علماؤهم وعلماؤنا/ د. عدنان الظاهر



أولاً /

العلماءُ أُمميون لهم وطن في بلدانهم لكنّهم أُمميون وطنهم العالم أجمع وهم مُلكٌ للبشرية جمعاء أي أنهم أنبياء أو كالأنبياء فكيف تقتلهم إسرائيل غِيلةً هنا وهناك خارج وداخل بلدانهم وهذه جريمة لا تماثلها أية جريمة أخرى سوى قتل اليهود لأنبيائهم والأمريكان لرؤساء جمهورياتهم وكان آخرهم جون كينيدي في عام 1964 . كم عالماً عربياً وغير عربي قتلت إسرائيل وهي جرائم ضد البشرية تندرجُ تحت إسم { عنصرية إسرائيل المضادّة للجنس البشري } مقابل تشبثهم ببدعة { معاداة الساميّة } ! بعد قرار تقسيم فلسطين عام 1947 قتلت إسرائيل الوسيط الدولي الكونت برنادوت زاعمة أنه منحازٌ للجانب العربي في مسألة فلسطين. وبعد ذلك بعقود قتلت رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين لأنه كان مع حق قيام دولة فلسطينية على الباقي من أرض فلسطين. لم تكتفِ إسرائيل بقتل علماء مصريين وعراقيين إنما دبّرت مخطط ضرب وتدمير مشروع ومفاعلات تموز العراقي عام 1981 في منطقة التويثة القريبة من بغداد. أكملت الولايات المتحدة الأمريكية المشروع الجهنمي للقضاء التام على علماء العراق إما بالإغتيالات أو بسحبهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قبل وأثناء وبعد حرب إحتلال العراق عام 2003 وكانوا بالآلاف أعرف شخصياً بعضهم وبالإسماء. جرى هذا كله وما زال وسيبقى تحت ستراتيجية واحدة راسخة لا تضعُف ولا تتغيّر عنوانها ضمان وبقاء تفوق إسرائيل العسكري والعلمي والتكنولوجي على جميع بلدان الشرق الأوسط ومنعها من حيازة الأسلحة الذريّة وتطور علومها في مجالات الذرة وغير الذرة. 

إقترفت إسرائيل في السابع والعشرين من شهر نوفمبر [ تشرين ثان ] من العام الحالي 2020 واحدة من كبريات جرائمها في التأريخ المعاصر بإغتيالها لعالم الذرة الإيراني مُحسن فخري زادة وبفعلها هذا أجرمت بحق الإنسان والإنسانية إينما كان الإنسان على وجه الكرة الأرضية ..... حرمت البشرية من علم هذا العالم الفذ وما كانت ستجني من ثمرات علمه في مجالات علمية شتّى منها بناء مفاعلات توليد الطاقة الكهربائية ومفاعلات الأبحاث العلمية في الفيزياء والكيمياء خاصةً وتحضير النظائر المُشعة المستخدمة في الطب والزراعة والصناعة ثم تخصيب عنصر اليورانيوم الضروري لإنتاج طاقات كهربائية عالية تفيد البشر بالإعارة أو التبادل أو البيع وما أحوج العراق وغير العراق اليوم إلى مثل هذه الطاقة الكهربائية للإنارة وتشغيل المكائن والمعامل وتمشية معاملات ومهام الدولة والجامعات ومراكز البحوث والمستشفيات. هذا العالم الإيراني وأمثاله ثروة علمية عالمية وطاقات صعب تعويضها خسرتها البشرية فهل تقدّم إسرائيل بدائل لمثل هؤلاء العلماء وهل تعوّض عنهم ؟ لنستوعب حجم الجريمة التي أقدمت عليها إسرائيل بقتلها لهذا العالم  يكفي أنْ نفترض أنَّ أحدهم أقدم على اغتيال أحد العلماء المعروفين من أمثال آينشتاين أو نيوتن أو أديسون أو مخترع البنسلين أو أي عالم من علماء الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء ومن الحائزين على جائزة نوبل في مجالات العلوم ... فقط لنقف ونتصور مقدار وحجم الكارثة وما سيُصيب العالم من إستنكار وغضب ولعنات لا تتوقف . العلماء محدودون وهم نُخبة أُممية مُلك للإنسان بصرف النظر عن دينه وقوميته وطائفته وعرقه. لا دين للعلم ولا قومية إنه تماماً كالسماء والماء والهواء.

ثانياً / المفارقة الأخرى الكبرى هي في السؤال : لماذا تعرف إسرائيل وأجهزة مخابراتها كل صغيرة وكبيرة عن علماء العرب وإيران بإسمائهم وحركاتهم وسكناتهم وما يشتهون وما هي هواياتهم ومتى يغادرون بيوتهم وإلى أين يتجهون ومتى وإلى أين يسافرون لتقتلهم في حجرات فنادقهم أو في الشوارع كما حصل لبعض رجال السياسة والكفاح والمثقفين العرب ولا سيّما الأخوة الفلسطينيين وما زالت أسماؤهم حيّة طريّة في الذاكرة ممن قتلتهم إسرائيل في بيروت [ غسّان كَنَفاني وكمال عدوان ] وتونس  ودُبي وباريس وفي غيرها من العواصم والمدن. إسرائيل إذاً تعرف كل شئ عن ضحاياها فأين العرب من الرد ومتى يردّون ؟ إسرائيل تعرف كل شئ لكنَّ العرب والإيرانيين لا يعرفون شيئاً عن علماء إسرائيل وكبار خبراء وعلماء الذرة وغير الذرة ويجهلون مراكز ومعاهد الأبحاث في إسرائيل فوق وتحت الأرض ! لماذا ؟ سيقالُ إنَّ في حوزة إسرائيل أجهزة متطورة للتجسس وجمع المعلومات ولديها كم كبير من العملاء المندسين في كل شبر من أراضي العرب وغير العرب ثم لديهم اليهود في كل مكان من هذا العالم. حَسَناً ... أليس من أولى مهمات وواجبات العرب وإيران القيام بالمثل ؟ تطوير أجهزة تقنية قادرة على جمع المعلومات عن بُعد وتجنيد عملاء ينشطون في داخل المؤسسات والمراكز والمعاهد والمفاعلات الإسرائيلية وفي إسرائيل عرب من فلسطين يتكلمون العبرية وُلدوا ونشأوا ودرسوا هناك ؟  

الأمر المُحيّر الآخر هو أنَّ العرب والإيرانيين لم يردوا أبداً وحتى هذا اليوم فلا العراق هاجم ودمّر مفاعلات ديمونة ومعهد صوريك في صحراء النقب ردّاً على ما ألحقت إسرائيل من دمار شامل في مفاعلات العراق النووية المستخدمة للأغراض السلمية من أبحاث وإنتاج نظائر مشعّة مستخدمة في الطب. لم تردْ سوريا على غارات وصواريخ إسرائيل التي وُجهت لتدمير معاهد علمية ومراكز أبحاث وبعض الأهداف العسكرية. كذلك الأمر مع إيران ... فكم قتلت إسرائيل من رجالها عسكريين  وخبراء ومدنيين على الأرض السورية خاصةً ثم على أرض العراق فهل ردت ؟ 

الأهداف الأكثر حساسيّة العلمية والعسكرية العربية والإيرانية معروفة ومكشوفة لإسرائيل وحليفتها أمريكا فتغير وتقصف وتدمر متى شاءت ولا مَنْ يُحرّكُ ساكناً.

ثالثاً / بوتين وموسكو في المنطقة :

 سياسة موسكو وبوتين من هذا الأمر واضحة عبّر عنها في مناسبات عدّة وأزال الغموض فإنَّ موسكو لم تتصدَ لأي صاروخ إسرائيلي أو أية طائرة مُغيرة على أهداف سورية ما دامت لا تتعرض للقواعد والمنشآت الروسية في سوريا في قاعدة حميميم وما جاورها فلماذا ولأي غرض أقامت موسكو هذه القاعدة ؟ أقامتها لتدافع عنها فقط ؟ وما كان رد موسكو على حادث إسقاط الطائرة العسكرية الروسية بصاروخ إسرائيلي ومقتل أكثر من عشرين خبير عسكري على متنها ؟ السيد الرئيس بوتين قَبِلَ إعتذار صديقه الستراتيجي الحميم نتنياهو على أنْ لا يتكرر هذا [ الخطأ ] مرة ثانية !! شرُّ البليّة ما يُضحك. إني أتّهم السيد بوتين بأنه رجل متواطئ ولغيري أنْ يقولَ عنه إنه خائن لروسيا وحلفائها وأصدقائها ... ومجمل مواقفه من قضايا مصيرية حاسمة تفضحه وتؤكّد إتهامي له وعلى الشعب الروسي تدبّر هذا الأمر الخطير وتنحيته عن مناصبه وبأسرع وقت ممكن. أمريكا وحلف الناتو وحلفاء أمريكا الآخرون يُضيّقون الخناق على روسيا براً وبحراً وجواً لكنَّ السيد بوتين لا يتحالف مع جارته كوريا الشمالية الشجاعة النادرة المثال ولا يمدّها بالنفط الخام ولا يبني لها مصانع معالجة وتكرير النفط الخام ومساعدتها إقتصادياً ومالياً إسألوه لماذا ؟ مجاملة لإسرائيل وأمريكا بل تواطؤاً معهما لأنها دولة تمتلك أسلحة نووية وتصنعها على مرآى ومسمع العالمين ولا تخشى أحداً. بوتين يمتنع عن تقديم أية معلومات للعرب وإيران تخص المواقع الذرية الإسرائيلية ومعاهد الأبحاث النووية والمطارات العسكرية ومصانع الأسلحة الفتاكة وبنيتها التحتية ذات الأغراض العسكرية وموسكو على علم تام بهذه الأمور وتعرف الإحداثيات الدقيقة لكل موقع وكيفية الوصول إليه وقد سبق وأنْ سيّرت طائرات في مهمة سرية خاصة حلّقت فوق مفاعلات ديمونة في صحراء النقب بإعتراف أحد قادة هذه الطائرات الروس في إحدى الفضائيات. التحالف الستراتيجي مع كوريا الشمالية قوة جبّارة لروسيا ثم للصين معاً من شأنها التخفيف أو معادلة تهديدات أمريكا وحلفائها وأعضاء حلف الناتو المحيطين بروسيا . مواقف بوتين وموسكو تحتاج إلى دراسات عميقة موسّعة ولجان بل ومعاهد بحث مركّز.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق