غادر عالمنا يوم الجمعة الفائت، الشاعر والكاتب العبري اليساري التقدمي الكبير المشاكس نتان زاخ، عن عمر ناهز التاسعة والثمانين، وبعد حياة عريضة زاخرة بالعطاء والإبداع والنشاط والكفاح والمواقف السياسية الشجاعة، المناهضة للعنصرية والاحتلال والاستيطان.
ويعد الراحل نتان زاخ أحد أبرز وأهم الشعراء العبريين المعاصرين، وشكل مثالًا ورمزًا لجيل كامل من الشعراء المعاصرين الذين تحرروا من قيود الشعر التقليدي، وعرف كواحد من نقاد الأدب والفن التشكيلي.
لم يكن زاخ يعترف بإسرائيليته، وكان صاحب مواقف سياسية واجتماعية حادة ومغايرة معارضة للاحتلال والسياسات الاسرائيلية، ومؤيدًا للسلام العادل والمساواة، عبر عنها من خلال المنابر المختلفة. وجمعته علاقات وصداقات وطيدة وعميقة مع الكثير من الادباء والمثقفين الفلسطينيين، أمثال الراحلين إميل حبيبي وسالم جبران وسلمان ناطور ومحمد حمزة غنايم، والشاعرة سهام داود أمد الله بعمرها. وشارك في تأسيس "لجنة المبدعين الاسرائيليين ضد الاحتلال ومن أجل حرية التعبير".
ووقف زاخ على رأس وفد " لجنة المبدعين" في استقبال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات غداة عودته إلى الوطن سنة 1994، وكانت هذه الزيارة قد زعزعت أركان الرأي العام الاسرائيلي.
صدر لنتان زاخ ديوانه الشعري الأول سنة 1955، ثم نشر خمسة وعشرين مجموعة شعرية، أخرها " من المكان الذي لم نكن فيه إلى المكان الذي لن نكون فيه"، بالإضافة إلى عدد من المسرحيات والروايات والترجمات والكتابات للأطفال.
نتان زاخ شاعر وكاتب ومفكر يساري تقدمي شجاع، غرد خارج السرب، وعبر عن مواقفه المختلفة، وطرح ما كان يؤمن به من خلال الصحف العبرية، التي كانت تنشر تصريحاته، وقد اعرب عن استعداده للانضمام إلى قافلة الحرية إلى غزة، ومن تصريحاته وأقواله:" لو علمت أن اسرائيل ستكون إلى ما هي عليه اليوم، لما عدت إلى اسرائيل من انجلترا عام 1978، يمكنك الكتابة بالعبرية دون العيش هنا، لا ينبغي أن تسمع كل يوم عن تعذيب فلسطيني أو قتله عرضًا، لم أرغب لحياتي أن تنتهي في دولة ابرتهايد".
ومن أشعاره هذه القصيدة التي ترجمها الشاعر سلمان مصالحة، ويقول فيها:
أنا أيضًا مُتَسلِّل
غير قانوني. وَصلتُ إلى
هُنا، ليسَ بِمَحْضِ إرادَتِي
الحُرّة، وَليسَ لأنّ
وَالدَيَّ قَرَؤُوا
كِتابَ ثِيودُور،
هذا الرّجُلَ الّذِي لا يَحْظَى بِمثْلِهِ
كُلّ جيلٍ وَجِيل. هُو أيضًا،
لَوْ بَقِيَ فِي وَطَنِهِ، لَكانَتْ
نِهايُتُهُ مِثْلَ لاجِئٍ مِنَ السّودان أو مِنْ ڤيينا،
لاجِئًا عادِيًّا فِي هذه البِلاد،
غَيرَ مَرْغُوبٍ بِهِ فِيها
بِنَظَرِ الكتابِ الأبيض
أو الأسود
فِي كُلّ جِيلٍ وَجِيل”.
رحل نتان زاخ في هذا الوقت العصيب، الذي نحتاج فيه إلى أمثاله من الكتاب والمبدعين اليساريين التقدميين، فعاشت ذكراه خالدة في سفر الثقافة الانسانية الرافضة للظلم والقهر والاحتلال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق