أنقذونا وأنقذوا لبنان.
منذ أجيال وكل المذاهب في لبنان تستغيث: أنقذونا وأنقذوا لبنان. السنة يستغيثون. الموارنة. الدروز. الشيعة. الكاثوليك الخ.
منذ ما قبل القائم مقاميّتين، ومنذ ما قبل المتصرفية و"المنقذون" كثر: فرنسا، روسيا، بريطانيا، بروسيا، النمسا، تركيا، ايران، اسرائيل، السعودية، أميركا، مصر، العراق، ليبيا، سوريا... الى آخر القائمة. والنتيجة: المزيد من الضحايا المسيحيين والمسلمين. والمزيد من الهدم والخراب والهجرة والتهجير. واتفاق تحاصصي مذهبي جديد يخدم لعقد أو عقدين ونعود الى الاقتتال من جديد. ونعود الى المطالبة بحقوق الموارنة والسنة والشيعة والدروز والكاثوليك والروم والى آخر السلسلة.
ففي كل الاتفاقات التي عُقِدت كانت حقوق الطوائف محفوظة. فالطائف مثلاً وزَّع الحقوق مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. ولكن من منع هذه الحقوق من الوصول؟ أم أنها وصلت؟ الظاهر انها وصلت الى زعماء الطوائف وميليشياتها ومافياتها ولم تصل الى عموم المسلمين والمسيحيين، وإلا لِمَ المطالبة بها مجدداً؟ زعماء الطوائف لم يتعبوا، لا هم ولا أولادهم ولا الأحفاد، من المطالبة بحقوق المسيحيين وحقوق المسلمين ثمَّ يأكلونها نيابة عنهم و يتركونهم للجوع والمرض والحرمان والهجرة.
ونعطي مثلاً: غالبية أبناء الطائفة الشيعية كانت من أكثر اللبنانيين حرمانا، مما دفع الامام موسى الصدر لتشكيل حركة المحرومين التي كانت تعبّر وقتها عن حرمان غالبية اللبنانيين ومن كل الطوائف. وانتهت الى حركة شيعية برئاسة نبيه برّي. وانتقل لبنان من حكم المارونية السياسية الى حكم الشيعية السياسية ولكن غالبية أبناء الطائفة الشيعية اليوم بقيت محرومة باستثناء نبيه بري وأفراد عائلته والمرتبطين به وبالثنائي الشيعي الحاكم. لا يوجد محلل سياسي منصف اليوم يمكنه القول ان الطائفة الشيعية محرومة. ولكن لا يوجد محلل اقتصادي منصف يمكنه القول ان غالبية أبناء الطائفة الشيعية ليست محرومة. اذن لقد حصلت الطائفة الشيعية كطائفة على حقوقها. لكن هذه الحقوق لم تصل الى الشيعة بل الى زعماتهم. من هنا يمكنني القول، وبكل راحة ضمير، ان من أكل حقوق الطائفة الشيعية هم زعماء هذه الطائفة.
وبالمنطق نفسه أقول أن من أكل حقوق السنة هم زعماء السنة أنفسهم. ومن أكل حقوق الموارنة هم زعماء الموارنة أنفسهم. ومن أكل حقوق الدروز هم زعماء الدروز، ومن أكل حقوق الكاثوليك والروم والعلويين والأرمن هم زعماؤهم أنفسهم. ومن ساعدهم في أكل هذه الحقوق هو المواطن المحروم فعلاً والذي لا زال يصدّقهم أنهم يطالبون بحقوقه.
حقوق المسيحيين يا سادة هي في دولة المواطنة. وحقوق المسلمين هي في دولة المواطنة أيضاً. المسيحي تصله حقوقه عندما يستطيع العيش في أرضه بكرامة. عندما يستطيع أن يعمل دون الوقوف على أبواب الزعيم. عندما يجد الدواء لمريضه. وحقوق المسلم تصله عندما بستطيع التعبير عن رأيه دون تدخل كاتم الصوت أو رجل المباحث. عندما يستطيع ارسال أولاده الى مدرسة محترمة. وحق المسلم والمسيحي يتأمّن عندما يأمنان لعدالة القضاء واستقلاليته وخضوع الجميع وأولهم الزعماء لسلطته دون خطوط حمر، وعندما يثقان بالقوى الأمنيّة انها للمحافظة على سلامتهما وليست خادمة في قصور الزعماء.
مئة سنة من عمر لبنان الكبير وهم يطالبون بحقوق الطوائف والمذاهب والنتيجة حرمان الجميع من أبسط الحقوق. استمرار المطالبة بحقوق الطوائف لن يصلَ بنا الا للنتيجة ذاتها: زعامات ومافيات وميليشيات تحتمي بالطوائف وتنهب البلد وتعيش بالقصور، وشعب منهوب يعيش على الاعانات وضوء الشمعة. فمتى نتوقّف عن المطالبة بحقوق الطوائف وننتقل الى المطالبة بحقوق المواطن؟
المسيحيون يستغيثون وكذلك المسلمون: أنقذونا من زعمائنا لنبني وطن المواطن الذي يعطي الجميع حقوقهم ويضعهم أيضا أمام مسؤولياتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق