النائب عن الحركة الاسلامية، منصور عباس، ولافتة قف/ جواد بولس



ما زال مصير القائمة المشتركة غامضًا؛ ولا نستطيع التكهن بما ستفضي اليه المناكفات التي اندلعت، وما زالت تتداعى، بين النائب عن الحركة الاسلامية، منصور عباس، وبين زملائه في الجبهة الديموقراطية وحزب التجمع الوطني .

 لم أتفاجأ شخصيًا من هذه المواجهة، خاصة بعد أن شهدنا مقدمات لها حصلت في الأشهر الماضية؛ فحذرت، في حينه، من خطورتها ومن عواقب الاستكانة الى فرضية وهمية أفادت بأن الوحدة بين الحلفاء الأربعة هي قدَر، وانها خيارهم الوحيد الممكن الذي يضمن لجميعهم البقاء في الكنيست والمحافظة على القائمة، التي وصفها الكثيرون، بمجازية شرقية مبالغ بها، على أنها الابنة الشرعية لإرادة الجماهير .

سننتظر لنرى نهاية الحكاية التي سيؤثر فيها، تمامًا كما أثر في بدايتها، فرمان "السلطان" وموقفه إزاء مسألة "نسبة الحسم"، فاذا أبقاها عالية، كما هي اليوم، سيضطر الاربعة الى الاعتدال والعودة إلى "البراغماتية"، وهي، في عالم تاهت فيه التعريفات وديست القيم، رشد سياسة العاجزين وترياق الضعفاء المنقذ؛ اما اذا أنزلها، فستفتح أبواب سوق الاحتمالات؛ وقد نرى حينها الحركة الاسلامية منافسة لشركائها، علاوة على شتى أصناف البسطات "الحزبية"، حامضها ومرها، وسنسمع، أيضًا، تفاريد العجب.

"لهم أسلوبهم ولي أسلوبي"

هكذا صرّح د. منصور عباس في احدى تغريداته الاخيرة ، محاولًا الدفاع عن بعض مواقفه الخلافية وتبرير سلوكه، الذي اقر أنه "تجاوز  خطوطًا اعتاد النواب العرب على وضعها في الزاوية" وسأل، في تلك التغريدة، على سبيل توضيح الفارق بين الاسلوبين: "عندما ينعَتُ أحد الاعضاء رئيس الحكومة بالكذاب أو يقوم بشتمه، هل يتوقع بعدها أن يوافق رئيس الحكومة على طلباتنا؟ وهل هذا التصرف سيعود على مجتمعنا بشي؟". لم ينتظر النائب عباس ردًا من أحد، بل اردف في نفس الموقع وشهد على انه "ذاهب للعمل لخدمة وتعزيز مكانة مجتمعي بشكل فعلي وليس لتسجيل المواقف، وأنا اعتمد اسلوبًا حضاريًا بالحوار وموضوعيًا بالطرح يخلو من الشعبوية".

لم يكلفني أحد بالدفاع عن "القائمة المشتركة" لكنني كمواطن منحها صوته، وانجح القائمة والنائب عباس، يحق لي ولغيري ان نسأل: هل هذا هو أسلوبه الحضاري؟ هل يحسب انه اذا اتهم حلفاءه بالتخلف وبعدم الموضوعية وبالشعبوية، وهكذا يفهم من كلامه، سينجح بتبرير  علاقته الملتبسة مع بنيامين نتنياهو؟ وهل بالسلوك المؤدب والخلق الحسن سيحقق انجازات لم نحققها خلال مسيرة عقود من الصمود والكفاح البرلماني والميداني؟

على النائب عباس أن يراجع مواقفه الغريبة والمستفزة لقطاعات واسعة من ناخبي القائمة المشتركة، والتي توالت في مناسبات عديدة، مثل تصرفه عندما كان يرأس جلسة الكنيست وموافقته على الغاء التصويت الذي دعا الى اقامة لجنة تحقيق ضد نتنياهو في قضية الغواصات؛ مرورًا بمخاطبته الحريرية لضباط الشرطة الذين حضروا جلسة لجنة مكافحة العنف في المجتمع العربي، وموقفه الخطير من قضية انتشار السلاح غير المرخص بين المواطنين العرب وتبريره، غير المباشر، لحيازة النسبة الكبيرة من تلك القطع اذا لم تكن مخزنة لاغراض اجرامية مباشرة، وبعدها تكرار مواقفه الودودة من بنيامين نتياهو وتمنّعه من وصف نتنياهو بالانسان العنصري، خاصة عندما سئل عن ذلك مباشرة في لقاء متلفز على قناة "واينت" اذيع يوم الاربعاء الفائت، فاجاب: " قراري قرار شجاع، ولن اصف اي شخص بالعنصري، لا ضد نتنياهو ولا ضد أي احد آخر،  فأنا ملتصق بالحقائق. هل يوجد عنصرية في اسرائيل؟ يوجد. هل يوجد فجوات بين اليهود والعرب ؟ يوجد. حتى بين اليهود واليهود يوجد فجوات. انا استعرض الامور بصورة موضوعية واريد ان اعالجها". هكذا بكل بساطة وحزم اجاب ممثل "الحركة الاسلامية" حين سألته مذيعة يهودية: ألا تعتقد ان نتنياهو عنصري؟ ألا يحرض ضد الجماهير العربية؟

 فان كانت هذه شجاعة سياسية فكيف يكون "مسح الجوخ" في السياسة؟

لقد صرح النائب عباس، في أكثر من مناسبة، أنه يمثل، بنهجه وبمواقفه، حركته الأم، الحركة الاسلامية؛ والتي بدورها أعلنت ببيان نشرته بعد اجتماع ضم أعضاء مجلس شورتها وقيادييها، أنها "تثمن عاليًا جهود جميع نوابها في البرلمان لخدمة وتعزيز مكانة مجتمعنا وعلى رأسهم ابنها البار النائب الدكتور منصور عباس ، رئيس القائمة العربية الموحدة، وبالذات جهوده في الإصلاح ومكافحة الجريمة والعنف في مجتمعنا العربي وجهوده البارزة لدفع الحكومة لإقرار خطة حكومية شاملة لمكافحة العنف والجريمة..". لم اخلص الى نتيجة واضحة من لغة البيان، ففي مطلعه، كما قرأنا، أشادوا بجهود النائب منصور عباس، ثم تعمدوا، بعد ذلك، اللجوء الى صياغات فضفاضة لا غبار عليها سوى أنها عامة وتحمل في طياتها معاني كثيرة وتجيز السير في اتجاهات متناقضة؛ وذلك رغم تأكيد الحركة على أنها كما سعت "في السابق وضحّت من اجل تعزيز وحدة القائمة المشتركة، فإنها ستبقى حريصة على الحفاظ على هذا المشروع الوطني"؛ لكنها تشترط لقاءها مع الشركاء، في الوطن والمسيرة والكفاح وفي العمل السياسي عمومًا، بعدم الخلاف "في ثوابتنا الدينية والوطنية." وما أدرانا ماذا يقصدون بالثوابت الوطنية، خاصة وان النائب منصور يؤكد ان نهجه هو النهج العملي الناجع والوطني القويم ! 

لم ينه بيان الحركة الاسلامية هذه الازمة؛ ولم يحقق ذلك الاستاذ ابراهيم صرصور، النائب السابق عن الحركة في الكنيست ورئيسها حتى العام 2010، عندما أضاف توضيحه الشخصي لما جرى في اجتماع القيادة المذكور، وكتب يوم الجمعة الفائت: "من أجل أن يكون موقفي واضحًا ، هكذا افهم، موقف الحركة الاسلامية من التطورات السياسية الاخيرة والجدل حولها.." فان الحركة "تحتضن الدكتور منصور عباس تمامًا كما احتضنت قيادات من ابنائها سبقوه في الموقع الحالي، إلا أنها رفعت أمامه "لافتة قف" كما لن تتردد في رفع مثلها امام أية قيادة من قياداتها اذا دعت الضرورة لذلك.. مع التأكيد على انها لا تشك لحظة في حسن نية الدكتور منصور عباس، لكنها تطمح الى أن يكون حسن التصرف في كل الاحوال هو الترجمة الصادقة لحسن النية وصدق العزيمة ومضاء الارادة ".

كلام في منتهى الاهمية ولكن ..

يبقى الفصل والحقيقة، اذن، عند "حسن التصرف، وصدق العزيمة، ومضاء الارادة" ، فلقد استبعد الاستاذ ابراهيم صرصور ، كما كتب، ان يعود الدكتور منصور عباس لمثل تصريحاته في الفترة الأخيرة، خصوصًا لأنه "واحد من أكثر القيادات فهمًا لمباديء الحركة وخطوطها الحمراء، وتنفيذًا لتوجهات قيادته.." ورغم ذلك، فما  فعله النائب منصور لاحقًا كان معاكسًا لما توقعه، أو ربما تمناه، القيادي الاسلامي المجرب، ابراهيم صرور ، وذلك حين سئل النائب منصور في لقائه المذكور مع "واينت" ، فيما  اذا كان يعتقد بان نتنياهو يعمل لصالح المجتمع العربي أو لصالح العرب في اسرائيل؟ اجاب، وفقًا لمنهجه المعهود وباسلوبه الملتوي، قائلًا:  "كل حكومة اتخذت قرارات كان بعضها لصالح المجتمع العربي، لكنني اريد لهذه القرارات والمشاريع التي يعلنوها أن تكون حقيقية وأن تجيب على مشاكل المجتمع العربي؛ هذه وظيفتي". هكذا، وبعكس ما كانوا وكنا نتوقع منه، نراه مرّة أخرى يدافع بشكل غير مباشر، لكنه مكشوف، عن نتنياهو، ويتمنع عن انتقاد ممارساته العنصرية وهجومه الدائم على المواطنين العرب، وعلى ممثليهم في الكنيست، ولا يواجه محاولاته لنزع شرعية وجودنا والنضال من اجل حقوقنا وانتخاب مؤسساتنا السياسية والمدنية.

لم يتراجع النائب منصور عن طريقه الصدامي مع زملائه في القائمة المشتركة؛ ولئن ظهر في البدايات وكأنه يسعى للاطاحة برئيس القائمة المشتركة، ايمن عودة وحسب، تبين لاحقًا ان "جبهته" القتالية مفتوحة على عرض القائمة كلها، ففي لقائه الأخير، قبل أيام مع القناة 20 اليمينية المقربة من نتنياهو، أعلن، بما يشبه الابتزاز لشركائه، بأن  استمرار القائمة المشتركة مشروط "باتباع النهج الذي يمثله وانها ستفقد مبررات وجودها اذا ما كررت نفس الاخطاء والمواقف" وهذا ما دفع زميله في القائمة النائب عن حزب التجمع الديمقراطي، د. امطانس شحادة، اتهامه بالانشقاق عن القائمة،  والتأكيد على أن نهج النائب عباس ليس هو نهج شعبنا الذي يريد حقوقه بكرامة وعنفوان اصحاب البلاد.

كل التوقعات جائزة، لكنني لا اعرف ماذا قصد الاستاذ ابراهيم صرصور عندما كشف ان الحركة الاسلامية رفعت في وجه النائب عباس منصور "لافتة قف " ؟  ولا اعرف أي لافتة قد ترفع في وجه من لا يتوقف عند خطوط "حركته الحمراء او لا ينفذ توجهات قيادته" ؟ لكنني على قناعة انه اذا استمر النائب عباس في نهجه، وهذا ربما كان حقه وحق حركته، فسيترتب على الشركاء في القائمة المشتركة ايجاد "اللافتات" الصحيحة التي ستقنعنا ، نحن المصوتين، بالتوجه الى صناديق الاقتراع وانتخابهم مرة اخرى !    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق