كورونا المتحوّر: هل اللقاح فعّال ضد الطفرة الجديدة؟/ أحمد سليمان العمري



يُعتبر عيد الميلاد هذا العام في بريطانيا هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. قبل أيام من نهاية الفترة الانتقالية لخروج الأخيرة من الإتحاد الأوروبي اندلعت الفوضى في بريطانيا بسبب انتشار السلالة الجديدة من كورونا والتي تحمل 17 طفرة تحت اسم «B.1.1.7» أو «VUI-2020/12/01» «كورونا المتحوّرة»، سريعة العدوى بنسبة تصل إلى ٧٠ ٪ من الفيروس المعروف لغاية الآن، وهي التي تجتاح بريطانيا وخارجة عن السيطرة.


أراء متضاربة بين جهات تعزو العترة الأخيرة من الفيروس أنّها السبب وراء تفشّيه في ألمانيا كون الطفرة منتشر في بريطانيا منذ ثلاثة أشهر مع استمرار البريطانيين آنذاك بالتنقل بحريّة داخل الدولة الفدرالية دون أي قيد، حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2020م حين أتخذت ألمانيا قرار الإغلاق الثاني وما كان الأخير سوى سيناريو رعب بعيد المنال. استمرت الحياة طبيعية نسبياً، يرتدي الناس الكمامات، وبخلاف ذلك لم يتغيّر الكثير، المطاعم والمقاهي والمتاجر تعجّ بالزوار وتجوال في المدن وبينها ومشاركات في المناسبات، بالإضافة إلى السفر كون الحدود مفتوحة بين دول أوروبا ومعها بريطانيا طبعاَ والعالم.


ترخيص الإتحاد الأوروبي


في هذه الأثناء كانت الطفرة B.1.1.7 منتشرة بالفعل في بريطانيا ومع ذلك لم يُفرض الحجر الصحي على المسافرين القادمين من المملكة المتحدة إلّا بعد 24 أكتوبر/تشرين الأول، لذلك كان أمام الفيروس عدّة أسابيع للوصول إلى القارة الأوروبية دون أي عائق.


وهذا ما أكدّه رئيس معهد «روبرت كوخ» «لوثار فيلر» الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول بأنّ الفيروس موجود بالفعل في أوروبا، حيث هناك أدّلة على وجود إصابات في الدول المجاورة مثل هولندا والدنمارك. وفي ألمانيا ثبتت لغاية 31 ديسمبر/كانون الأول حالتين واحدة قدمت من بريطانيا في 20 ديسمبر/كانون الثاني، والحالة الثانية تم العثور عليها في نوفمبر/تشرين الثاني من خلال فحص لاحق لعينات أسرة من ثلاثة أفراد توفي الوالد منهم، ومع ذلك فإنّ احتمالية وجوده في ألمانيا حسب «فيلر» عالية جداً.


 بينما خبراء آخرون ينفون ذلك استناداً إلى الفحوصات التي تُجرى لغاية الآن على المصابين، وهي منحة هذه المحنة أنّه ليس هناك أي دليل واضح  قد يجعل اللقاح عديم الفعالية، غير أنّ التحليلات الأولية التي أجراها علماء بريطانيون تُظهر أنّ الطفرة الجديد تحتوي على عدد كبير وغير عادي من التغيّرات الجينية في «بروتين السنبلة»، وهو الأمر الذي قد يثير مخاوف، حيث أنّ لقاح «بيونتك» مع شريكه الأمريكي «فايزر» يولّد استجابة مناعية ضد هذا البروتين على وجه التحديد، لذلك يخشى بعض الباحثين أن يؤثّر ذلك على فعالية اللقاح.


ولقد استبقت بريطانيا الدول الأخرى وأعلنت الأربعاء 2 ديسمبر/كانون الأول عن استخدام اللقاح بترخيص طارئ قبل السماح من الإتحاد الأوروبي الذي صدر 21 ديسمبر/كانون الأول.


تسبّبت هذه السلالة الجديدة من الفيروس في ألمانيا في الأيام الأولى بتوقيف جزءاً كبيراً من الرحلات الجوية من وإلى بريطانيا، فقد أوقف مطار  «هانوفر» في 19 ديسمبر/كانون الأول دخول 63 راكباً على متن رحلة من لندن بسبب الخوف من إصابتهم بكورونا المتحوّرة، حيث أُجبر الركاب على البقاء في مبنى المطار لحين ظهور نتيجة فحص كورونا. ووفقاً للمعلومات الواردة من مطار هانوفر، تم حجر أحد مسافري الطائرة البريطانية بعدما تبيّن أصابته بالفيروس مع أسرتة وتحويله إلى شقة للحجر الصحي، وأعيد جميع المسافرين بعد مضيّ يومين إلى بريطانيا.


وقالت نائبة رئيس قسم الصحة العامّة في مدينة هانوفر «مارلين جراف» أنّه لا يمكن معرفة الفرق بين كورونا التقليدي والطفرة الجديدة إلّا من خلال المركز المرجعي في برلين، حيث سيتلقّى عالم الفيروسات ومدير معهد «شاريتيه» البروفيسور «كرستيان دروستن» العينة، وهو من سيجيب على السؤال. ولقد سبق وصرّح الأخير في مناسبة أخرى أنّه لا يتوقع أنّ سلالة الفيروس الجديدة ستجعل اللقاح أقل فعالية. ومع ذلك لم يتم توضيح هذه النقطة بشكل دقيق، فهناك حاجة لمزيد من الإختبارات للوصول إلى جواب يقين. ولكن بدا وزير الصحة الألماني «ينس شبان» ورئيس شركة بيونتك «أوغور شاهين» واثقين من أنّ اللقاح سيكون فعّالاً ضد الطفرة الجديدة واحتمالات تأثيره عالية جداً. حيث أُختبر اللقاح ضد حوالي 20 نوعاً مختلفاً من الفيروسات مع طفرات أخرى، وثبت أنّ الإستجابة المناعية التي أثارها اللقاح قد عطّلت في جميع المحاولات كلّ أشكال الفيروس.


جنوب إفريقيا


أغلقت ألمانيا بدءاً من منتصف ليلة 20 ديسمبر/كانون الأول جميع الحدود الجوية والبرية والبحرية مع بريطانيا، بالإضافة إلى العديد من الدول الأوروبية التي حذت حذو ألمانيا مثل فرنسا وبلجيكا، فقد أُغلق «نفق المانش» ويسمّى أيضاً «النفق الأوروبي»، وهو نفق سكة حديدية يربط من خلال القطار السريع «يوروستار» بريطانيا بفرنسا مروراً ببلجيكا لينتهي في هولندا، ويعتبر النفق أطول نفق مائي في العالم، بالإضافة إلى إغلاق «ميناء دوفر»، ويعد واحد من أكبر موانئ الركاب في أوروبا.


على الرغم من خطورة الطفرة إلّا أنّ مفوضية الإتحاد الأوروبي تعارض الحظر الشامل للرحلات الجوية من وإلى المملكة، رغم أهمية اتخاذ تدابير وقائية مؤقتة وبسرعة، ولكن المفوضية أوصت في نفس الوقت ضرورة السفر وإتاحة حركة البضائع.


‏في الوقت الذي وقّعت فيه رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي «أورسولا فون دير لاين» ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي «تشارلز ميشيل» الإتفاقية التجارية التي تضمّنت 1250 صفحة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بسبب انسحاب الأخيرة من الإتحاد في 1 يناير/كانون الأول، يرى البريطانيون بفعل الأمر الواقع الذي فُرض عليهم جرّاء الطفرة الجديدة أنّهم معزولين لإنسحاب المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي، حيث أتت هذه الإجراءات في وقت يعتري الرأي العام الإنجليزي حالة عدم اليقين بشأن نتيجة مفاوضات خروج بريطانيا من الإتحاد. فقد بدأت القارة الأوروبية بإغلاق نفسها أمامهم وفرض العديد من دول الإتحاد قيوداً على الحركة الجوية والبرية والبحرية بشكل متزايد نظراً للمتغيرات الأخيرة، بالإضافة إلى تشديد إجراءات كورونا الإحترازية في لندن ممّا أدّى من خلال هذه العوامل مجتمعة لإنخفاض الجنيه الإسترليني بنسبة 0.8٪.


مساء الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول أعلن وزير الصحة في جنوب إفريقيا «زويلي مخيزي» أنّ باحثين اكتشفوا سلالة جديدة من كورونا مماثلة كالتي في بريطانيا، تحمل إسم «501. VS»، ولقد صرّح خبير علم الفيروسات البروفيسور الألماني المقيم في جنوب إفريقيا «فولفغانغ برايزر» أنّ الفيروس الموجود في جنوب إفريقيا ليس ذاته كالمنتشر في بريطانيا، ومن الواضح أنهم نشأوا بشكل مستقلّ عن بعضهم البعض، وأنّه لا يُعرف حتى الآن مدى فعالية اللقاح ضد هذه الطفرة الجديدة.


أسئلة كثيرة تفتح المرتاج على مصراعيه لأصحاب نظرية المؤامرة بظهور 17 طفرة جديدة تزامنت مع تداول اللقاح في السوق والسماح بإستخدامه عالمياً. فهل هناك قوة تعمل في الخفاء وتسيطر على أصحاب القرار في العالم؟ أم أنّ التبعة الطبيعية لتطوّر الفيروس هي السبب وراء إرباك العالم دول ومؤسّسات وأفراد؟


علّ الأعوام القادمة - ولا اظنّها أشهر - كفيلة بولادة أجوبة كافية شافية للوضع الحالي، الذي يمثّل تحدّياً للعالم غير مسبوق. الأكثر بعداً عن الشّك وأقرب إلى اليقين هو بقاء كورونا حديث العامة والخاصّة في الأعوام القادمة، بين حديث مجالس وأخرى عمل دؤوب في البحوث العلمية لفيروس حقيقي يجتاح العالم أو مؤامرة سياسية وحرب بيولوجية مبكّرة خرجت عن السيطرة! أم علّه عقاب الله في الأرض كما يتبناه هذا أو ذاك. وبين هذا وذاك للحكيم أن يستثمر اللُّحمة في الأسرة ويبني ما ضعضعته الجائحة وتسبّبت به كثير قرارات الحكومات؛ بعضها بدأت بمهنية وضمير فأقالت أصحابها مؤسّسات هشّة وسخّرها جلّ المتنفّذين لنفسه وحاشيته فأذعن الإملاق والعوز بين الأسر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق