ما حملته إتفاقيات اوسلو الإنتقالية والتي جرى التوقيع عليها بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الإحتلال في 13 أيلول عام /1994 ،كانت كارثية على شعبنا بكل المقاييس،سواء لجهة فكفكة النسيجين الوطني والمجتمعي وتقسيم الأرض والشعب،أو لجهة شطب قضيتي القدس واللاجئين تحت ما يسمى بالإتفاق الإنتقالي وإنتظار ما يسمى بمفاوضات الحل النهائي،ويكفي أن نذكر بان اوسلو مسؤول عن بقاء عشرات الأسرى من الداخل الفلسطيني- 48 – والقدس في سجون الإحتلال حتى الان لكون المفاوض الفلسطيني إستجاب ورضخ للشرط الإسرائيلي بعدم التفاوض باسم أسرى الداخل الفلسطيني - 48 – لكونهم قسراً يحملون الجنسية الإسرائيلية وأسرى القدس يحملون الهوية الإسرائيلية الزرقاء " مقيم دائم".
أوسلو الذي وصفه المغدور بيرس ثعلب السياسة الإسرائيلية بأنه النصر الثاني لدولة الإحتلال بعد النكبة،البعض ظل وما زال يدافع عنه ويتوق للعودة إليه من جديد.وقبل الولوج في متن المقالة وجوهرها، لا بد من التذكير والتأكيد لمن هم أصحاب ذاكرة قصيرة ويتلاعبون بالألفاظ ويجيدون خداع الجماهير وخداعها وبيعها الأوهام الكاذبة،بأن السياسة الخارجية الأمريكية تقررها الدولة الأمريكية العميقة وأصحاب الكارتيلات الإحتكارية الكبرى من مال ونفط وسلاح،وبالتالي الرئيس يعبر عن هذه المصالح،وإذا تجاوزها يجري استبداله او اقالته او اغتياله.
والرئيس الأمريكي الديمقراطي بايدن قال بشكل واضح بأن ليس شرطاً أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً،والحزبان الكبيران في أمريكا الجمهوري والديمقراطي متفقان على تفوق اسرائيل العسكري وبقائها قاعدة متقدمة لأمريكا وقوى الغرب الإستعماري في المنطقة.
والكونغرس الأمريكي شرع نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس في 23/10/1995،والإعتراف بها عاصمة لدولة الإحتلال،ولكن كان يجري تأجيل عملية النقل لإعتبارات المصالح والأهداف الأمريكية في المنطقة،حتى جاء الرئيس الأمريكي المتصهين ترامب وعمل على تظهير هذا القرار بإعلان قراره عن نقل السفارة في 6/12/2017،والإعتراف بها عاصمة لدولة الإحتلال في 14/5/2018،الذكرى السبعين لإغتصاب فلسطين.
مع عودة الديمقراطيين للحكم في أمريكا تجري محاولات ومراجعات للسياسة الأمريكية الخارجية من اجل إعادة تعويم مسار التسوية على الجبهة الفلسطينية- الإسرائيلية ومحاولة لإنعاش اوسلو من أجل إنتاج اوسلو 2 ما بين صفقة القرن وما بين الحكم الذاتي في سباق مارثوني تفوضي جديد للوصول الى ما يسمى بوهم حل الدولتين،هذا الوهم الذي جاءت قوى اليمين والتطرف في امريكا واسرائيل بقيادة ترامب ونتنياهو ،لكي تقضي عليه عبر سلسلة خطوات ومشاريع أقدمت عليها الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية من نقل للسفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس والإعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة الإحتلال وشرعنة الإستيطان في الضفة الغربية وحتى منتوجات المستوطنات،في حين عملت حكومة الإحتلال على إحكام سيطرتها على القدس والإجهاز عليها عبر المشاريع الإستيطانية وبناء ألآلاف الوحدات الإستيطانية،وتكثيف الإستيطان في الضفة الغربية وتشريع ما يسمى بالبؤر الإستيطانية ،وتركز الإستييطان في الأغوار لجودة أراضيها الزراعية وتوفر مصادر المياه فيها،وكذلك شطب الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني وفي المقدمة منها حق العودة بوقف تمويل وكالة الغوث واللاجئين " الأونروا".
اليوم مع مجيء الإدارة الأمريكية وفي ظل سفور وفجور التطبيع الرسمي العربي،يجري الحديث عن إنعاش المفاوضات واوسلو،ولكن دون إلغاء للقرارات الأمريكية السابقة التي استهدفت الحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني مثل نقل السفارة الأمريكية والإعتراف بها عاصمة لدولة الإحتلال،وشرعنة الإستيطان ومنتوجات المستوطنات،بل تنطلق المفاوضات من النقطة التي تكرست فيها الوقائع على الأرض،ومن الآن فصاعداً يطالب الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي عدم القيام بخطوات آحادية تؤثر على ما تبقى من حل الدولتين وإتفاق أوسلو،ويبدو السلطة الفلسطينية مستعدة وجاهزة ومتلهفة للمغريات التي قدمتها لها أمريكا الحديث عن إعادة فتح مكتب الممثلية الفلسطينية في واشنطن،إعادة عمل وكالة التنمية الأمريكية في الضفة الغربية،وتقديم المساعدات المالية للأجهزة الأمنية والسلطة الفلسطينية،وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القسم الشرقي من المدينة،وتمويل جزئي لوكالة الغوث واللاجئين.
تحت ذريعة ووهم تمايز بين الإدارة الأمريكية الحالية عن الإدارة الأمريكية السابقة ستجري العودة الى المفاوضات وتطبيق السلطة لإلتزاماتها الأمنية وفق اتفاق أوسلو، ونحن ندرك تماماً بان مصلحة امريكا ومصلحة اسرائيل واحدة والتمايز لا يمس جوهر الموقفين،والرهان على أن الإدارة الأمريكية ستمارس ضغوطاً على الحكومة الإسرائيلية للقبول بحل وسط،هو رهان خاسر،ووهم لحمل كاذب، وعودة ل " تجريب المجرب" من جديد،وتعاطي مع حقوق شعبنا بالمقامرة والتجريب،والقيادة تدرك تماماً بانه في ظل ميزان قوى مختل لصالح المحتل ،فإنه ليس بالإمكان انتزاع حل يلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الفلسطيني،دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران1967 وعاصمتها القدس،وضمان حق العودة لللاجئين الفلسطينيين وفق القرار الأممي (194).
الإدارة الأمريكية تدرك تماماً بان إعلان موت اوسلو وخيار ما يسمى بحل الدولتين،لن يشكل خدمة لا امريكا ولا دولة الإحتلال،بل سيصب في خدمة النضال الوطني الفلسطيني.
وهذا يعني بالملموس بأن الشعب الفلسطيني سيلتف حول خيار ونهج وثقافة المقاومة بكل أشكالها،وهذا يصب كذلك في خانة دعم محور المقاومة في المنطقة والذي بات يراكم إنجازات وإنتصارات ملموسة ،والتخلي عن الرهان على ما يسمى بمحور العقلانية والواقعية العربية،دعاة حلف الهرولة والفجور التطبيعي،وكذلك هذا سيحدث حالة طلاق مع ثقافة التسوية ونهجها وخيارها،لصالح نهج وخيار وثقافة المقاومة.
ومن هذا المنطلق نقول بشكل واضح بان الإدارة الأمريكية، لا تريد لما تحقق من تكريس للوقائع على الأرض الفلسطينية وتشكل الأحلاف الأمنية والعسكرية بين دولة الإحتلال والعديد من دول النظام الرسمي العربي ان ينهار،ولذلك يجب العمل على اعادة المفاوضات وإنعاش اوسلو وإدارة الصراع لا حله بما يمكن اسرائيل من تحقيق أهدافها الإستراتيحية في المنطقة،وبما يقطع الطريق على تعزيز الإلتفاف الشعبي والجماهيري حول خيار ال م ق ا و مة ،وما المانع من العودة للتفاوض لمدة ربع قرن أخرى بلغة المغدور شامير رئيس وزراء الإحتلال الأسبق دون تقديم أي تنازل للعرب،بل تحقيق المزيد من الإنجازات لصالح دولة الإحتلال.
ولهذا فإنّ مصلحة نضال شعبنا في فلسطين المحتلة، وقواه الوطنية، إنما تكمن في قطع الطريق على هذه الخطة الأميركية، من خلال توحيد الموقف الفلسطيني حول خيار المقاومة بكل أشكالها من ناحية، والتمسك بالحقوق الوطنية الفلسطينية ورفض التفريط فيها وفي مقدمها حق العودة من ناحية ثانية.. لا سيما أنّ اتفاق أوسلو الذي دفنه الاحتلال لم يعد يريد منه سوى توفير الغطاء لمواصلة سياساته الاستيطانية وتكريس الأمر الواقع الاحتلالي من جهة، واستمرار السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الصهيونية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق