كلمة الدكتورة نجمة حبيب في حفل توقيع كتاب "نزلاء المنام" للأديبة امان السيد

 


أجمل الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره

أجمل النصوص تلك التي تقرأها من عناوينها

وأجمل حضور، حضوركم الكريم أصدقاءنا الجميلين. يسعد مساكم.... 

نعم إن أجمل ما في مؤلف الأديبة أمان السيد نزلاء المنام هذا القليل الذي يغني عن كثير، هذا العنوان الذي يثير فضولَنا ويهيئُنا لرحلة تخيليية نتساءل إزاءها من هم هؤلاء النزلاء؟

عشاقٌ وآلهونَ هاربونَ من جبروت شهريار؟

أحبابٌ غادرونا على حين غفلة؟

أبناءٌ سرقهم العنفُ من أحضاننا؟

مشعوذونَ استغلوا براءة شبابنا فضللوهم ورمَوْهم في بؤر الحقد والكراهية ونبذ الآخر؟

هل هم المنبوذون الذين طردناهم من حياتنا لا لشيء إلا لأنهم مختلفون؟

هل هم المبدعون الذين تمردوا على قوالبنا فرميناهم خارج أسوارِ ممالِكنا المحكومةِ بالتبعية وقول آمين؟ 

نعم. . نعم. .  هم كل هؤلاء وأكثر في هذا الكتابِ الجميل المكثف العبارة، الواضح الرؤية، السّلسِ، السّرد الثريِّ الدلالات.

كتبت لي الأستاذة أمان في إهدائها هذا المؤلف تقول:"آمل أن تتعرفي بي هنا أكثر... 

حرّضني هذا الإهداء على القراءة فرأيتني أقرأُه بدافع من تريد أن تعرف أكثر.. 

في هذا الكتاب تعرّفْتُ على أمان المبدعة، صاحبةِ الرؤية الرسولية التي ينسجم ما تكتبه مع ما هو مرسوم في عينيها ومكتوب على جبينها. أمر  قرأته في ملامحها عندما التقيتها لأول مرة في حفل تأبين لزوجها المرحوم غسان علم الدين. 

يومها، أدهشني ذلك الهدوء المتماسك. . .

لا،  لم يكن هدوءاً. . .  كان كبرياءً وتعالياً على المصاب الذي يكسرنا ويضعضنا عند فقد عزيز. 

في نزلاء المنام  كانت أمان هي ذَاتـُها!..  غيريّة، مكابرة، تتحسس الآم شعبها فلا تسرف في التشكي أو التظلم. 

تكلمَتْ عن الأم المكلومة وكأنها هي تلك الأم، 

وعن المدينة المهدمة وكأنها هي تلك المدينة.

تكلمت بصدق وحرارة وازدراء عن تجارة الأعضاء بمثل الصدق والترفع الذي قرأته في عينيها.

تكلمت بذهن ثاقب وإصرار  بمثل الإصرار والتحدي الذي قالته شفتاها المزمومتان على ألم مكابر.

في نزلاء المنام، تحررت أمان السيد من كل القوالب والنظريات التي تكبل المبدعة. تركت لموهبتها البكر أن تُسَيّـرَها فجاءت نصوصُها (عفواً قصصُها) حرةً منطلقةً على سجيتها غيرَ مقيدةٍ بنظريات ولا منتميةٍ لمدرسةٍ أدبيةِمحددة. فمرة نقرأ ما ينتمي إلى الواقعية المجتمعية النقدية كما في قصة "الجثة" التي تصف بدقة وحساسية مرهفة تلك الظاهرة المتفشية ليس فقط في مجتمعما العربي بل في المجتمع الإنساني على مدار الكرة الأرضية، قصدْتُ بها ظاهرة تجارة الاعضاء. 

وكما في قصة "ضيوف الشرفة" التي تحمل على بساطتها وسلاسة سردها، رؤية نقدية للذات الإنسانية المسكونة بالأنانية وحب التسلط. 

وأخرى رمزية، وثالثة سريالية تغيظنا لأنها تدفعنا إلى التفكير العميق لاستخراج المعنى الدفين. 

قصص تسكن أدمغتنا وتدق أبواب ضمائرنا وأخرى تمطرنا بالأسئلة. 

قصصٌ لا تـُجمِّلُ الواقعَ بل تصفه بكل سوداويته ولا تصطنع لهذا السواد حلولاً، فنحبُّها لهذا، ولأنها أيضاً لا تتعالى علينا،  فلا تعظ، ولا تقاضي،  ولا تسن القوانين.

لأمان عين لاقطة تحول المشهد العادي إلى سريالية كما في قصة "ماؤه المقدس"التي يدور السرد فيها حول غراب أسود شرس طماع يسطو على مقدرات شعبه ليرضى غروره، ومن ثمّ ينفخ صدره وهو يبارك بمائه المقدس من تجمعوا حوله. 

مشهد قد يدفعنا للوهلة الأولى إلى إسقاطه على دكتاتور محليّ معين. 

ولكننا لو توقفنا عنده قليلاً، لرأينا أنه ينسحب على كلِّ دكتاتور عرفَهُ وسيعرفُهُ التاريخ 

هذا غيض من فيض مما ستقرأونه في نزلاء المنام حضورنا الكريم. 

أشكر لكم إصغاءكم الجميل، وأتمنى لكم قراءة ممتعة

نجمة خليل حبيب

سدني أستراليا 

4/11/2020 



هناك تعليق واحد: