الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية اوقعت الاقلية الفلسطينية في مأزق بنيوي انتمائي كبير ونتائجها وضعت النخب السياسية الفلسطينية في عين الاعصار.
الكل، الجماهير والقيادات، ما زالت تتخبط وتبحث عن مخرج من المأزق وملاذ آمن من الاعصار . وما زال التراشق بالاتهامات والإدعاءات وشخصنة المسؤلية هو سيد الحال.
جماهيرنا حالها كحال قياداتنا، كلهم يبحثون عن حلول للمستقبل في الماضي… وتراهم كلهم لا يأبهون بفلسفة علماء التاريخ التي تقول: ندرس التاريخ لا لنعيد ونكرر احداثه، انما لكي نحرر انفسنا وذاتنا منه.
نعم …وانا اقول بأن الانشغال في احداث التاريخ ومجرياته نادراً ما تعطينا اجوبه على اسئلة الحاضر وتحديات المستقبل… لكنها تفتح امامنا دائما باقة من الاحتمالات لوضع استراتيجيات تعاطي واقعية مع حاضرنا وفتح باب الأمل لمستقبلنا.
تأسيس القائمة المشتركة كان جواب استراتيجي بامتياز وموقف تحدي قاطع على محاولات مؤسسة المحتل الصهيوني لتهميشنا واخراجنا من المعادلة السياسية. القائمة المشتركة اعادت الاعتبار لاهل البلد الاصليين في واقعهم المعقد وكان بالامكان ان تكون منصة انطلاق جديدة لنخرج من مربع المطالبه بالعداله وننتقل الى مسار المطالبة بالحريه. حرية اهل البلد الاصليين بالعوده الى قراهم التي اقتلعوا منها… حرية التعلم بمنهاج ينصف تاريخهم وعاداتهم وحضارتهم ولغتهم، حرية ادارة امورهم وبنيتهم التحتية واقتصادهم… حرية اهل البلد الاصليين التي تؤكد عليها اعراف دوليه وقوانين اممية.
كان هذا ممكن لو أخذت القيادات السياسية لمكوناتها الاربعة بالنصائح الموجه لها من مفكرينا واستراتيجيينا وخبراءنا…لكنهم وللأسف دخلوا الى قصر المشتركة الذي بناه الشعب المؤمن بقوة الوحدة والمقتنع باهمية مجابهة العنصرية الصهيونيه بصف واحد، واقفلوا الباب باحكام خلفهم. منعوا التوسع وبنوا سد مانع امام الانتقال من طلب العدالة من الحاكم الغاشم الى المطالبة بالحرية من العبودية التي فرضها نظام المستعمر الصهيوني علينا. لم يأخذوا بفلسفتي التي بها اقول ان من اراد البقاء عليه ان يتغير ويتطور.
كانت القوة الاكبر في المشتركة، وما زالت، تؤمن ايدلوجياً بان المطالبة بالمساواة الاجتماعية ضمن منظومة الحكم الصهيوني هو قمة ما يمكن للاقلية الفلسطينية ان تصل اليه بنضالها… وانضمت لهذا الطرح مكونات المشتركة الثلاثة الاخرى وتنازل التجمع الوطني الديمقراطي طوعاً وخطأً عن برنامجه التحرري الوطني وانضم الى جوقة المطالبين بعدالة المستبد!
اسرائيل قطار به قاطرة وله عربات من درجات مختلفه…هكذا اصور واقع اسرائيل. الاقلية الفلسطينية ما زالت تجلس ومنذ عشرات السنين في عربة الدرجة الرابعه والنخبة السياسية الفلسطينيه كانت وما زالت تَعِّد جماهيرها بنقلهم الى عربة الدرجه الثالثة… واستمرت المشتركة بهذه الاستراتيجية حتى انشقت القائمة الموحدة عنها واتت " بنهج جديد"… نهج التيار المتنفذ في الحركة الاسلامية الجنوبيه … نهج الاخوان المسلمين. هذا النهج الذي الذي لم يأتي باستراتيجية جديدة بل زاود على استراتيجية المشتركة وقال للجماهير الفلسطينية في اسرائيل: نحن سوف ننقلكم من عربة الدرجة الرابعة الى عربة الدرجة الثانيه او حتى الاولى … وسوف نحقق هذا بالانبطاح وبالاسرلة الغير مشروطه…نحن لن نكون في جيب احد. وقرأ هؤلاء الواقع الاسرائيلي بسذاجة سياسية سطحية مفادها ان الاقلية الفلسطينية امام خيارين لا ثالث لهما؛ اما ان تختار السيء او ان تختار الاسوء !
انا اسمي هذا النهج "استراتيجية الصندل" … منفتحون على كل الجهات . وبهذه الاستراتيجية يكون الولاء للمستبد والقبول بشروطه للحصول على فتاته وكل هذا مربوط بالسعر الذي تدفعه الجهه الاقوى وبغض النظر عن ماضيها وسياساتها وبرامجها العنصريه تجاه شعبنا الصامد.
برنامج القائمة المشتركة للانتخابات تمحور حول طلبات اجتماعيه بحتة وبقي اسير استراتيجية المركب الاكبر بها … الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواه. التجمع الديمقراطي بضعفه البنيوي وانشغاله بذاته لم يستطع ان يغير شيء بهذه الاستراتيجية وانضم مرة اخرى لجوقة "المساواه والتعايش" البالية. وبقي الطيبي، الذي لا يملك استراتيجية اصلا، يتربص لفرصة " الضاحك الثالث" والرابح في الصراع بين الجبهة والاسلاميه على قيادة المشتركة. واتت النتائج كما تعرفونها … لكن الصراع بين المشتركة والموحدة لم ينتهي بعد بل انتقل الى جولة اخرى عززت بها الانقسام ومراكمة العداء الذي وصل الى جماهير الطرفين. الاقلية الفلسطينية بالداخل وبعد الانتخابات متواجده الان في اضعف اماكن تواجدها منذ عشرات السنين. بعد صحوة الهوية الوطنية التي بدأت بتأسيس التجمع الديمقراطي وتصاعدت بعد اتفاقيات اوسلو داخل اطر واسعة من ابناء شعبنا الصامد بالداخل، عادت النخب السياسية الى مربع الاسرلة من بابه الواسع واصبح الطرفين يتقاتلون على من هو الاسرع والانجع بهذا.
احدا من الطرفين لم يتعلم من الماضي والتوصية على الجنرال غانس وبقي الطرفان كل في خندقه اسير استراتيجياته المتواضعه التي لا تعرف التحدي ولا تحاول فتح باب المواجهه مع المستبد.
رغم هذه السوداوية التي تحيط بنا من كل الجهات الا ان هذه الانتخابات اوضحت لنا بان التعددية داخل الاقلية الفلسطينية تفتح امامنا فرص جديدة للعمل المشترك.
المشتركة تأسست سنة 2015 كتحالف انتخابي يفتح المجال لمركباتها الاربعة لعبر نسبة الحسم بالتكاتف والتضامن… المشتركة لم تكن يوماً حلف سياسي استراتيجي ولم تعمل مركباتها بالسنين الماضيه على جعلها حلف استراتيجي للاقلية الفلسطينيه بتعدديته وقناعاته السياسيه المختلفه. كما وانها لم تعمل على دمقرطة مؤسسة المشتركة والمؤسسات الفلسطينية الاخرى كلجنة المتابعه وبقيت العلاقه بين المركبات مبنية على تجاذبات شخصية وتنافر ايدلوجي سياسي.
التعددية السياسية الايدلوجية داخل الاقلية الفلسطينية كنز لم يتم حتى الان استغلاله لتقوية الذات بمواجهة عنصرية المستبد الصهيوني. شعبنا بالداخل به الشيوعي الاممي وبه اللبرالي وبه الاسلامي الاممي المحافظ وبه الوطني الاصيل وفيه أيضاً المتأسرل المتصهين. لكل من هذه الفئات الاربعة الاولى جمهوراً ولكل من هذه الفئات حزبا او حركة. ما على الاحزاب والحركات الان وبعد ما حصل الا ان تركز همها وجهدها وتخاطب جمهورها ببرنامج يوضح هويتها السياسية وقناعاتها الايدلوجية حتى لا تبقى الاكثرية الساحقة (في الانتخابات الاخيرة 55%)خارج اللعبة السياسية. وبعدها تعمل على بناء حلف سياسي استراتيجي ديمقراطي بينها مبني على القاسم السياسي الوطني المشترك الاكبر دون الانجرار الى التبعية العمياء والابتزاز بالمقاعد والتخلي عن القناعات السياسية المختلفة.
رب ضارة نافعة … بحصول القائمتين الفلسطينيتين، المشتركة والموحدة، على اقل من 40% من دعم اصحاب حق الاقتراع داخل الاقلية الفلسطينية اصبح واضح ان جماهيرنا لا تريد الاوضوح السياسي بل تريد برامج سياسية واضحة وتريد وحدة وطنية حقيقية مبنية على الاحترام المتبادل … وحدة مبنيه على قواسم وطنية صريحة تحترم التعددية لمواجهة العنصريه الصهيونيه.
قرار الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة الالتحاق بموقف التجمع الديمقراطي بعدم التوصيه على اي طرف من الاطراف الصهيونية هو خطوة بالاتجاه الصحيح وتعرية لهؤلاء الذين ما زالوا يقاتلون من اجل عدالة المستبد.
لعلهم يعقلون …
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق