أطياف " زياد جيوسي" حُلم من نور تتمرد على المألوف/ إسراء عبوشي



   صدر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان " أطياف متمردة" للأديب زياد جيوسي في 212 صفحة من القطع المتوسط، وقد صنف الأديب زياد أطيافه المتمردة تحت عنوان " وجدانيات" ضمن 75 نصاً، فكانت وجدان الروح الذي يستدرج أناقة الغياب ويوظف دهشة الكلمة للتعبير عما يعتمل في داخله من أفكار.

   يزوره طيفها صباح مساء، لا يغادر الأمكنة، يبوح لطيفها بعشق خاص للحبيبة، التي تأتي حيناً وتذهب أحيانا أخرى، تجلب حنينا يشبه الحنين للوطن، يصبح طيفا من خيال عماد الأمكنة ويُشكّل طقوسه اليومية، هي غربة الذات في وطن مكبل بالقيود.

   يكتب زياد بقلم يتدفق محبة، نظرته الوجدانية لحقيقة الحبيبة والوطن، كلاهما يأتي مجزأً، حبيبة من خيال مع أنها حقيقة في مكان ما، ووطن مجزأ مقسم، الإنسان الحقيقي فيه مهمش، يوحد الكاتب الحبيبة والوطن بالغربة الحبيبة تتغرب عنه وهو غريب في وطن يحتله الأغراب، ولكن كل ذلك لا يستطيع أن يكسر روح الكاتب، ما زال يُحب ويَتنسم هواء عليل ويستمتع بربيع الوطن وأزهاره

   يبهر زياد القارئ بجلب مشاعر تحاسبه تعيش معه، هي خيال سامر أو أسطورة يخفق لها القلب، ويستدرجها العقل، حاله من الوله تغلي فيها الكلمات على سطح ساخن تتصاعد ... تتكاثف من جديد لتصب في الضلوع.

   يكتبها من مداد روحه من شغاف قلبه يصنع نصوصاً تنبض.. تهمس ... توشم الذاكرة حباً وحنيناً.

   بين الواقع والخيال هناك خياران للإنسان، إما أن يغوص في شقاء الحياة أو يهرب للأحلام يختار الكاتب أن يبقى بالوسط، ويُسطّر من تجارب الحياة حروفاً تُشكل الحقيقة على صفحة الأحلام.

   الكاتب يسبر غور النفس البشرية، يغوص في أعماقها يراها بمرآة الشعور، ويتابع صور انعكاسها على الواقع، يحلل غموض ما خفي بداخلها.

   حلم من نور يتمرد الطيف على المألوف ويحمل حبه للحسناء والوطن، طيفه وحده من يعرف تفاصيله الصغيرة، ونكهة القهوة وبوح الياسمين.

   تتماهي حبيبته مع فلسطين، وهو الغريب البعيد، يدفع ثمن العشق وجريمة الانتماء للوطن، كلاهما حرام لكنه يكسر " التّابو" ويحلم بطيفهما معاً.

وقد تكون رام الله الحبيبة وطيفها يلاحقه في الغربة.

   وفي نص “صباحنا معاً" قد يكون أوان الوصال، فها هو الكاتب يجوب الحقول ويعانق خضرة السهول وهي على صدره ويقطف الورد معا وبالنهاية لا يكون سوى طيفها من جديد، وقد استسلم الكاتب للأقدار.

   استمرار الطيف الذي يلاحقه ويعذبه كل حياته، ألم رشيق مخفي في خلجات القلب يخاطب الروح، ولا يطلب له شفاء.

   السادر بطل الحكاية بلا منازع، غربة.. عزلة.. ترحال، تكمل دلالات الحرية قيود البعاد، والغربة تأكل الروح، هو مفتاح القلب الذي ضاع مع الوطن، ليحاصر داخل قلبه وداخل وطنه، ويصارع أناته المكتومة.

   للكاتب قدرة عظيمة على الإيحاء والتأثير في نفسية القارئ وتحليل المشاعر، وجلب حنين ما إطاره يحدده القارئ في ركن مخفي من الذاكرة، هو يحاول أن يجد نفسه يبحر عميقاً، حقاً نحن جوعى للحقيقة، وجوعى للإنسانية الحقّة، فقد يسقط القناع ويظهر وجهنا وقد غسلناه برحيق وشهد زنابق الوطن.

   كل ذلك في إطار تراكيب لغوية آسرة، وجع ... تذكر ... حنين ... الفكرة ملهمة للقارئ تسقط ما بقلبه من انفعالات هي أبعاد مختلفة للعين والقلب وتُخرج أفكار أخرى في قوالب من صنع القارئ لا الكاتب.

   يُكرر وهم أطياف حلم خيال يقول "تتحولين" البعد، يجعل الحلم سراب ويستخدم الأزهار.. زنابق... ياسمين.. شقائق النعمان.. أقحوان ... من خضرة الوطن

   فأين تلك الجميلة.. التي لا يحدها زمان ولا مكان هي طيف المرافئ، تجلب الربيع في خريف العمر، تتمتع بالحرية كونها طيف، تمردها لأنها تعشق الأرض وتتمرد على عدو يقف بينها وبين هذا الحب رغم التعب.

   حتى التقيتك نص يلخص ذات الكاتب وماهية روحه، هو مجبول بالأمل يُعّرف الحب والأنسان بانه نسمات روح. حجم من التفاؤل  يريد أن يحيا الحياة بالأمل تنبت روحه كالتراب في بحث دائم عن الحب والجمال، هذا يبرر عدم عتابه لها وكونه لا يحمّلها هموم الاشتياق.

   وفي النبضة الأخيرة من" نبضات قلب" يرفض أن يسبب لها العذاب وكأن رغبتها لا توجعه وكل أمانيه أن يكون صباحها فرح.

  هكذا كان الأطياف المتمردة، حكاية عاشق يبحث في وطنه عن وطن، ويحلم بالمعشوقة البعيدة ويحلق في سماء الوطن.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق