نشرت في جريدة المحرر البيروتية في 26 حزيران عام 1976م، من ديوانه " الآن خذي جسدي كيساً من رمل" التي يقول فيها:

يقطع كفي الوطن ويرسله للعالم برقية..

ويعلقني فوق الحائط ملصق 

فوق شراييني كان الوطن معلق

والآن...

وذراعك متسورة مدفع..

والنجمة تحلم ان تصبح 

فوق ذراعك شامة

الآن لكل حمامة

طارت من صدرك يا ( تل الزّعتر)

يختم " حسن عبّادي" الكتاب بألبوم صور لإيفا أثناء زيارتها لفلسطين، وأخبار الزيارة في الصحف، وتتألق إيفا بالثوب الفلسطيني، استحقت أن ترتديه بجدارة، فقد ارتدت الآم الرحيل وبلسمت جراح اللاجئين فيه.


كلمة شكر

بعض الأقلام في مدادها حياة، ولها عطر يتغلل في النفوس، وكذلك كان هذا الإنجاز الرائع للأديب الكبير " حسن عبّادي" هو إنجاز تستحقه إيفا وعنوان وفاء لها ولكل من يحمل هم فلسطين، وليس غريباً على الأستاذ حسن صاحب مبادرة " لكل أسير كتاب "هذا العطاء، طوبى لكل منّ يحمل الوطن في وجدانه ويعتبره قضيته، ويضيء قلمه شمعه في الظلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق